*زوار من كل مكان ، فرقة الهنا وطلبة كلية الطب بنادي »السوق« يسعدون النزيلات يعشن بين أربعة جدران إسمنتية ويتجرّعن الوحدة وينتظرن أملا مفقودا ويتطلعن إلى من يأتي للأخذ بأيديهن لإخراجهن من عالم العزلة والإنطواء والعودة بهن إلى حضن المجتمع وإلى الدفء العائلي، هي أمهات وأخوات لفظتهم عائلاتهم ووجدن في ديار الرحمة والعجزة ملجأ للعيش مكسورات الجناح يصارعن الفراغ ويسارعن نحو الموت فالحياة بالنسبة للكثير منهن لم يعد لها معنى في هذه الديار. الجمهورية إنتقلت في يوم عيد الفطر المبارك إلى مركز رعاية المسنّات بحي السلام بوهران وشاركت نزيلاته فرحتهم بالعيد ورصدت لقرائها الأجواء الإحتفالية هناك، الساعة الثانية ظهرا حركة كبيرة داخل المركز زوار يدخلون وآخرون يغادرون المكان ونساء يدخلن حاملات علب الڤاطو والحلويات المختلفة ورجال برفقة أطفالهم يسلمون على النزيلات وبداخل القاعة الكبيرة للدار تجلس المقيمات لإستقبال الوافدين وللمشاركة في الحفل الذي نظمته مجموعة من الشباب من النادي العلمي لكلية الطب بوهران نادي »السوق وهران« الذي يضم عددا كبيرا من الأطباء وطلبة معهد العلوم الطبية وأيضا من المعاهد الأخرى ياسين وجدي المنشط رفقة الشابة بشرى أغاني وبوقالات وهدايا وجوائز رقص وتصفيقات وأنغام مختارة بالمناسبة ومعهم سعيد ومهدي إيمان ووهيبة، خديجة وكاتي، سامية وسيد لطفي وبن علي ، فوزية وتاليا فاروق وعائلاتهم جاؤوا بسياراتهم الخاصة وآلاتهم الموسيقية لزرع الفرحة والإبتسامة ، فكانت جلسة للمتعة ولنسيان الهموم بالنسبة للحاجة فاطمة ، للزهرة التي رقصت وهي على كرسيها المتحرك والغالية البالغة من العمر 84 سنة التي أبهرت الحاضرين بطريقة رقصها وأنها تقول »ما زالني على ديداني ما زال« ثم دخل الفنان المتألق هوادي القلب من فرقة الهنا المعروفة وبعد تحيته للنزيلات و الزوار قدم وصلة غنائية وأهدى الأمهات الحاضرات أغنيته الجديدة عن الوالدين وضرورة الإهتما بهم. وأكد لنا بأنه ينوي تسجيلها في كليب عن قريب بهذه الدار ومع النزيلات وأنه يأتي لزيارة دور العجزة والمسنين في كل عيد ويحيي الحفلات بهذه المراكز مجانا متى طلب منه ذلك ، ثم إقتربنا من الزوار وسألنا العديد منهم عن سر زيارتهم للمكان فكانت ردودهم كلها تعبر عن ضرورة التواصل وصلة الرحم مع هؤلاء النسوة اللواتي يعشن في عزلة وأن يعودوهن في العيد فيه أجر كثير ويعد في ميزان الحسنات لكل زائر وأنها كذلك فرصة لأخذ العبرة ودروس من الواقع لحالات الإهمال لذوي القلوب القاسية ممن سمحوا في والديهم وخاصة أمهاتهم ويتنغمّو ن بحياة عادية مع زوجاتهم وأبنائهم. الحاج محمد من سان بيار لم يتمالك نفسه وتهاطلت الدموع من عينيه وهو يروي لنا قصته مع دار العجزة ومواظبته على زيارتها وتقديم المساعدات إلى نزيلاتها منذ أكثر من عقدين من الزمن وأنه تأثر كثيرا بإحدى النسوة وهي تردد في غرفتها إسم إبنتها التي جاءت بها إلى المركز وتخلت عنها رغم فعلتها السلبية إلا أن الأم لا زالت تبكي على إبنتها ونظمت في حقها قصيدة شعرية احفظ منها إلا مقطعا واحدا تقول فيه »صفية رڤبي عليا خليتي الكبدة مشوية وناري مكوية..الخ. أما البرعم أسامة سراج فأخبرنا بأنه جاء مع خاله هواري من أجل زيارة المسنات وأنه في البداية لم يكن يعلم بأن هؤلاء النسوة قد رماهن أولادهن وبناتهن وحينما إكتشف هذه الحقيقة المرة إستغرب من فعل ذلك وأنه يدعو كل الأطفال والشباب والأبناء إلى الحرص على إرضاء آبائهم وأمهاتهم وببراءة الطفولة أخبرنا أنه لا يقوى على فرق والدته لساعات قليلة فكيف لمثل هؤلاء الأبناء أن يسمحوا في أمهاتهم لسنوات كثيرة. رغم أجواء الإحتفالات والأغاني والرقصات رغم الإبتسامة الصفراء إلا أن بداخل كل نزيلة حرقة وحسرة وعند كل واحدة منهن قصة غريبة يقشعرّ جسد الواحد منّا عند سماعها، في هذا العيد الفضيل نكرر النداء لأصحاب القلوب الصّماء وندعوهم للعودة إلى ردشهم والتفكير في ما قد يحصل لهم من سخط إلا هي وغضب رباني عن تركهم وهجرهم لوالديهم وأن يتذكروا جيدا بأن الله »يمهل ولا يهمل« وأنه »كما تدين تُدان« وأن من طرد أمه وشرّد والده لن يهنأ في حياته أبدا وستظل اللعنة تطارده إلى يوم الدين، أين هؤلاء من قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) »أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك«. ومن عظمة قدرها عند الخالق فيما جعل الجنة تجري من تحت أقدامها ، اللهم أهدي كل عاق وأفرح كل قلب مشتاق وأجمع بين الأبناء والآباء... آمين وصح عيدكم.