عبارة “لن نسامحكم”، تدلّ على أن دواخل الجزائريين مملوءة غضبا واستنكارا واستياء وغيضا، مما ارتكبته أيادي و”كرعين” وعقول العصابة والحاشية وبطانة السوء وكلّ المتورّطين في الفساد والنهب والسلب، ولذلك مازالت أصوات المتظاهرين ترتفع في مسيرات الحراك السلمي، رغم مرور 23 جمعة، مطالبة بالقصاص والحساب والعقاب دون رحمة ولا شفقة! المواطنون يطالبون بتوسيع التحقيقات والتحرّيات من القمة إلى القاعدة، وهو الحاصل في حقيقة الأمر منذ عدّة أسابيع، لكن “المقنوطين” ينتظرون المزيد من المحاسبات والملاحقات ضد أميار ومنتخبين ونواب ومسؤولين “خلاوها” على مستوى البلديات والدوائر والولايات، وعاثوا في الأرض فسادا، ومنهم من لم يقنع فلم يشبع، حتى بلغ السيل الزبى! الإفساد الذي حدث على مدار السنوات الأخيرة بمختلف مناطق الوطن، خاصة الجزائر العميقة، ولم تسلم منه حتى الربوات المنسية والمناطق الأكثر “فقرا” في البلاد، هذا الإفساد تحوّل إلى ظاهرة تعمّ الأرجاء وعدوى تنتقل بالليل والنهار بين مكاتب وبيوت المسؤولين، دون تمييز ولا مفاضلة، باستثناء القلة القليلة التي “تخاف ربي” أو تخاف من ظلها! ما حدث من فساد مبرمج وغير مبرمج خلال السنوات الماضية، أعاد الاقتصاد الوطني إلى الوراء بسنوات ضوئية وأخرى قمرية، وفرمل التنمية وقتلها، وأفقد المواطنين صبرهم، وأشاع اليأس والإحباط والقنوط، وحوّل بعض “المحظوظين” بفعل الفساد إلى أثرياء أزمة، وجعل من بعضهم مستثمرين، وآخرين مستوردين، ونوعا آخر رجال أعمال! صياغة قوانين على مقاس “المجموعة الصوتية”، ساهم بشكل متنام في تسمين الفساد وتفريخ مفسدين جدد في مختلف القطاعات والتخصصات، ولذلك تضاعفت الخسائر وكانت الفواتير صادمة وخيالية، وبدأ الجزائريون الآن يكتشفون هول الكارثة التي قد تحتاج إلى فترات طويلة لتضميد الجراح وترتيب الأوراق المبعثرة هنا وهناك! المواطنون يقولون بالفم المليان وبأعلى صوتهم: “الله لا تربّحكم.. والله ما انسامحوكم”، وبين الدعاء والقسم، حدث الذي حدث نتيجة التواطؤ ولأن “حاميها” كان “حراميها” لسنوات طويلة، ولأن الحساب والعقاب كآلية تمّ إدخالها عنوة في الثلاجة وتعرّضت للتجميد الشديد، ولم تعد قادرة على الحركة والتحريك، فقد استمرّ الفساد وتكاثر عليه الحسّاد! عوض أن يتنافس بعض المسؤولين والوزراء والأميار والولاة، ويتسابقون في التنمية والبناء والإصلاح والتشييد واستحداث مناصب الشغل وترميم الطرقات ودفع المشاريع وتسوية مشاكل المواطنين، فإنهم للأسف، كانوا “يتهارشون” على من يسرق أكثر، ومن يستفيد أكثر، ومن يخطف أكثر، وبعدها يتم بكلّ دناءة “مسح الموس” في ضحايا وأبرياء، وإحالة الفاتورة على الخزينة العمومية.. فعلا: “إذا ربحتو يربح خاين السوق”!