يستحيل أن تتخيل زيارة إندونيسيا من دون أن تطأ قدماك جزيرة بالي الشهيرة بطبيعتها الساحرة وأماكنها التاريخية العريقة وسواحلها الجميلة، وطبيعتها الخلابة التي تجمع بين التضاريس الجغرافية والتاريخ وحداثة الحاضر، حيث الأشجار والغابات الاستوائية شديدة الاخضرار، والفواكه والخضروات بكل الألوان والأشكال، ناهيك عن شواطئها الرملية وشلالاتها ومياهها الفيروزية وتلالها البركانية، ما جعلها أهلا لحمل لقب جنة الله على الأرض. الساعة كانت تشير إلى الخامسة والنصف صباحا بتوقيت تركياعندما وصلنا إلى مطار إسنطبول الجديد حيث الفخامة بكل معانيها. ودعتنا مضيفات الخطوط الجوية التركية بابتسامات عريضة، بعد الخدمات الرفيعة التي قدمنها للزبائن طوال الرحلة انطلاقا من مطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة، إلى غاية الوصول إلى مطار إسطنبول،حيث استمتعنا بطريقة استقبال وتعامل طاقم طائرة “أير تروكيش” مع المسافرين الذين كانوا تقريبا جزائريين، وهو ما جعل الخطوط التركية تتربع على رأس الشركات بأوروبا كلها. وبعد أن مكثنا ليوم واحد في العاصمة التركية، قمنا بزيارة أكاديمية أتاتورك للطيران،رفقة المدير العام للجوية التركية “إيشلر برتشن”، حيث يخضع 28 شابا جزائريا للتكوين لمدة شهرين في إطار فتح شركة الخطوط الجوية التركية مناصب عمل للجزائريين لأول مرة، وفي عين مكان وقفنا على مراحلالتربص والتدريب وفقا للمعايير والمقاييس العالمية، على أن يباشروا العمل ميدانيا في جانفي 2020، على متن الرحلات الرابطة بين الدول المتحدثة باللغات الثلاث، على غرار دول المغرب العربي، الخليج وعدد من الدولة الأوربية كمرحلة أولى. عملاق “دريم لاينر” التركية ..فخامة واختزال للزمن في حدود الساعة السابعة ليلا، اتجهنا إلى المطار الجديد الذي يبعد عن العاصمة إسطنبول بحوالي ساعة ونصف ساعة، ونحن في الطريق لم يفارق مخيلتنا عناء ومشقة الرحلة التي تنتظرنا، ونحن نعرف أن مدة التحليق في السماء تتجاوز 14 ساعة بين تركيا وجزيرة بالي بإندونيسيا، إلا أن كل ذلك تبدد بمجرد دخولنا إلى طائرةمن طراز بيونغ “787”،حيث الفخامة بكل مقاييسها وتكنولوجيا عالية بكل معاييرها.. إنها “دريم لاينر”. فحلاوة الرحلة في هذه الطائرة التابعة للخطوط الجوية التركية تجعلك تقاوم فعلا الإرهاق والتعب ومشاق السفر فهي قادرة على اختزال الزمن وتوفير الرفاهية، خاصة أننا حظينا، خلال هذه الرحلة بالدرجة الأولى الخاصة برجال الأعمال “بزنيس كلاس”، فهي تشبه السفر بغرفة نوم من خمسة نجوم لكن في السماء بين الغيوم، فكل شيء متوفر للمسافر الذي يختار طيران “تركيش إيرلاين”،ما يتوقعه المسافر وما لا يتوقعه، بداية منالكرسي الذي يتمدد للمسافر ليصبح سريرا مريحا جدا، مع أغطية ووسادة ناعمة،وجميع المستلزمات الخاصة بالحمام، وصولا إلى فريق متكامل من المضيفين والمضيفات على متن الطائرة يسهرون على خدمة الراكب، من جنسيات مختلفة ويتقنون عدة لغات، كما أنهم لا يتعبون طيلة الرحلة،تجدهم بلا ملل يمرون بين الدقيقة والأخرى عبر أروقة الطائرة ويقدمون للراكب ما لذّوطاب من الأكل، ولا تفارق ملامحهم الابتسامة العريضة طيلة الرحلة الطويلة، ما يجعل “الطيران التركي” يتربع على رأس الشركات العالمية، التي صنفت على أساس خمسة نجوم لعام 2020 ضمن جوائز “أبيكس”. بالي ..سحر يفوق الوصف…وطبيعة تفوق الخيال تختلف ملامح الحياة في مطار بالي عن باقي مطارات إندونيسيا، ففي مطار بالي، ستجد أنه بين السائح والسائح يقف سائح، من جنسيات مختلفة،أمريكا، وروسيا،واستراليا، والصين والهند، يقفون في طوابير، ما يشد الانتباه ويعكس حجمالقصص والحكايات التي تروى في هذه الجزيرة وتغري الناس ل”الحج” إليها، من أجل الاستمتاع ببحيراتها وشلالاتها وغاباتها الاستوائية، بالإضافة إلى عدد من المعابد الهندوسية والبوذية الأثرية التي يرجع تاريخها للقرون الميلادية الأولى. ورغم المسافة الطويلة لرحلة السفرإلا أن أجواء جزيرة بالي الساحرة ودندنات النغمات التقليدية الأندونسية تحقنك بجرعات نشاط غير عادية، تنسيك الهموم وتعزلك عن الوجود، ومازاد جمال المنطقة رونقا هو ذلك الاستقبال الحار من طرف الدليل السياحي رفقة شخصين في المطار بالزهور التي وضعت حول أعناقنا لننتقل بعدها إلى مدينة “كوتا”، حيث يتواجد الفندق الذي أقمنا فيه، وكان الليل قد أسدل ستاره،إلا أن الحركية كانت غير عادية…فالأجواء الليلية صاخبة في هذه الجزيرة، وضاجة بالحفلات والموسيقى خاصة في المطاعم التي تعج بالسياح من جنسيات مختلفة. نمضي الليلة الأولى في بالي، التي شعرنا فيها أننا نمنا طويلا لهدوء هذه الجزيرة الساحرة التي اختلطت فيها عظمة الخالق بإبداع الإنسان، وفي حدود الساعة السابعة صباحا وبعد أن تلقينا برنامج اليوم مع دليلنا السياحي الذي رافقنا طيلة هذه الرحلة، انطلقنا تجاه منطقة “واتر فول” المعروفة بشلالاتها الصخرية الرائعة وطول الطريقوخلال مرورنا بمختلف الشوارع الرئيسية والثانوية لبالي،سجلنا العدد الكبير للمعابد الهندوسية والبوذية الأثرية التي يرجع تاريخها للقرون الميلادية الأولى، والنصب التذكارية التي تستعرض النضال العريق لأهل بالي ضد الاستعمار، وفي هذا السياق أكد “…..”أن 80 في المائة من سكان بالي هندوسيون، ويحتفظون بالبنايات التقليدية ذات التصميم الهندوسي، كما يوجد 3 أنواع من المعابد في المنطقة، معبد خاص بالعائلة والثاني بالقرية والثالث معبد عام تقام فيه الاحتفالات السنوية، وكما يقال رب صدفة خير من ألف معاد،حيث حضرت “الشروق”، الحفل التقليدي الذي أقيم في معبد القرية بمنطقة باسا دانان، ووقفنا على الطريقة التي يتبعها السكان في التخليد الذكرىالتي أطلق عليها “اكاوا” بلغة بالي أي “العناية”،حيث تحضر عديد الأطباق ويتم توزيعها على سكان القرية وهي بمثابة “جائزة الرب” على حد اعتقادهم. نواصل طريقنا ونحن نتمتع بحلاوة المنظر والطبيعة الخلابة، فمرورا بمنطقة “جلان”، أو الياسمين التابعة لمقاطعة “بنغلي بوران” المعروفة بالصناعات المحلية البالية، فشوارع هذه القرية تشبه المتاحف والمحلات مخصصة لبيع التحف التي يحبها السائح، حيث تحاصرك معامل التماثيل والتحف وسط مبان خشبية مفتوحة من دون حواجز حديدية، في مؤشر على درجة الأمن والأمان الذي تتمتع به بالي، وما جعلنا نعشق بالي أكثر، هو منظر حقول الأرز في “تيجالالانج” حيث يتفنن الإندونيسيون في زراعة الأرز الذي يعتبر غذاء أساسيا في آسيا،حيث تبدو السهول خضراء بشكل خارق للعادة في أشكال متدرجة ومنظمة ببراعة،لا يزال ينتقل المزارعون بين هذه الحقول بنفس الطريقة القديمة التي تعلموها أبا عن جد،وهو ما أكده لنا مرافقنا السياحي. ومن هذا الطريق اتجهنا إلى الشلالات الصخرية الشهيرة، التي تتساقط من أعلى هضبة مرتفعة تمتاز بجمالها الساحر والطبيعة الخضراء والمياه الصافية وتعد من الأماكن المفضلة التي يقصدها الملايين من السياح سنويا. من لم يشرب قهوة “الهر” فإنه لم يزر بالي 50 ألف روبية لفنجان واحد من قهوة “الهر”، ياللهول، لم نصدق ما رأيناه في مزرعة “تقلالا”..تجربة مثيرة حقا،ليس لأن نكهات القهوة متعددة ويمكنك تجربتها بمقابل زهيد، ولكن لأنك ستشرب أغلى قهوة في العالم وأكثرها إثارة للاشمئزاز، قهوة “كوبي لواك” “Kopi Luwak” المصنوعة من فضلات “قط الزباد” “Civet cat “، والمثير في هذه القهوة هو كيفية صناعتها، حيث توجد مزارع صغيرة في إندونيسيا تربي بكثرة حيوانا يدعى الزباد، وهو ثدي صغير شبيه بالقطط، يقتات حبات البن الخضراء، التي تخرج بعد هضمها مع فضلاته على شكل قوالب صغيرة، لتكون المواد الأولية ل”كوبي لواك”. “الشروق” تجوّلت في مزرعة “تقلالا”، ورصدت عن قرب مراحل صناعة هذه القهوة الفريدة من نوعها، وقالت إحدى العاملات بالمزرعة من خلال ترجمة أقوالها من طرف مرافقنا السياحي، إنهم يقومون بزراعة القهوة لعلف هذا الحيوان الصغير، وبفضل أنزيمات خاصة داخل جسم الزباد، تتغير تركيبة بروتينات حبات القهوة، فتزيل حموضتها، وتكسبها نكهتها المميزة، وتكون هذه الحبات مغلفة بقشرة حمراء رقيقة، قبل أن يتناولها الزباد، ولدى خروجها مع فضلاته تزول الطبقة الحمراء، وتبقى حبات البن، على شكل قوالب صغيرة. وبحسب العاملة الإندونيسية، تؤخذ هذه القوالب وتغسل مرات عديدة، ثم يتم تحميصها على نار هادئة بطريقة خاصة، ليتحوّل لونها إلى الأسود، ثم تطحن يدويا، لتصبح أحد أغلى أنواع البن في العالم، ففي البداية شعرنا بالاشمئزاز ورفضنا شربها، لكن فضولنا جعلنا نتذوق هذه القهوة التي يقطع من أجلها الملايين من السياح مسافات طويلة لنكتشف بعد شربها أنها فعلا متميزة، ما جعلها تتربع على صنف أغلى قهوة في العالم من دون منازع. وقبل أن يسدل الليل ستاره، عرجنا على قرية “باتونغ” المعروفة باللوحات الأغلى في العالم، حيث يعرف عن أهلها، أنهم يبدعون الرسم على الألواح، فهي حرفة ورثوها أبا عن جد، فرسم لوحة واحدة يستغرق من 3 إلى 6 أشهر ويصل في بعض اللوحات إلى سنة، فيما يصل ثمن اللوحة الواحدة إلى 100 مليون روبية وهو النوع المعروف برسمه من طرف عائلة “ماردينا” حسب ما أكده لنا “….”. بين حقول الأرز الشهيرة ومغامرات جبال البركان المثيرة رغم قصر مدة الفترة التي قضيناها في جزيرة بالي، إلا أننا حظينا ونحن بصدد التوجه إلى الأماكن المبرمجة خلال رحلتنا هذه بزيارة لحقول الأرزوهو ما جعلنا نعشق بالي أكثر، فمنظر هذه الحقول في منطقة “باتونغ” حيث يتفنن الباليون في زراعة الأرز الذي يعتبر غذاء أساسيا في آسيا، يشبه خلية نحل، حيث تبدو السهول خضراء بشكل خارق للعادة في أشكال متدرجة ومنظمة ببراعة،لا يزال ينتقل فيها المزارعون بين الحقول بنفس الطريقة القديمة التي تعلموها أبا عن جد، كما يبقى “القصب” يلقي بضلاله على عديد الغابات الاستوائية بجزيرة بالي، باعتبار إندونيسيا من أكبر المصدرين لمادة الخشب. وإلى ذلك تشتهر جزيرة بالي بجبالها البركانية التي يبلغ عددها 130 جبل بركاني منها النشط ومنها الخامد، فهي أيضا موطن البركان الشهير “أغونغ” الذي يعد واحدا من أبرز مقاصد السياح، يحج إليه هواة تسلق الجبال والمغامرين، والمثير هو أن رحلتنا تزامنت مع برمجة زيارة هذا المكان مازاد من الحماس والإثارة،خصوصا أن مرافقنا السياحي اقترح علينا إلقاء نظرة عن بعد على البركانالذي تحيط به الطبيعة والحقول والشواطئ والأنهاروحوّلت المكان إلى لوحات فنية جميلة تغري ملايين السياح. جزيرة الألف معبد وسط أرخبيل المساجد لا يمكن أن نزور جزيرة بالي من دون التوجه إلىأحد معابدها التي تميز المدينة، فبالي تختلف في كل شيءحتى في الديانة، في جزيرة هندوسية أكثر منها إسلامية،فأول شيء يثر الانتباه في هذه المدينة هو آلاف المعابد ودور العبادة الهندوسية وسط أرخبيل مليء بالمساجد،ففي بالي هناك ما يقارب 80 من المائة من السكان يدينون بالهندوسية المحلية، بينما يشكل الإسلام نسبة 13 من المائة، يقل عدد المساجد وتزداد المعابد التي تزين كل ركن من الجزيرة، في تصالح مبهر تعايش الديانات في بالي،وتشكل المعابد محطة هامة للسياحة، وفي هذا الصدد قمنا في اليوم الثاني بزيارتنا إلى معبد ليمبويانغ وهو واحد من أقدم معابد بالي وأعظمها،ويقع على ارتفاع 1175 متر فوق مستوى سطح البحر.دخولنا إليه لم يكن سهلا علينا،عليك أن ترضخ لبعض التقاليد التي اعتبرناها مجرد خرافات وخزعبلات، على غرار رشنا بالماء “المبارك”، وكذا إلزامنا على ارتداء نوع خاص من اللباس..لكن غايتنا من كل هذا هو اكتشاف هذا العالم الغريب الذي أكد لنا فعلا أن الديانة الإسلامية نعمة ونحمد الله عليها. إلى جانب السواحل الساحرة والأندية الشاطئية الممتعة، يمكنك اكتشاف روعة بالي في قرية أوبود، التي تمتاز بروعة مشاهدها الطبيعية الخلابة فضلا عما تتمتع به من غنى فني وثقافي، فقد تجوّلنا في أعرق سوق بالمنطقةحيث تكسو الأجواء الشعبية على المنطقة هناك، وتجد البضائع المعروضة في الهواء الطلق خارج المحلات ترسم بألوانها العديدة والمتنوعة لوحات فنية زاخرة بالألوان الجميلة. وجهة العشاق ويوم”الصمت” بجزيرة بالي أنهينا رحلتنا بزيارة خفيفة إلى منطقة “الهاي كلاس” وهي نوسا دوا، حيث قمنا بزيارة إلى أحد شواطئها الذي يتميز بتنوع الأنشطة والفعاليات والألعاب التي يوفرها مثل الرياضات والأنشطة البحرية والمائية بما فيها المظلة الشراعية وسفن البنانا،ما يجعلها على رأس القائمة بالنسبة للباحثين عن الترفيه والمغامرة والرومانسية، كما أن أوقات الغروب الساحرة لا تفوت بالنسبة للعشاق والعرسان الذين يفضلون قضاء شهر العسل في هذه الجزيرة، لكن على السائح أن يضع في حساباته موعد “يوم الصمت” الذي يصادف السابع من شهر مارس من كل عام، وهو يوم الاحتفال بقدوم عام جديد في هذه الجزيرة.