مؤتمر دولي كبير تحضر له ألمانيا حول الأزمة الليبية، تغيب عنه الجزائر، والسبب عدم توجيه الدعوة لها من قبل راعي هذا المؤتمر.. القضية تعد سابقة في سجل المبادرات الدولية السابقة، على غرار مبادرتي باريس وباليرمو بإيطاليا. هذا الموقف لم يعجب أطرافا أوروبية ومنها إيطاليا، التي استغرب وزير خارجيتها، لويجي دي مايو، الموقف الألماني: “عدم دعوة الجزائر وتونس لحضور مؤتمر برلين المقبل حول ليبيا، يمثل فرصة ضائعة”. كل المبادرات السابقة شاركت فيها الجزائر بفعالية، فهي تتقاسم مع ليبيا ألف كلم من الحدود البرية، وفضلا عن ذلك، فالجزائر تعتبر جارا كبيرا وحليفا للحكومة المعترف بها دوليا، المجلس الرئاسي الذي يقوده فايز السراج، الأمر الذي خلف جملة من التساؤلات حول خلفية هذا الإقصاء وأثره على نجاح المبادرة. الحكومة الألمانية تقول إنها لن تشرك الأطراف المتقاتلة في ليبيا، ممثلة في الحكومة المعترف بها دوليا والتي تتخذ من العاصمة طرابلس مقرا لها، والطرف الآخر الذي يتخذ من بنغازي في أقصى الشرق مركزا لسلطته، ويمثله ما يسمى بقائد الجيش الليبي، اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، المدعوم مصريا وإماراتيا، وتصر على إشراك القوى الدولية الفاعلة في الأزمة الليبية، فرنساوإيطاليا وروسيا. لكن وقبل ذلك، قام وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، بجولة شملت دول الجوار الليبي، حيث حل بتونس، كما زار مصر، لكن من دون أن يحط الرحال في الجزائر، باعتبارها دولة محورية في الأزمة، على الأقل من حيث البعد الجغرافي. وبالنسبة للمبعوث الأممى إلى ليبيا غسان سلامة، فإن أجندة مبادرة برلين التي أقصت الفاعلين في المسرح الداخلي (أطراف النزاع) وكذا بعض الفاعلين في المشهد الخارجي ومنها الجزائر، فرضتها جملة من الاعتبارات، من بينها هاجس الدولة الراعية، التي تسعى إلى توحيد رؤية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إزاء الأزمة الليبية،، وإنهاء الانقسام بين هذه الدول. ويقوم هذا التوجه على أساس قراءة مفادها أن من يؤجج الوضع في ليبيا، هي أطراف خارجية، ففرنسا معروفة بدعمها للمليشيات التي تحاصر العاصمة طرابلس، رفقة كل من مصر والإمارات العربية المتحدة، فيما تدعم إيطاليا حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، ومن ثم فوقف الدعم الخارجي عن الأطراف المتنازعة يقود بالضرورة إلى تراجع لغة السلاح، ومن ثم انفتاح المجال أمام خيار الحوار، الذي يبقى أفضل مخرج لهذه الأزمة. أما الجزائر وإن كانت داعمة لحكومة الوفاق الوطني من منطلق أنها الحكومة المعترف بها دوليا، إلا أن هذا الدعم يبقى دبلوماسيا فقط، بعيدا عن التسليح وكل ما يؤجج الأزمة، على العكس مما تقوم به مصر والإمارات العربية، المتهمتان بالتدخل المباشر في النزاع، وذلك من خلال دعمها لميلشيات خليفة حفتر بالطيران الحربي. ويمكن القول إن عدم إشراك الجزائر في المبادرة الألمانية لحل الأزمة الليبية، يعني من جهة نظر برلين أن الجزائر غير قادرة على خلق الإضافة المأمولة على صعيد البحث عن حلول للأزمة، وهو أمر يراه دبلوماسيون خطأ استراتيجي، من شأنه أن يؤثر على فرص نجاح هذا المسعى، مثلما يعفي الجزائر من أي التزام، قد يفرزه مؤتمر برلين لاحقا.