أبدى سكان ولاية ورقلة في ذكرى تأميم المحروقات، غضبهم حيال الدور السلبي الذي لعبته شركة سوناطراك وفروعها بالجنوب والولاية، حيث لم تقدم هذه الأخيرة الخدمات المأمولة منها، وفي شتى القطاعات، التي من شأنها التخفيف من معاناة سكان المناطق الغنية بالنفط. انتقد مواطنون والعديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي شركة سوناطراك، وذلك تزامنا مع ذكرى تأميم المحروقات المصادفة ل 24 فيفري، ورغم الموارد المالية الضخمة التي تحصلها الشركة يوميا، إلا أنها لم تقدم المطلوب منها والمأمول منها لسكان المنطقة، ورغم النداءات المتكررة والإلحاح على ضرورة التفات الشركة إلى مطالب السكان والمساهمة في تحسين معيشتهم، إلا أن المركزية ظلت تتجاهلها في مقابل استفادة مناطق أخرى من مزايا الشركة. وأطلق ناشطون دعوات بضرورة وضع حد لتجاهل مسؤولي سوناطراك لمطالب مواطني المنطقة النفطية بضرورة مساهمة الشركة وبقوة في النهوض بولايات الجنوب في جميع المجالات، خصوصا منها التي تتعلق بضمان الحد الأدنى من العيش الكريم وذلك بفرض مساهمتها في بناء المستشفيات وتجهيزها وبناء المدارس خصوصا في المناطق النائية في عمق الصحراء الكبرى وكذا شق الطرقات وتأهيل البنية التحتية وتوفير إمكاناتها المادية الخيالية في إنعاش المؤسسات الاقتصادية المحلية الناشئة، وذلك بشراء منتجاتها كالمياه المعدنية والمواد الصلبة والسائلة والأطعمة بأنواعها والخضار وشتى أنواع التموين العام التي تشتريها المؤسسة في صفقاتها من مؤسسات تقع في شمال الوطن متجاهلة المؤسسات المحلية الخدماتية والتموينية، ما تسبب في ركود النشاط الاقتصادي محليا وعزوف الشباب عن الاستثمار في المجال الصناعي بسبب انعدام الأسواق التي تشتري منهم منتجاتهم، فيما تحرص سوناطراك على الشراء من المصانع الضخمة التي يعرف أصحابها ثراء فاحشا في مقابل معاناة مستثمري مناطق الجنوب الشباب من ركود منتجاتهم. .. نفور من تدعيم الفرق الرياضية المحلية من جهة أخرى، أبدى سكان الولاية استياءهم الشديد حيال التجاهل المستمر لسوناطراك في تدعيم الفرق الرياضية المحلية، وهو السبب الذي انعكس سلبا على واقع الرياضة وتسبب في تراجع مردود الفرق وتوقف الكثير منها عن النشاط، فضلا عن معاناة الفرق الناشطة حاليا وخصوصا في رياضة كرة القدم من أزمات مالية خانقة نتيجة انعدام التموين وتجاهل سوناطراك لفرق الجنوب، حيث ألهبت صورة تنقل عناصر فريق كرة القدم لقرية قوق في تقرت فوق شاحنة نفعية لإجراء مقابلة في بلدية الحجيرة، ألهبت مواقع التواصل الاجتماعي وطرحت عدة استفهامات عن سبب استمرار المؤسسة في تجاهل مطالب الفرق الرياضية بتدعيمها ماديا. كما تتهرب الشركة من تدعيم فرق الجنوب الرياضية رغم رفع الكثير منها التحدي وتمكنها من تحقيق نجاحات باهرة رغم ندرة الإمكانات وذلك كفريق شباب بني ثور وفريق الرويسات وتقرت وفريق مخادمة ونادي كرة اليد الذي ينشط في القسم الممتاز، والذي لم يستطع التنقل مؤخرا إلى بشار لمواجهة النادي المحلي بسبب عدم مقدرته على توفير قيمة السفر ومستلزماته لأعضاء الفريق ما جعله يهدد بالانسحاب نهائيا من البطولة. على صعيد آخر، يرى متتبعون أن الورشات البترولية وقواعد الحياة ومقرات الشركة وفروعها ومصانع التكرير والتخزين والإنتاج خلفت آثارا سلبية كارثية على البيئة والإنسان والحيوان، حيث تترك الورشات بعد انتهاء مختلف العمليات البترولية مستنقعات طينية ضحلة مليئة بالنفايات السامة والمواد الكيماوية، ما حولها إلى مصايد وفخاخ كبيرة تقتل عشرات الإبل سنويا دون تعويض لأصحابها رغم محاولات جمعية مربي الإبل بحاسي مسعود تحصيل تعويضات للموالين المتضررين، زد عليه عدم تعويض سكان المنطقة عن الآثار السلبية المترتبة عن انبعاث كميات هائلة من الغازات المسببة لأمراض مستعصية في الهواء، رغم كثرة الاجتماعات بين ممثلي الشركة ووزارة البيئة والفاعلين في الجمعيات المحلية من أجل توقيف الاعتداء على البيئة والطبيعة الصحراوية وخفض معدلات التلوث البيئي. .. حاسي مسعود البلدية الغنية باطنا الفقيرة واقعا ! تشهد بلدية حاسي مسعود غيابا كليا للتنمية رغم كونها المصدر الأكبر لخزينة الدولة منذ عقود، حيث تتوفر على احتياطات خيالية من البترول، إلا أن هذه الثروة لم تشفع لها في نيل ولو جزء بسيط من التنمية وتحسين معيشة المواطن المحلي فيها، "الشروق" وقفت مطلع الأسبوع على واقع تنموي مأساوي في الميدان، فلا طرقات ولا أرصفة ولا خدمات، إذ لا يزال السكان يعيشون حياة بدائية في أحياء الشيخ بوعمامة وحي 36 مسكن وكذا حي 1850 مسكن، كما تغيب أدنى الخدمات والمستشفيات العصرية والنقل والبنية التحتية، وحتى الأطفال وجدناهم يلعبون في الشوارع الرملية المليئة بالغبار بحي 36 مسكنا. .. بترول هنا وتنمية هناك ! من جهة أخرى ندد مواطنون بما أسموه التفاوت التنموي ونسف نظرية التوازن الجهوي في توزيع الثروة وتحسين الخدمات في جميع أنحاء الوطن دون التركيز على جهات بعينها، كما طرح عدة استفهامات عن استثناء المنطقة التي تمثل مورد الثروة والممول الأساس لخزينة الدولة من برامج التنمية الناجعة، فضلا عن استثناء سكان عاصمة الولاية من ذات البرامج الحقيقية. ويعيش سكان ورقلة إلى اليوم في شوارع رملية تزامنا مع غياب تام للخدمات التي تليق بولاية نفطية، زد عليه التباطؤ في تجسيد المشاريع الإستراتيجية التي تتعلق بمعيشة المواطن كالمستشفى الجامعي وخطوط السكك الحديدية بين ولايات الجنوب وربطها بولايات الشمال وتجديد البنية التحتية وإصلاح شبكة المياه والقضاء على مشكل الصرف الصحي، وبناء المرافق الحيوية كالحدائق وحتى مطار المدينة الوحيد بورقلة تحول إلى متحف قديم لا يليق بولاية بترولية. ..الإبل والموالون أكبر المتضررين تتسبب شركات التنقيب عن البترول سواء الوطنية أو الأجنبية وكل الشركات التابعة لمجمع سوناطراك في أضرار فادحة على ثروة الإبل، فضلا عن تأثير العوامل الطبيعية والبيئية في المراعي الصحراوية التي ترعى فيها الإبل وخاصة في ولاية ورقلة مثل مخلفات الآبار التي تخرج من الأرض مختلطة بالمواد الكيماوية والفضلات السائلة السامة. وحسب حديث أحمد بن منصور الناشط الجمعوي ورئيس جمعية تربية الإبل بحاسي مسعود مع "الشروق"، فقد تسبب بناء الأسوار الحديدية المحاطة بالشركات وقواعدها بطريقة غير مدروسة وشق ممرات الطرق بعشوائية في عمق الصحراء وكذا رمي القمامات الناتجة من فضلات الأكل وصيانة المحركات وكل ما يتبعها من الأشغال التابعة للشركات، تسببت هذه العوامل في تلوث الصحراء وخاصة في وقت الرياح التي تنشر هذه الفضلات في كل المراعي. ويؤدي وضع أنابيب البترول والغاز على سطح الأرض في قطع الطريق عن ممرات الإبل والمربين وقلع والقضاء على الأعشاب الطبيعية التي تمثل الأكل الوحيد للإبل من طرف الشاحنات والآلات التابعة لشركات البحث عن البترول واستكشافه مثل الشركة الوطنية للجيوفيزياء التابعة لمجمع سوناطراك، فضلا عن إنجاز الطرقات المزفتة بطرق غير مدروسة وملائمة للحركة الفطرية للإبل بين مناطق الصحراء مما يتسبب في حوادث المرور نتيجة عدم ضبطها من الناحية التقنية وعدم وجود أضواء كاشفة تلصق في الطرقات لحماية الإبل والسائقين. كما استهجن ذات المتحدث المضايقات غير المبررة التي يتعرض لها مربو الإبل من حراس الأمن التابعين للشركات أثناء تجوالهم في الصحراء والمناطق الرعوية أين أصبحوا يشعرون بالغربة في وطنهم "حسبه"، رغم أنهم في المكان الحقيقي لرعي الإبل وهو الصحراء، وأضاف لقد قدمنا للمسؤولين الكثير من الحلول وشرحنا أسباب تضرر ثروة الإبل في ورقلة والجنوب وطرق إنقاذها لكن دون أخذها بعين الاعتبار. من جهته فقد أوضح الباحث في التاريخ الأستاذ حمزة العشي في حديث مع "الشروق"، أن تاريخ تأميم المحروقات هو تاريخ وضع الدولة الجزائرية يدها على ثرواتها، إلا أنه وبعد مرور 49 سنة من التأميم لازالت نفس الثروة تتعرض لنظام "المحاصصة" بين مختلف الشركات العالمية الكبرى، بسبب انعدام قاعدة تصنيعية نفطية تتحكم في تكنولوجيا استغلال البترول بالرغم من وجود الموارد البشرية المؤهلة للقيام بذلك. وأشار أستاذ التاريخ في معرض حديثه مع "الشروق" أنه بالرغم مما وفرته هذه الثروة الطبيعية الزائلة من موارد وعائدات مالية ضخمة كانت قادرة على بناء اقتصاد خارج مجال الريع البترولي، إلا أن الوضع بقي على حاله منذ ما أسماها ب "الصدمة الأولى" أواخر سنة 1986 إلى حد الآن، بسبب غياب إرادة سياسية لتحقيق ذلك، وأضاف، أنه لا تزال هناك حلقة تاريخية مفقودة بسبب غياب الكشف عن وثائق اتفاقيات أيفيان المتعلقة بالشق الاقتصادي التي لم يُفصح عنها إلى حد الآن حسب تعبيره.