لم تكن الأجواء داخل مركز الأشخاص المسنين بخصيبية في مدينة معسكر صبيحة يوم الخميس تختلف كثيرا عن أجواء عرس عائلي، فقد تعالت الزغاريد وعمت أروقة وفضاءات المركز، في أعقاب لحظة التقاء الحاجة الزهرة النزيلة بالدار منذ قرابة العشرين سنة، بابنها الوحيد من الذكور يوسف الذي قدم من برج منايل بولاية بومراس، ليلتقي والدته التي ظنت العائلة أنها توفيت سنة 2001 في فيضانات باب الوادي وأصبحت نسيا منسيا. صباح يوم الخميس الفارط دخل يوسف مركز المسنين، بحث عن المديرة وسأل عن عجوز اسمها بلقايد الزهرة، التي يقارب سنها الثمانين، فأبلغ أنها نزيلة بالمركز، منذ قرابة 20 سنة. يدخل يوسف الغرفة التي تتواجد بها والدته، يسرع نحوها، يحتضنها، يقبلها ويتفرس في وجهها، ويجد أن ملامحها لم تتغير رغم تعاقب السنين، غير أن الزمن فعل فعلته في ذاكرتها التي فقدتها بصفة جزئية. تنسكب الدموع غزيرة من عينيه. وفي الوقت ذاته لم يكن أحد من العاملين بالمركز، ليتمكن من تمالك نفسه والتحكم في انفعالاته أمام المشهد، فالجميع كان يبكي بحرقة، والغريب في الأمر، بأن يوم التقاء الكهل بوالدته تصادف مع يوم ميلاده، وكأن الله أراد له أن يولد من جديد، كيف لا، وهو الذي قضى نصف عمره دون والدته. #معسكر | يوسف يعثر على والدته التي اعتقد أنها توفيت قبل 20 سنة بدار العجزة :'( يوسف يعثر على والدته التي اعتقد أنها توفيت قبل 20 سنة بدار العجزة :'( Gepostet von Echorouk News TV am Freitag, 17. Januar 2020 يقول يوسف بأنه لم ينس يوم والدته، فكانت راسخة في ذهنه، فقد ظل طيلة 20 عما يبحث عنها، ولم يكف عن إيداع إعلانات البحث لدى المصالح الأمنية، ونشرها في مختلف الصفحات وعديد التلفزيونات، لكن من دون جدوى فاقتنع الجميع وتأكد بأن الحاجة الزهرة أصبحت في عداد الموتى، خاصة وأن غيابها تزامن وفيضانات باب الوادي، وظلت العائلة مقتنعة رغما عنها بهذه الفرضية، إلى غاية مساء الأربعاء، حين لاحظ ابن يوسف، أي حفيد الحاجة الزهرة، صورة لجدته تشبه الصور التي كان يحتفظ بها أفراد العائلة، ليعرضها على والده الذي تأكد بأنها والدته، وقد كانت ضمن إعلان عن بحث في صفحات التواصل الاجتماعي نشرتها مديرة دار المسنين لخصيبية السيدة خديجة بقة، في محاولات متعددة منها للبحث عن عائلة الحاجة الزهرة المقيمة منذ 2001 في المركز الواقع بمعسكر، وهي الولاية التي وصلتها في ظروف غير معروفة، شأنها شأن اختفائها ومغادرتها البيت العائلي، حيث استعصت الإجابة عن هذين السؤالين، كون الزهرة فقدت ذاكرتها بصفة جزئية. أسئلة عالقة! يقول يوسف بأن أفراد العائلة لم يناموا ليلتهم تلك في انتظار الصباح من أجل التوجه من برج منايل نحو معسكر، للقاء الوالدة والعودة بها للديار، وهو ما تم فعلا صبيحة الخميس، أين ذهب يوسف رفقة ابن شقيقته لمعسكر والتقيا والدته وعادا بها إلى أحضان العائلة بعد ما ظنوا أنها توفيت قبل 20 عاما. ويشكر يوسف مديرة مركز الأشخاص المسنين لخصيبية وكل الأطقم الإدارية والتربوية والعمال وإطارات التضامن الوطني على حرصهم على بقاء الحاجة الزهرة بالمركز وإحاطتها بالعناية الكاملة، رغم تقدمها في السن ومرضها وكذا حرصهم على التواصل مع عائلتها من أجل التقائهم بها. يوسف يطلب من الأبناء عدم التخلي عن والديهم فإن في فراقهما لوعة ليس لها شبيه، وقد ذاق مرارتها لمدة 20 عاما كاملة. من جهتها، مديرة دار المسنين لخصيبية في معسكر السيدة خديجة بقة، أكدت بأنها ظلت على مدار فترة طويلة تنشر صور الحاجة الزهرة، وتبث إعلانات البحث عن عائلتها. وبقيت في تواصل مع مواطنين من برج منايل إلى غاية العثور على أفراد عائلتها، إذ تبين أن للزهرة ولد وحيد من الذكور وهو يوسف وبنتين. وأضافت السيدة بقة إن المركز به 80 نزيلا من الشيوخ والعجزة، لكل قصته وحالته، وتوجد من بينهم حالات تتعلق باختفاء مماثلة لحالة الحاجة الزهرة. وقال مدير النشاط الاجتماعي لولاية معسكر نور الدين رحماني، إن المجتمع الجزائري مسلم، لا يمكنه بأي حال من الأحوال التخلي عن الوالدين، غير أن ثمة حالات لأشخاص يتخلون عن الوالدين، أو أحدهما في تفريط لا يمكن وصفه بأي وصف، داعيا بعضا ممن هؤلاء إلى العودة إلى جادة الصواب، وإعادة والديهم إلى أحضان عائلاتهم، رغم أن ثمة مراكز تعنى برعاية هذه الفئة وتهتم بها، والدولة تخصص ميزانيات لهم، لكن يبقى الحضن العائلي أكبر من أن يغطيه اهتمام من جهة أخرى. غادر يوسف ووالدته مركز المسنين لخصيبية وهما يدعيان الله أن لا يري أحدا من خلقه أي مكروه في والديه، فيما بقي عمال المركز على وقع الدموع التي امتزجت بين فرح لقاء الحاجة الزهرة بابنها، وحزن لافتراقهم عنها وهي ظلت أنيستهم على مدار قرابة 20 عاما خلت.