لا أدري ما معنى أن يلتقي وزير التربية بنقابة أو نقابات ثم يفترقان، بعد ارتشاف فناجين القهوة والشاي ب"الكاوكاو" و"البيسطاش" واللوز والجوز، والحال أن المدرسة تعيش غليانا واحتجاجات وإضرابات، يدفع فيها التلاميذ طبعا الفاتورة كالعادة، وحسب نقابة "إينباف" والعهدة على الراوي، فإن الوزير لم يتطرّق إلى الإضراب، وأن النقابة هي التي بادرت إلى الحديث عنه، وقد اكتفى هو بتدوين الانشغالات والمطالب! لقد أثبتت التجارب السابقة، المتكرّرة والمتعدّدة، بأن أغلب الاجتماعات واللقاءات و"الزرد"، بين الوزارة الوصية والنقابات، انتهت بمفاوضات أكدت الأيام أن نتائجها ظرفية وموسمية، وبالتالي فهي فاشلة بالطول والعرض، لأن التشخيص في كلّ مرّ يكون خاطئا، أو يُراد له أن يكون كذلك، حتى لا يُعتمد العلاج الصحيح، ويتم على ضوء هذا، وصف الباريسيتامول لأوجاع البطن والظهر وآلام المفاصل والرُكب! مشكلة "التغبية" في الرأس، ولذلك يجب إخضاع القطاع إلى "سكانير" متطوّر لكشف المرض الذي يدوّخ الأساتذة والتلاميذ معا، وحوّل الأولياء إلى متمدرسين، ملزمين بالبرنامج الدراسي مع أبنائهم، فهل يُعقل أن تفرض المدارس على الآباء والأمهات "تدريس" أبنائهم في البيوت، بعدما فشل الكثير من المعلمين والمربّين في إفهامهم وتلقينهم المناهج؟ بسبب ما حدث للمظلومة التربوية، والإصلاحات الفاشلة والمستنسخة، تكاد البيوت تتحوّل إلى مدارس فردية، بعدما حوّل بعض الأساتذة -سامحهم الله- اختيارا أو اضطرار المستودعات إلى قاعات للتدريس، يمنحون فيها النقاط و"النجاح" لمن يدرس فيها ويدفع، ويمنحون الفشل والرسوب لمن قاطعها أو لم يملك حقوقها المالية! للأسف، لقد تعرّت المدرسة الجزائرية، على مدار سنوات طويلة، ومع تعاقب وتداول الوزراء عليها، تحوّلت من الفاعل المرفوع بالضمة، إلى المفعول به منصوب عليه، أحيانا، ومجرور أحيانا أخرى، والأخطر من ذلك، أن مدرستنا أصابها الطاعون والكوليرا والبلهارسيا وحمى المستنقعات والدفتيريا والحصبة والتيفوئيد والملاريا والكزاز والتهاب السحايا، وأخيرا وليس آخر، أصيبت بفيروس كورونا العابر للقارات! من الطبيعي أن تضرب كلّ هذه الأوبة، قطاعا من المفروض أن يكون آمنا ومؤمّنا من التسييس والصراعات الإيديولوجية، لكنه، تعرّض للخنق والتعذيب وتصفية الحسابات والانتقام والثأر، بين الوصاية والنقابات، لعقود من الزمن، حتى أصبح التلميذ لا يتذكّر عندما يبلغ من العمر عتيّا سوى تلك الإضرابات والنزاعات الأبدية التي لا تريد أن تنتهي! لن تُشفى مختلف القطاعات، ما لم تُشف التربية ويعود التعليم إلى دوره وهدفه، ولا تكون الوزارة والنقابات ومختلف الشركاء، سوى أداة فعلية وفاعلة وفعالة لإنتاج أجيال مترابطة بين تلاميذ ومعلمين لا يدسّون لبعضهم الأحقاد والضغائن والكراهية!