صحيح أنها ألعاب وتستعمل للاحتفال إلا أنها مقترنة بالنارية واسمها مفرقعات، تحمل أسماء الشيطانة ودوبل بومب وأسماء توحي بأن ليلة المولد النبوي سيخوض فيها الجزائريون حربا لا احتفالا، ورغم خطورتها وما تحدثه من تشوهات يتعرض لها الكبار والصغار، إلا أن اقتران أسمائها بالألعاب أصبح يبيح استعمالها ويشجع على التفاخر بالقدرة على استعمال أقواها وأحدثها، ورغم التشديدات من المختصين حول خطورتها ومن قبل رجال الدين حول تحريمها إلا أن ذلك لا يقابله إلا ضربا عرض الحائط.. بتر الأصابع.. تشوهات.. وفقدان البصر ليلة المولد النبوي.. الألعاب النارية تشكل خطورة كبيرة على الأطفال تصل إلى حد إحداث تشوهات على مستوى الوجه والأطراف، وتؤدي إلى بتر بعض الأعضاء وتحديدا أصابع الأيدي التي تستعمل في رمي المفرقعات. زارت "البلاد" مصالح الاستعجالات لمستشفيات العاصمة ليؤكد لنا الأطباء والمختصون بالمصلحة أن كل سنة تشهد ليلة المولد النبوي استنفارا بالمصلحة بسبب الحوادث الناتجة عن المفرقعات فكم من أصابع تبتر وكم وجوه تحترق يومها جراء قوة المفرقعات التي أصبحت الصين تنتجها والسوق الجزائرية تستوردها ورغم التشديدات والقوانين الصارمة التي تمنع استيرادها إلا أن السوق الجزائرية تعرف وفرة مشهودة. يِؤكد البروفيسور أمين بلان أن الألعاب النارية والمفرقعات تتسبب في حوادث خطيرة تحول فرحة الاحتفال بالمولد النبوي إلى حزن وندم وحسرة جراء ما يحدث للأطفال خاصة بسبب المفرقعات والألعاب النارية، فإضافة إلى الحروق والتشوهات التي تصيب الكبار والصغار تكون في معظم الأحيان فقدان للأصابع وفقع للأعين أو حروق بالغة في الوجه، يتسبب كذلك تفجر الألعاب النارية بجانب الأذن في ثقب غشاء الطبل، مؤكدا أن الأذى والأثر النفسي الذي قد تسببه المفرقعات والألعاب النارية لا يقل عن الأذى الجسدي، فالانفجار والصوت القوي قد يرعب الطفل ويخيفه ويجعله مضطربا يفزع بمجرد سماع أصوات الانفجار. كما تحتوي هذه المفرقعات والألعاب النارية على مواد كيميائية خطيرة تؤثر على العين وقد تحدث انفصالا في الشبكية، وقد يكون الأمر أكثر كارثية ويؤدي إلى فقدان البصر الكلي. فالشرر حسب أحمد بن عامر مختص في طب العيون أو الضوء والحرارة الناجمة عن استخدام المفرقعات، تعتبر من العوامل المباشرة للإضرار بالعين الحساسة، لأن الرماد الناتج عن عملية الاحتراق يضر بالجلد والعين إذا ما تعرض له الطفل بشكل مباشر.. وقد سجلت حالات إصابات عيون بعض الأشخاص بهذه المفرقعات، وتمثلت في حروق في الجفن، تمزقه، أو دخول أجسام غريبة في العين أو انفصال في الشبكية وقد يؤدي الأمر إلى فقدان كلي للبصر. كما أشار ذات المتحدث إلى أن للمفرقعات تأثيرات سلبية على العين من جانبين، فالجانب الأول هو تأثير الحرق وهو مثل أي حرق في نسيج الجلد فممكن أن يصيب الأجفان أو الجزء الأمامي والأساسي للعين والقرنية والجزء الأمامي الشفاف من العين، أما حرق القرنية إذا كان سطحيا ممكن علاجه ويتم شفاؤه. كما هناك بعضا من الإصابات التي تسببها الألعاب النارية والعبث واللعب بها تؤدي إلى صعوبة في الرؤيا وتكون دائمة، إضافة إلى التأثيرات المتأخرة كالتصاق الجفن بكرة العين. أما الجانب الثاني، وهو تأثير الصدمة الذي قد يؤدي إلى حدوث نزيف داخل العين وخلع عدسة العين وهذا له تأثير شديد على البصر وقد لا يتحسن النظر مدى الحياة، أما انفجار بكرة العين بشكل كامل كبيرا قد يصل حد فقدان البصر كاملا. الجزائريون يصرون على حرق أموالهم كل مولد... لا يفصلنا عن المولد النبوي إلا أياما معدودة تستعد فيها العائلة الجزائرية ككل سنة لهذا اليوم بشراء أنواع مختلفة من الألعاب النارية والمفرقعات التي أصبحت لا تقتصر على هذا اليوم وحده بل ينتشر صوت المفرقعات طيلة أيام السنة، إلا أن هذا اليوم لا يتم بشهادة الجزائريين، خاصة الشباب والأطفال إلا إذا سمع دويها في كل الأرجاء وترتفع ألوان الألعاب النارية فيه إلى أبعد مدى من السماء فأسواق المفرقعات لا تعرف رواجا أكثر من هذه الأيام ولا تعرف هذه التجارة فرصة مماثلة لربح خيالي ومشهود، فكل الأصناف متوفرة بكل الأحجام، كل الأنواع وكل الأسعار، فتغري الأطفال والشباب الذين اعتادوا في هذه الليلة على التنافس حول من اقتنى أحدث الأنواع، أغلاها وأقواها، فالأموال تصرف في هذه المناسبة بكرم، فأكثر من 1200 مليار سنتيم قيمة للمفرقعات تبدو ربما خيالية إلا أنها أرقام حقيقية، يقوم الجزائريون بحرقها ليلة المولد النبوي الشريف، كمية كبيرة منها يتم عرضها بسوق جامع ليهود في العاصمة الذي يعد أكبر سوق جملة لبيع المحارق والألعاب النارية، الذي كان مقصدنا في جولتنا الاستطلاعية، أين ترصد كل أنواع الألعاب النارية والمفرقعات بطاولات تكاد تلتصق ببعضها البعض، أول ما تدخل إلى المكان تشعر أن حربا يستعد لها، من كبر بعض المفرقعات، فيشدك الباعة بعرض كل المنتجات وأحدث ما صنعت الصين في هذا المجال، شارحين لك الأنواع وما تفعله مركزين على حداثتها بالسوق والمساعدة في السعر في حال الاقتناء. تقربنا من أحد المشترين الذي كان يظهر عليه أنه سيعيد بيعها بالتجزئة أو بالحبة -على حد قولهم- فأكد لنا أن ارتفاع الأسعار مشهودا هذه السنة مقارنة بالسنة الماضية، حيث بلغت علبة المفرقعات من نوع شيطانة إلى 6000 دينار بينما كانت العام الماضي 2700 دج، وعلب المفرقعات الصغيرة إلى 3000 دج بينما كانت 1200 دج.. أما تلك الألعاب النارية في شكل صواريخ فهي الأغلى تصل إلى 10000 دج لعلبة فيها 50 صاروخا ناريا. كما أكد لنا ذات المتحدث أن المواطنين يطلبون الجديد كل سنة ومهما ارتفع سعرها يبقى المواطن جاهزا لدفع مبالغ لا بأس بها من أجل اقتناء هذه المفرقعات وحرقها ليلة المولد النبوي، كما أن المناسبة لا تحل بدونها حسب شهادة العديد من المواطنين.. كما أن هذا السوق يعرف توافدا كبيرا في الأسبوع الأخير لهذه المناسبة، والمعروف عن هذا السوق في أيامه العادية بيع الملابس الرجالية، إلا أنها تتحول بدنو موعد المولد إلى طاولات بيع المفرقعات والشموع وكل ما يتعلق بالمناسبة، متجاهلين بذلك الخطورة التي تنتج عنها وترسيخ هذه العادة لدى الأطفال، رغم أن طبيعة الاحتفال بذكرى خير الأنام هي مغايرة للغاية لأعمال الشغب هذه. الدربوكة والمديح أصبحا ضربا من الماضي.. فقد تعوّد أهل الجزائر منذ زمن على أن تجمّع الصبية والفتيات قرب البيوت في الأحياء ليلة المولد النبوي لضرب الدربوكة ترديد المدائح الشعبية، وهي العلامة الأولى لاقتراب أسبوع المولد النبوي الشريف، التي كانت تستعد له العائلات الجزائرية باقتناء الشموع والحناء ومختلف أنواع البخور من عنبر وشموع، لإحياء الاحتفال بليلة الثاني عشر من ربيع الأول، في حين يخرج الرجال إلى المساجد من أجل السهر حول واحة القرآن الكريم وسيرة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، من خلال الدروس والندوات المنظمة بالمساجد. أما الأطفال، فيتفننون في صناعة الفوانيس من علب المصبرات الفارغة، حيث يتم ثقبها بواسطة مسمار في أسفل العلبة، ثم تعلق بواسطة سلك معدني، حيث يتم وضع الشمعة في منتصف العلبة لتشكيل فانوس تقليدي رائع، وهوالتقليد الذي يعود تاريخه إلى ما قبل الاستعمار الفرنسي. أما البنات فترتفع حناجرهن بترديد مولود يا مولود مولود النبي، وهن يتوسطن دائرات يصنعنها من الشموع الملونة ضاربين الدربوكة بقوة وسط الأصوات التي يطلقها الرصاص المنزوع من بطاريات السيارات يذاب ويوضع في قوالب حسب الرغبة يتوسطه ثقب يصنع من مسمار وبعد أن يجف ويصير صلبا وجاهزا يملأ بكبريت أعواد الثقاب ويوضع المسمار بداخله ويضرب بقوة على الحائط فيصدر أصواتا مرتفعة شبيهة بصوت الرصاص. بينما تقوم النساء بتحضير الأطباق التقليدية التي لا تغيب عن المائدة الجزائرية في المناسبات الدينية من رشتة وشخشوخة وكسكس حسب المنطقة وحسب الذوق. أما صباح المولد، فتكون صحون الطمينة مزينة بالقرفة تستفز المستيقظين بعد ليلة رائعة فتإكل مع فنجان قهوة أو شاي لتتبادل فيما بعد العائلات الزيارات وتصل رحمها. إلا أن هذه العادات اندثرت وغابت ولم يبق منها إلا بعض الطقوس التي تصر الجدات على توريثها للأجيال غصبا، استبدلت بعادات غربية وأصبحت المفرقعات والألعاب النارية هي المسيطر على تلك الليلة التي أصبحت نتائجها لا تقتصر على مستعملي هذه المواد بل تتعداها لتحرق محلات الغير أو منازلهم حسب ما تسجله مصالح الحماية المدنية كلما اقترب موعد المناسبة. كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الألعاب النارية أصبحت تشكل مصدر إزعاج للمواطنين، حيث أصبح استعمالها طيلة أيام السنة ويثير صوتها القوي فزع وخوف العديد خاصة ليلا.