فتحت قضية الأسير سامر العربيد من مدينة رام الله ملف التعذيب الوحشي داخل المعتقلات الصهيونية، الذي زادت وتيرته مؤخرا، وأودى بحياة أكثر من سبعين أسيرا منذ العام 1967حتى يومنا هذا. تزعم سلطات الاحتلال بأن الأسير العربيد وثلاثة أسرى آخرين قاموا بتفجير عبوة ناسفة بتاريخ 23 أوت 2019 بموقع عين بوبين قرب قرية عين عريك غرب رام الله. وعليه استصدر جهاز المخابرات (الشاباك) تصريحا قضائيا خاصا لاستخدام كل الوسائل التي يراها المحققون مناسبة للتحقيق مع العربيد، بحجّة وجود معلومات لديه حول عبوة ناسفة أخرى، كانت مُعدّة لتنفيذ عملية تفجير ثانية. يُذكر بأن الأسير العربيد تعرض لتعذيب شديد منذ لحظة اعتقاله بتاريخ 25 سبتمبر 2019 وخلال التحقيق معه، ما أدى لإصابته بنزيف رئوي وكسور في الأضلاع، ورضوض في جميع أنحاء جسده، إضافة إلى إصابته بفشل كلوي، تم على إثره نقله إلى المستشفى وهو ما زال يعاني من حالة صحية حرجة. إن قضية العربيد ليست الأولى من نوعها، فدولة الاحتلال لم تلتزم منذ نشوئها بقواعد ومبادئ حقوق الإنسان العالمية، حيث إنها أخضعت الفلسطينيين لقوانينها الداخلية التي تتعارض بالكامل مع القوانين الدولية. وحتى بعد اتفاق أوسلو عام 1993 الذي كان يفترض على أساسه التعامل مع الأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب تنطبق عليهم القوانين الدولية، ظلت دولة الاحتلال تعتبرهم “مجرمين” خاضعين لقوانين حكومة الصهاينة العسكرية. كما شرعت حكومة الاحتلال عام 1996 ما يسمى “قانون الشاباك”، الذي يسمح لرجال “الشاباك” باستخدام التعذيب تجاه الأسرى. بمعنى أن سلطات الاحتلال تحاول شرعنة إجراءاتها وسياساتها التعسفية وغير القانونية بما يتناسب مع رؤيتها الأمنية و حالة الاستثناء التي تود خصخصتها للحالة الفلسطينية. فقط في المعتقلات الصهيونية يعتبر التعذيب “إجراء نظاميا”، تتباهى به سلطات الاحتلال، ولا تخجل من شرعنته ولفّه بغطاء قانوني.. فقط دولة الاحتلال هي التي تخرق القوانين والاتفاقيات الإنسانية والدولية دون حسيب أو رقيب.. فقط الشعب الفلسطيني هو الذي يخضع للاحتلال العسكري المباشر.. فقط دولة الاحتلال، هي التي لا يقوى أحد في العالم على اتخاذ إجراءات عقابية بحقها .. إنه لمن مصلحة المجتمع الدولي أن يقوم بالتركيز على الجرائم التي يقترفها الاحتلال الصهيوني، بحق الشعب الفلسطيني ومعالجتها، كون هذا الاحتلال بات يُشكّل شذوذا يُعكّر صفو وتناغم المنظومة الإنسانية والقانونية الدولية، ويهدّد القيم والأعراف التي بنيت عليها هذه المنظومة برمتها. مع دخوله العام التاسع عشر خلف القضبان ..الأسير سمير الطوباسي تحدى الاحتلال وحكم المؤبد المفتوح بالتعليم مع دخوله العام التاسع عشر خلف القضبان، التحق الأسير سمير عبد الفتاح طوباسي، ببرنامج الدكتور بعدما حصل على شهادة البكالوريوس ودرجة الماجستير، وتتمنى والدته الستينية الصابرة حورية الطوباسي أن “تفرح قريبا بحريته ونجاحه وزفافه”، وتضيف “بإرادة صلبة ومعنويات عالية وتحد للاحتلال وسجونه وأحكامه الظالمة، تحدى ابني بالتعليم وصمم على استثمار كل لحظة من اعتقاله ليحصل على أعلى الشهادات العلمية التي تؤكد فشل أهداف وسياسات الاحتلال”، وتكمل “منذ اعتقاله، عانى الكثير في التحقيق والمحاكم والعزل وتعرض لكل العقوبات، لكنه أكمل المشوار وكله إيمان بأن فجر الحرية قادم، وهذا الاحتلال مع سجونه لزوال”. من حياته .. أبصر الأسير سمير النور بتاريخ 15/ 9/1982، لعائلة لاجئة في مخيم جنين، ويعتبر الثامن في أسرته المكونة من 13 نفرا، وبفخر واعتزاز تقول والدته “ابني صاحب نخوة وشهامة ورجولة، منذ صغره ربيته على الأخلاق الحميدة والتقوى والدين وحب الوطن والانتماء إليه، بار وملتزم دينيا ومخلص ومعطاء، كريم وشجاع”، وتضيف “نشأ وتربى في مخيم جنين وتلقى تعليمه في مدارس الوكالة حتى أنهى الثانوية العامة ولم يكمل بسبب ظروف العائلة الصعبة فتوجه للعمل بعدة مهن في الداخل حتى اعتقاله الذي كان مفاجئا لنا”، وتكمل “تميز بحب وطنه وشعبه والغيرة عليهما كما روحه، وعندما كان يسمع بخبر هدم منزل أو سقوط شهيد يتأثر ويحزن ويغضب وكأنه يعرفهم”. الاعتقال والتحقيق .. رغم مسؤولياته الأسرية وعمله، انخرط سمير بشكل سري في صفوف سرايا القدس مع اندلاع انتفاضة الأقصى، وشارك بكافة الفعاليات والمسيرات ومقاومة الاحتلال الذي اعتقله بتاريخ 15/ 8/2001، وتقول والدته أم جمال “لم نكن نعلم بدوره ونشاطه في مقاومة الاحتلال، وفي ذلك اليوم، توجه لعمله بشكل طبيعي إلى قرية باقة الغربية في الداخل، وبعد ساعات علمنا عبر وسائل الإعلام أن الوحدات الإسرائيلية الخاصة اعتقلته في كمين مع زميل آخر معه”، وتضيف “عشنا الصدمة والخوف والقلق على مصير ابني الذي انقطعت أخباره عنا حتى علمنا بعد أسبوعين باحتجازه في زنازين التحقيق في سجن الجلمة التي قضى فيها أكثر من شهر وسط العزل والتعذيب ومنع الزيارات”. معاناة المحاكم .. من التحقيق، نقل الاحتلال سمير لسجن مجدو، لتبدأ رحلة المعاناة بين المحاكم، وتقول والدته “أصعب اللحظات والمحطات في اعتقال ابني كانت بين المحاكم، فقد تجرعنا مرارة العذاب والألم بين المحاكم وفي كل مرة يمدد الاحتلال توقيفه حتى أصبحنا نتضرع لله ليخلصنا من هذه المعاناة المريرة في ظل ممارسات الاحتلال والسجانين التعسفية التي استمرت 4 سنوات متتالية”، وتضيف “في آخر جلسة، قضت المحكمة بالسجن المؤبد، لكن قدمنا استئنافا ضد القرار التعسفي والصادم انتهى بقرار المحكمة بأن حكمه مؤبد مفتوح بتهمة مقاومة الاحتلال والضلوع بعمليات والانتماء للجناح العسكري للجهاد الإسلامي”، وتكمل “كان الحكم صدمة قاسية لنا، وانهرت في قاعة المحكمة لكن ما صبرني ورفع معنوياتي صلابة وصمود سمير الذي يبشرني في كل زيارة بأن الحرية قادمة وقريبة. الأمنية الكبرى .. تعبر الوالدة أم جمال، عن اعتزازها بما حققه ابنها من شهادات ونجاح رغم الأسر، وتقول “هذا التحدي جزء من معركة الأسرى على طريق الحرية، ومن خلال النجاح والشهادات العليا التي وصل إليها ابني أثبت صموده وثباته وأنه يعيش بصورة طبيعية ومستمر في مشوار الأمل حتى كسر القيد”، وتضيف “هذا الأمل يمنحني القوة والصبر لمواجهة لحظات الألم ووجع الغياب، فالاحتلال سرق أفراحنا وحياتنا منذ اعتقاله، ولم نشعر بأي سعادة عندما تزوج إخوانه وشقيقاته، وحاليا لدي 35 حفيدا لا يعرفهم عمهم إلا من خلال الصور لأنهم ممنوعون أمنيا”، وتكمل “ليل نهار أتضرع لرب العالمين ليمد بعمري حتى أعيش فرحة أعيادي وكل مناسباتي الأسيرة عندما يعود سمير حرا ونفرح بحريته وزفافه”. الأسير المقدسي علي عيسى يصارع السجان والقهر تحاول السيدة المقدسية أم علي أن تكبت دموعها كلما حل شهر أكتوبر، فهو يحمل معه ذكريات ثقيلة ما زال صداها يتردد إلى الآن بحرمانها من فلذة كبدها الأسير علي إبراهيم عيسى والملقب صبرة (22 عاما) من بلدة صور باهر جنوب شرق القدسالمحتلة. وتكاد صورة علي لا تفارق مخيلة والدته ولا أي فرد من عائلته؛ فهو الشاب المرح الخلوق الذي كان يملأ منزله فرحا وحبا، وهو أول فرحتها وأكبر أبنائها السبعة الذين ما عاد لحياتهم طعم منذ أربعة أعوام. وتقول أم علي ل”مكتب إعلام الأسرى” إن قوات الاحتلال اقتحمت منزلهم في التاسع من أكتوبر عام 2015 بالكثير من الجنود والآليات العسكرية؛ وبعد تفتيش دقيق تم اعتقاله ونقله إلى جهة مجهولة، وحين سألت والدته أحد الضباط عن سبب اعتقاله قال لها نريده فقط لساعتين وسنعيده لكِ؛ ولكن لم تنته الساعتان حتى الآن! أيام طويلة مرت على اعتقال علي دون أن تتمكن العائلة من معرفة سبب اعتقاله، وكلما سألت المحامي أبلغها بأن حكمه لن يتعدى العامين، حتى إنها ظنت أن اعتقاله جاء بتهمة “التحريض” التي وجهت للعديد من الشبان المقدسيين آنذاك. وتوضح الوالدة بأن الاحتلال وافق على تحويل نجلها للحبس المنزلي وهو ما طمأنها أكثر بأن نجلها بريء من أي تهمة، ولكن ظلم الاحتلال كان أن وضع شرطا أن يكون الحبس في قرية أبو غوش وليس في صور باهر، فعاشت العائلة معاناة لا توصف. وتضيف: “انقسمت عائلتنا إلى نصفين بسبب هذا الوضع وكان ممنوعا على علي أن يخرج من مكان الحبس بتاتا، فكان والده هو الذي يتكبد المعاناة ويعيش معه في محبسه ويعود لنا في أيام محددة، وبعد انقضاء عشرة أشهر على الحبس تعب علي كثيرا واحتاج نقلا لطبيب فأخرجته من مكان الحبس لأوصله إلى طبيبه في صور باهرة فتفاجأت بعشرات الآليات و250 جندي يحاصرون المنزل ويعتقلون علي ويعيدونه إلى السجن”. وعادت معاناة الأسر للعائلة التي لم تجد في الحبس المنزلي إلا الكثير من القهر، ولكن السجن شكّل قهرا أكبر لها خاصة في ظل مماطلة الاحتلال وتأجيل جلسات المحاكمة مرة تلو الأخرى. وبعد عامين ونصف من الاعتقال أصدر الاحتلال الحكم الصادم، حكما كان بمثابة صاعقة نزلت على والدته ووالده وأشقائه وكل من عرفه، حيث اتهمه الاحتلال بالمشاركة والتخطيط في عملية رشق حجارة صوب مركبة أحد المستوطنين ومقتله، والتي اعتقل الاحتلال على إثرها خمسة من خيرة شبان القدس. وتبين الوالدة بأن الحكم كان صعبا وقاسيا بالسجن لمدة ثلاث سنوات وغرامة مالية بقيمة 30 ألف شيكل، فلم تشعر بنفسها إلا وهي تردد بأعلى صوتها “حسبنا الله ونعم الوكيل”، وخرجت من قاعة المحكمة وهي في صدمة لم تفارقها لعدة أيام ومرضت مرضا شديدا. ومنذ صغره يعاني الأسير علي من مرض في القلب يحتاج لرعاية صحية ومتابعة دائمة لدى الطبيب، ولكن بالطبع فإن سجون الاحتلال تفتقر لأي متابعة وتكلل بالإهمال الطبي. وتوضح الوالدة بأن نجلها يعاني من هذا المرض ولا يتلقى العلاج اللازم، ولكنه يحاول طمأنتها على حاله ويخبرها أنه بصحة جيدة ولكن القلق ينهشها ويؤرق لياليها. وتضيف: “أشعر دوما بالقلق على حاله كلما نقلوه للفحص لأنني أعلم أن الإهمال الطبي هو العنوان لأي أسير مريض، علي هو ابني البكر وأول فرحتي وكان حين اعتقل يبلغ من العمر 17 عاما فقط ويدرس في جامعة فلسطين الأهلية في بيت لحم تخصص المحاسبة، كنت أحضّره كل يوم للجامعة وفرحت جدا بانضمامه لها”. وتصف أم علي أيامها بعد اعتقال نجلها بالحزينة دائما؛ بينما الأعياد والمناسبات فتمر مأساوية على العائلة وأكثر قسوة من الأيام العادية.. بينما تعيش هذا القهر على أمل الإفراج القريب، وليس ذلك على الله ببعيد.