“قسما” التي يعرفها الجزائريون أبا عن جد، لا تعني القسمة والتقسيم والتقاسم، لكن كمشة من المنتفعين والانتهازيين والوصوليين و”الغمّاسين” و”الشحّامين” والسرّاقين، يعرفونها على أنها توزيع للريع ونهب للثروات ونصب واحتيال واختلاس وإبرام للصفقات المشبوهة، ولذلك تكاثر المفسدون وآليات تسمين الفساد والإفساد خاصة خلال العشرين سنة الماضية! ما يحدث هذه الأيام، بالعاصمة وأغلب ولايات الجمهورية، من ملاحقات قضائية وتحقيقات أمنية، وإيداع للحبس، يكشف كيف جعل المتهمون والمتورطون والمشتبه فيهم، من "قسما" أداة لتقسيم الثروة الوطنية تقسيما غير عادل، وتقاسم القروض وفق قانون على المقاس، وقسمة "التركة" خارج الأخلاق والشرع والقوانين الوضعية العادلة والمنصفة! ولذلك، رفع متظاهرون خلال حراكهم في الجمعة العشرين، المصادف لعيد الاستقلال، لافتات وشعارات كتبوا عليها عبر مسيراتهم في عديد الولايات: "قسما"، وكانت تفيد الكثير من المعاني والفئات.. قسما.. لا تسامح مع العصابة، وقسما.. لا تسامح مع الاستعمار، وقسما.. لا تسامح مع عبدة المستعمر وأصنامه، وقسما.. لا صفح عن الفاسدين، وقسما لا تنازل عن الوحدة الوطنية وسيادة الجزائر، وقسما.. “الجيش الشعب تحت أمر الجزائر”. فعلا، لقد "مضى وقت العتاب، وحان وقت الحساب"، ولذلك، فإن أغلبية الجزائريين تريد "جزائر جديدة"، أول خطوة لبنائها تكون حجرة انتخابات حرة ونزيهة، وهذه الحجرة تتشكل من أحجار الحوار والتوافق والتنازل والتفاهم والتبصّر والحكمة واحترام الآخر، ليتمّ بعدها العثور على حجر التشييد والعدل والإنصاف والمساواة والحقّ والواجب والحريات وتطبيق القانون بلا تمييز ولا مفاضلة والتوفيق بين الجزاء والعقاب والمكافأة! الجزائري الحرّ قد "يحلف" وإذا "حنث" يصوم ثلاثة أيام، إيمانا واحتسابا، ولذلك فإن "قسما" عنده غير قابلة البتّة للقسمة على اثنين ولا ثلاثة ولا أربعة ولا إلى أيّ رقم من الأرقام، فهو يؤمن بهذا القسم جملة وتفصيلا وقلبا وقالبا وشكلا ومضمونا، والغريب أن "الحفنة" الضالة التي أوّلت "قسما" وقسمت به المال العام و”ملك البايلك” وسرقت به العقارات والأراضي والامتيازات، من بينها القلة القليلة التي تريد يائسة تقسيم مكاسب الحراك ونصره بما يعيد لها غنائم "الكوطة" والتعيين بعيدا عن الصندوق وميزان الانتخابات! “قسما”.. لا ديمقراطية بلا انتخابات، ولا إرادة شعبية بلا ترشح واختيار، ولا دولة قوية بلا ممثلين فعليين للشعب، وهذا "القسم" هو الذي تكفر به فئة قليلة لا يُمكنها أبدا أن تغلب فئة كثيرة لأن نواياها وأهدافها مبنية “على الخدع”!