انقضى الأسبوع الأول من فترة تولي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مهام تسيير شؤون الدولة، اكتفى خلاله بترتيب شؤون ديوانه بقصر المرادية، قبل أن يشرع في تشكيل الحكومة التي ستتولى تنفيذ برنامجه الإنتخابي، وبين حكومة الإتلاف وحكومة الكفاءات الشابة، يتجه الرئيس نحو تجاوز إلزامية التشاور مع حزب الأغلبية البرلمانية، ويبدو أن لا مكان لإطارات حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي ضمن الحكومة المرتقب تشكيلها، بحسب الضمانات التي قدمها الرئيس للطرف السياسي المعني بالانضمام إلى الجهاز التنفيذي. عبارة قالها عبد المجيد تبون صراحة في أول خرجة إعلامية له، بعد إعلانه رئيسا للجمهورية، مضمونها أن أصعب مهمة في طريقه هي تشكيل الحكومة، وإن اكتفى بالتأكيد أن إعلان الحكومة سيحمل مفاجأة تتصل بتشبيب الطاقم و”سترون فتيات وفتياناً في عمر 26 و27 سنة في الطاقم الحكومي”، إلا أنه لم يوضح يومها إن كانت ورشة تشكيل الحكومة ستشكل محط مشاورات. بعد ساعات من اعتراف الرئيس المنتخب بالصعوبة التي ستعترض مسار تشكيل الحكومة، خاض المكلف بالإعلام في مديرية حملته الإنتخابية محمد لعقاب في الموضوع، وقال إن تشكيل الحكومة سيخضع لمشاورات سياسية دون أن يحدد الجهات المعنية وغير المعنية بالمشاورات، من القوى السياسية الممثلة، خاصة وأن ملامح الخريطة السياسية سجلت تغيرات بعد الرئاسيات، التي كشفت نتائجها أن التوازنات السياسية في السنوات الأخيرة كانت مبنية على معطيات زائفة. المشاورات التي تحدث عنها المكلف بالإعلام في مديرية الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب، وبحسب معطيات رسمية، لا تعني جميع التشكيلات السياسية، كما لا تأخذ بقوة التمثيل الحالية في المجالس المنتخبة، سواء المجالس الوطنية أو المحلية، وإنما تميل معايير التشاور بخصوص تشكيل الحكومة إلى الأحزاب التي نافسته في المرحلة الأخيرة من الرئاسيات، وإن أكد حزب طلائع الحريات الذي نافس رئيسه علي بن فليس في الرئاسيات 12 ديسمبر، دون غطاء حزبه، أنه لم يتلق أي دعوة للمشاركة في الحكومة. ونقلت مصادر مؤكدة للشروق أنه ليس هناك ما يلزم الرئيس تبون بمضمون المادة الدستورية التي تشير إلى أن الرئيس يعين الوزير الأول بالتشاور مع حزب الأغلبية النيابية، ذلك لأن الدستور الحالي يكاد يكون غير معترف به من قبل غالبية مكونات المجتمع، ويعد أول ورشة تحمل الطابع الاستعجالي ضمن أولويات الرئيس الجديد، كما أن هذه المادة الدستورية كانت محط تجاوز دستوري وعدم التزام من قبل الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة الذي يعد الأب الروحي للنص الدستوري الحالي، ضف إلى ذلك الظروف السياسية الراهنة التي تبرر وتدفع تبون إلى تلافي استشارة أحزاب الأغلبية في الوقت الحالي بالنظر إلى الحساسية المفرطة التي يسببها الحديث عن هذه الأحزاب وسط الحراك الشعبي. تبون الذي ليس هناك ما يلزمه سياسيا بنص المادة 91 من الدستور المعدل سنة 2016 والتي تتضمن السلطات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية على تعيين وزير أول بعد استشارة الأغلبية البرلمانية، بالإضافة إلى إمكانية إنهاء مهامه، هناك عامل آخر يجعل في حِلٍّ منها، ويتعلق الأمر بتحالف حزبي الأغلبية البرلمانية ضد الرئيس تبون في رئاسيات 12 ديسمبر ودعمهم للمترشح عزالدين ميهوبي هذا المعطى المهم كذلك يجعل من خيار استشارة الاغلبية البرلمانية، مستبعدا تماما لما يحمله من إحراج له بالنسبة للأحزاب التي دعمته والتفت من حوله في خوض غمار الترشح للرئاسة. ثالث عامل يبرر للرئيس تغاضيه عن الاستشارة، ويبرر له عدم إشراك إطارات الآفلان والأرندي في تشكيلة الحكومة، وهو العامل الأهم، غياب المصداقية عن تشكيلة البرلمان بغرفتيه لدى الرأي العام والطبقة السياسية على السواء، هذا العنصر الغائب الذي جعل الدعوات المطالبة بحلِّه تتصاعد منذ بداية الحراك الشعبي في 22 فيفري، وقبل هذا التاريخ حتى من قبل كتل برلمانية ممثلة ضمنه، الأمر الذي يمنح الرئيس الجديد ورقة بيضاء ليتجاوز الإجراء شكلا ومضمونا سواء ما تعلق باسم الوزير الأول أو التشكيلة الحكومية التي تشير المعطيات الأولية إلى أنها ستخلو من أسماء حزبية من التشكيلات السياسية التقليدية وتحديدا تلك التي كانت منضوية تحت التحالف الرئاسي سابقا. رابع مؤشر يرجح عدم استشارة حزبي الأغلبية في ما يخص الشخصية أو الإسم المرشح لمنصب الوزير الأول وتشكيل الحكومة بعد ذلك معلومات من داخل حركة البناء، تشير إلى مكالمة هاتفية تكون قد جمعت رئيس الجمهورية برئيس الحركة عبد القادر بن قرينة، عشية مراسيم أداء الرئيس لليمين الدستورية، تناولا الحديث عن تشكيل الحكومة وموقع حركة البناء ضمنها، هذه الأخيرة التي طلبت من الرئيس مراعاة مطالب الحراك في الشق المتعلق بتشكيل الحكومة، وتشير مصادر مسؤولة بالحركة إلى أن الرئيس تبون وعد بأن لا مكان للأفلان والأرندي ضمن حكومة التغيير، وتفترض مصادر قريبة من بن قرينة الذي انتزع مجددا تزكية أعضاء مجلس شورى حركته، وهو الذي حل ثانياً في ترتيب الأصوات بعد الرئيس الفائز عبد المجيد تبون، أن يشارك في الحكومة المقبلة، وهو الذي تمكن من تحقيق نتائج انتخابية متقدمة على خصومه، جعلته بمنطق الواقع والحسابات القوى السياسية الأولى في البلاد.