تبدو ذكرى مولد خير الأنام في نسختها الحالية 2019 مختلفة تماما عن بقية نسخ الاحتفالات، فقد أكدت جولة “الشروق” إلى الأسواق الموازية المنتشرة في أزقة العاصمة انقلاب المعادلة الاحتفالية رأسا على عقب من البحث عن المتفجرات التي تُرعب الناس وتصنع الحدث بنارها ونورها وأصواتها المدوية إلى البحث عن البخور والألوان المزركشة كما شاهده الباعة واقتناء المستوردين من العاصمة التركية إسطنبول، وبالرغم من وجود الكثير من الشباب وخاصة من الأطفال الذين يريدونه مولدا للتفجيرات، فإن الظاهرة التركية هي ما صنعت الحدث وبشرت بمولد نبوي قادم وما بعده في سلام وأمان. عشية الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف، قامت”الشروق” بجولة استطلاعية في بعض الأسواق الموازية بالعاصمة المعروفة بالترويج للمنتجات الموسمية، وعلى رأسها سوق الجملة بجامع اليهود في القصبة الوسطى، حيث وقفت على واقع بيع وشراء “المحارق” وكل أنواع الألعاب النارية من شماريخ و”شيطانة” و”بُركان”، التي اعتدنا على ظهور أنواع جديدة منها في كل عام، لكن التغيير الكبير الذي وقفنا عليه هذه السنة، هو ضُعف الإقبال على اقتناء كل أنواع المفرقات حيث عرفت تجارة “المحارق، تذبذبا كبيرا هذا العام والسبب راجع إلى غلاء أسعارها. وقد صرّح لنا بعض التجار ممن التقينا بهم، أنّ الإقبال ضعيف هذه السنة مقارنة بالأعوام الفارطة، والسبب راجع حسب ما صرّحوا به، إلى الغلاء الفاحش أسعار المفرقعات، إذ أكدوا أنّ أسعارها مرتفعة جدا هذه السنة على عكس السنوات المنصرمة، التي كانت فيها الأسعار في متناول الجميع، وأشاروا إلى أنّ الصرامة في منع دخول هذه السلع أدت إلى غياب البضاعة عن الأسواق، حيث بقي فائض السنة المنصرمة يشكل معروضات هذه السنة بين المفرقعات والشموع والعنبر، كما قالوا لنا، أنّ فئة قليلة فقط من الزبائن يقومون باقتناء المفرقعات وشراءهم لها لا يكون إلا بكميات قليلة، خاصة في ظل عدم وجود أنواع جديدة من المتفجرات، التي اعتدنا على ظهور كمّ هائل من الأسماء والأنواع الجديدة لها في كل عام، في حين أنّ هناك من التجار من قال أن الجديد بالنسبة للمفرقعات يكمن في الأسماء وليس في الأنواع، فنفس المفرقعات تغيرت أسماءها، وغير غلافها الخارجي فقط مثل “دوبل ميش” التي أصبح اسمها “محرز” وغُلفت بغلاف يظهر عليه صورة اللاعب رياض محرز، وهناك من المفرقعات من اختفى هذا العام، مثل “البقلاوة” و”الثوم”، حيث أكد لنا بعض الباعة، أنّ هذه الأنواع لم تدخل نهائيا هذا العام، ولا توجد إلا عند فئة قليلة من التجار الذين بقيت مكدسة عندهم من السنوات المنصرمة. أنواع جديدة من الشموع والعنبر والإقبال عليها يحطم الرقم القياسي رغم التراجع الكبير الذي عرفته ظاهرة بيع المفرقعات والألعاب النارية هذه السنة وبشكل ملحوظ وغير مسبوق مقارنة بسنوات مضت، حيث تراجع عدد طاولات بيع هذه المنتجات المحظورة قانونا، إلى أقل من النصف بالسوق المحاذي بجامع اليهود، والذي كان يُعد القلب النابض لهذا النشاط مع حلول ذكرى المولد النبوي، في حين أن الاقتناء الكبير هذا العام شمل الشموع التي ظهرت بأشكال وأنواع جديدة لم نعتد عليها في السابق، حيث ظهر حوالي 50 نوع من الشموع وكلها جديدة ومثيرة، فهناك شموع تشتعل نيرانها بألوان مختلفة، وهناك شموع على أشكال دراجات وسيارات وأيدي وكؤوس وفناجيل وصحون وأسرة ووسادات وقبعات وأيد وكتب والعديد من الأنواع الجميلة، التي تُثير وتلفت الانتباه وتجذب الزبائن. ورغم غلاء أسعارها، إلاّ أن جولتنا الاستطلاعية، جعلتنا نرى مدى التهافت والإقبال الكبيرين على اقتنائها، حيث أنّ هناك شموع بلغ سعرها 1500 دينار للشمعة الواحدة، وهي شموع على شكل مزهرية، وغالبية الأسعار تراوحت بين 350 إلى 90 دينار للشمعة الواحدة، والأمر نفسه بالنسبة للعنبر الذي ظهر هو الآخر هذا العام بأنواع جديدة وروائح مثيرة، حيث كشف لنا بعض التجار، أنّ هناك أنواعا كثيرة من العنبر دخلت هذا العام وتختلف رائحتها من نوع لآخر فهناك العنبر التركي، وهو الأكثر إقبالا كما ذكروا لنا وهناك العنبر الجزائري، وعنبر السعودية وعنبر الصين وغيرها من الأنواع، وقالوا إنّ الإقبال على شراء العنبر كبير جدا مقارنة مع “المحارق” والألعاب النارية. عائلات تستبشر بذكرى المولد دون كوارث صحية عند حديثنا مع بعض الزبائن ممن التقينا بهم، صرّحوا لنا بأنّ غلاء أسعار المفرقعات، سيعيد العائلات الجزائرية إلى عادتها القديمة، التي اندثرت منذ فترة، فأصبح المولد النبوي الشريف يوما لتفجير المفرقعات فقط، بعد أن كان يوما مقدسا لدى المسلمين وكانت العائلات الجزائرية تحتفل به بإشعال الشموع والعنبر في كل أرجاء المنزل، وتحضير كل ما لذ وطاب من المعجنات والأطباق التقليدية حسب عادات وتقاليد كل منطقة، حيث قالت لنا السيدة زهية البالغة من العمر 69 سنة، وتقطن بمنطقة باب الواد بالعاصمة، إنّ الكثير من العائلات، تفطنت لمخاطر اقتناء “المحارق” لأطفالها، خاصة بعد الكوارث الصحية الوخيمة التي نشهدها في كل مولد، من فقع للأعين وبتر للأصابع والأيدي، وأضافت، أنّ غلاء الأسعار وندرة المفرقعات هذا العام، ساهمت بشكل كبير في إرجاع العائلات الجزائرية إلى عاداتها القديمة، واستبشرت خيرا قائلة: “بإذن الله سنعيش مولدا من دون إصابات بداية من هذا العام”. فوانيس تركية الأصل تصنع الحدث وتقضي على المفرقعات ظاهرة أخرى، انتشرت بقوة هذه السنة، وسبق لنا وأن لاحظناها وتحدثنا عنها خلال شهر رمضان المنصرم، وهاهي اليوم تزداد فعاليتها وظهورها، مع اقتراب الاحتفاء بمولد خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، وهي ظاهرة اقتناء الفوانيس، فبعد الأنواع الجديدة التي شاهدناها خلال شهر رمضان المنصرم، التي اقتدى خلالها الجزائريون بعادات وتقاليد مصر، ظهرت الآن أنواع جديدة من الفوانيس التي اتبع فيها الجزائريون هذه المرة، عادات وتقاليد تركيا وليس مصر، حيث صرّح لنا بعض تجار الجملة ممن يترددون على تركيا بكثرة بأن شراء الفوانيس خلال المولد النبوي الشريف، عادة من عادات تركيا، وأضاف أن الأنواع التي ظهرت بقوة عند تجار بيع المفرقعات من الفوانيس أصلها وصناعتها تركية مئة بالمئة، وليست من مصر، حيث لاحظنا ظهور أنواع جيدة وعديدة في غاية الروعة من الفوانيس التي تراوحت أسعارها ما بين 350 دينار إلى 5 آلاف دينار، كما لاحظنا أن هناك إقبالا كبيرا وغير معتاد على اقتنائها من قبل العائلات الجزائرية، كما أنّ التجار أكدوا أنّ بيعها هذه السنة حقق لهم أرباحا لا بأس بها، عوضت لهم النقص الذي شهدوه في بيع المفرقعات والألعاب النارية، كما ذكروا أن العديد من الجزائريين اختاروا في هذه السنة شراء الشموع والعنبر والفوانيس باعتبارها مصدر البهجة والسعادة كما أنها لا تسبب أي مخاطر ولا أضرار كتلك التي تُحدثها المفرقعات والألعاب النارية. حملات واسعة في المدارس والفايسبوك ساعدت على مقاطعة المفرقعات منذ فترة لا بأس بها، انطلق نشطاء عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الفايبسوك، في نشر تعليقات تدعو إلى الامتناع عن شراء المفرقعات والألعاب النارية، وذكّروا بالإصابات البليغة والكوارث الكبيرة، التي وقعت خلال المواسم السابقة للمولد النبوي الشريف، كما أن أئمة المساجد قدموا العديد من الخطب التوعوية والإرشادية خلال الآونة الأخيرة، ناهيك عن الحملات التحسيسية في المدارس التي جعلت التلاميذ يُدركون الأخطار التي تُسببها المفرقعات بأنواعها، ناهيك عن بيانات وزارة الصحة والمنظمة الوطنية لحماية المستهلك وأطلقتها عبر “الفايسبوك” التي دعت كلها إلى الابتعاد عن شراء المفرقعات، دون نسيان أنّ أهم سبب في نقص الإقبال على شراء “المحارق” راجع إلى ارتفاع سعر المنتجات وغياب أنواع جديدة فيها، خاصة وأنها عبارة عن سلوكيات تعكس التبذير والإساءة إلى المحيط وعدم احترام الغير، فضلا عن خطورتها على صحة مستعمليها وعلى المحيطين بهم.