بعد أن وصل إلى طريق مسدود في الجهود الرامية لنزع فتيل الأزمة التي تجتاح لبنان، أبلغ سعد الحريري مسؤولاً كبيراً بحزب الله، الاثنين، بأنه لم يكن لديه خيار سوى الاستقالة من منصب رئيس الوزراء وذلك في تحد للجماعة الشيعية القوية، وفق ما ذكرت وكالة رويترز للأنباء، الخميس. وتسبب قرار الزعيم السُّني في صدمة لحسين الخليل، المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، والذي نصحه بعدم الإذعان للمحتجين الذين أرادوا الإطاحة بحكومته الائتلافية. ويسلط الاجتماع، الذي نقلت تفاصيله لوكالة رويترز للأنباء أربعة مصادر كبيرة من خارج تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري، الضوء على لحظة مهمة في الأزمة التي تعصف بلبنان منذ أسبوعين بينما أذعن الحريري للاحتجاجات الحاشدة ضد النخبة الحاكمة. وأحدثت الاستقالة فراغاً سياسياً وشلت مفاصل دولة في حاجة إلى تحرك عاجل لإخراج لبنان من أزمة اقتصادية تؤثر بشدة على جميع اللبنانيين بما في ذلك أنصار حزب الله من الشيعة. ولم يتسن على الفور الوصول إلى مسؤولين في مكتب الحريري أو من حزب الله للحصول على تعليق. وبدأ الاجتماع في الثامنة مساء في (بيت الوسط) مقر إقامة الحريري بالعاصمة بيروت ولم يستمر طويلاً. وذكر أحد المصادر، أن الحريري قال لحسين الخليل “لقد اتخذت قراري. أريد الاستقالة من أجل إحداث صدمة إيجابية وإعطاء المحتجين بعضاً مما يطلبون”. وسعى حسين الخليل لإثنائه عن موقفه. وقال له “هذه الاحتجاجات صارت على أبواب أن تنتهي تقريباً.. صارت بآخر نفس، نحن حدك (بجانبك) . خليك قوي”. لكن الحريري تمسك بقراره. وشكا الحريري من عدم حصوله على الدعم الذي يحتاجه لإجراء تعديل كبير في الحكومة ربما كان سيسهم في تهدئة الشارع ويسمح بتنفيذ إصلاحات على وجه السرعة. وقال “لم أعد أتحمل ولا أتلقى أي مساعدة”. وقال الحريري، إن المشكلة الرئيسية تتمثل في وزير الخارجية جبران باسيل الحليف المسيحي لحزب الله وصهر الرئيس ميشال عون والذي اختلف الحريري معه مراراً منذ تشكيل حكومته في جانفي. وفي حين سعى الحريري لإجراء تعديل وزاري كبير كان سيتضمن استبعاد باسيل، الذي كان هدفاً لانتقاد المحتجين، وآخرين غيره فقد قاوم باسيل وعون أي تعديل على أساس أن المتظاهرين قد لا يبرحون الشارع ويطالبون بمزيد من التنازلات. وقال المصدر، إن الحريري قال لمعاون نصر الله “أنتم يا حزب الله تقفون خلف جبران وتدعمونه”. وعبر الحريري عن شعوره بالارتياح بعد إعلان استقالته. وقال مسؤول كبير مطلع لرويترز، إن الحريري قد يشكل حكومة جديدة إذا تمت الموافقة على شروطه. ضربة لحزب الله تمثل الاستقالة ضربة كبيرة لحزب الله الذي انخرط أكثر من أي وقت مضى في شؤون الحكومة اللبنانية ويحرص مثل أي طرف على تفادي مشكلات مالية أعمق قد تقود إلى أزمة عملة من شأنها أن تحدث حالة من عدم الاستقرار. وقبيل الاستقالة قال نصر الله في مناسبتين، إنه يعارض استقالة حكومة الحريري وأشار إلى أن بعض المحتجين يحصلون على تمويل من أعداء خارجيين لحزب الله وينفذون مخططاتهم. وبموجب نظام المحاصصة المتبع لاقتسام السلطة في لبنان فإن منصب رئيس الحكومة يجب أن يشغله سُّني مسلم. وفي حين أن لحزب الله حلفاء من السُّنة فإن الحريري يعتبر عاملاً حاسماً للخروج من هذه الأزمة بفضل الدعم الدولي الذي يحظى به. وقال مصدر مطلع على فكر حزب الله: “هذه ضربة قوية للحزب. أصبح مكبل الأيدي.. الفائز الأكبر هو الحريري”. وتولى الحريري رئاسة الحكومة للمرة الثالثة وقد أصبح ميزان السلطة يميل إلى حزب الله الذي حصل مع حلفائه على أكثر من 70 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 128 في الانتخابات التي أجريت عام 2018. وخسر الحريري أكثر من ثلث المقاعد في تلك الانتخابات ومنها مقاعد فاز بها سُّنة متحالفون مع حزب الله. ونال حلفاء حزب الله ومنهم التيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه باسيل وعون على نصيب الأسد في الحقائب الوزارية في حكومة الحريري. واختلف الحريري مع باسيل خاصة فيما يتعلق بالإصلاحات الضرورية لسد الفجوة في المالية العامة للدولة. وشكل حزب الله تحالفه مع التيار الوطني الحر عام 2006 وحصل على صديق مسيحي يتمتع بالنفوذ في وقت شهد إعادة تشكيل الوضع السياسي اللبناني نتيجة انسحاب قوات الحكومة السورية التي هيمنت على البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية من 1975 إلى 1990. وخلال توليه منصب وزير الخارجية تحدث باسيل في منتديات دولية مثل جامعة الدول العربية للدفاع عن حزب الله وعن حيازته للأسلحة. وينظر إليه على أنه مرشح محتمل للرئاسة. وفيما يتسق مع رؤية حزب الله دعا باسيل إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد اجتماع عقد في وقت سابق من أكتوبر، مما أثار مزيد من الخلاف مع الحريري بسبب تعارض ذلك الموقف مع سياسة الحكومة اللبنانية. وقال المصدر المطلع على فكر حزب الله، إن الحزب أحجم عن مهاجمة الحريري بسبب قراره الخاص بالاستقالة ليترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية أن يصبح رئيساً للوزراء مرة أخرى في حكومة ائتلافية جديدة. وقال المصدر، إن حزب الله “يجب أن يحافظ على خط الرجعة” للخروج من الأزمة. Exclusive: How Lebanon's Hariri defied Hezbollah https://t.co/3oJrH7D1BS pic.twitter.com/55OOQpZp6E — Reuters (@Reuters) October 31, 2019