مصيبة "رؤوس الفساد" أنهم ورطوا معهم "الجميع" (..)، داخل الحكومة ووسط النواب والولاة والأميار والمجالس المخلية ومديري مؤسسات عمومية ورجال أعمال ومستوردين ومستثمرين ومسؤولي بنوك، ولذلك، لم يعد الفساد يختلف في انتشاره وتفشّيه عن الطاعون أو الكوليرا أو كورونا! فيروس الفساد أريد له خلال السنوات الماضية أن يتحوّل إلى وباء، فالمخبر الذي أنتج الفيروس القاتل، لم ينتج له الدواء، أو أنه اخترعه، لكن الحراك السلمي و"تحالف" الشعب مع الجيش لإسقاط "العصابة"، فوّت عليه فرصة الاستمرار في نشر ذلك الفيروس، والمقايضة بعلاجه! تسمين الفساد وتفريخ المفسدين، لم يكن أمرا مخفيا ولا مستترا أو مبنيا للمجهول، فمثله مثل كورونا لا يفرّق بين وزير ومدير ومير وغفير وفقير، ولذلك، يجرّ القابعون وراء القضبان، والمتهمون والمتورطون، من "كبار الدوّار"، المزيد من الحقائق والاعترافات والمقرّرين والرؤوس المعنية بما حصل خلال العشرين سنة الماضية، إلى أن بلغ الأمر بتوريط الرئيس المستقيل من خلال المطالبة بشهادته وإحضاره إلى المحكمة! صعوبة القضية تكمن برأي عارفين، في انغماس الرأس والرجلين والأذرع وكامل الجسم في مستنقع الفساد، طوال الفترات السابقة، التي أنهاها "فخامة الشعب" بمرافقة من جيشه الوطني، وبتحرّك العدالة والأجهزة الأمنية المختصّة ضدّ الملفات النائمة والمنوّمة والمنسية والمدفونة! الآن، يُدرك الجزائريون لماذا عشّش الفساد طويلا، وكاد "يؤمّم" الدولة ويسيطر على مفاصلها، ويحوّلها إلى "شركة صارل"، بدل أن تكون في خدمة الوطن والمواطن، كانت تحت تصرّف عصابة وبطانة سوء وحاشية و"حاشيات" الحاشية، من أولئك الأفراد وتلك الجماعات الذين استفادوا بالجملة والتجزئة من منافع خارج القانون، لكن وفق قانون على المقاس! الانتهاء من كلّ ملفات الفساد المفتوحة والتي سيتمّ فتحها، بالقمة والقاعدة، تقتضي دون شك حسب خبراء وعقلاء، المزيد من الوقت، فالأمر يتعلق بفضائح "بجلاجل" من عيار سوناطراك والطريق السيار والخليفة وتركيب السيارات والاستيراد والمناطق الصناعية والأراضي الفلاحية والمشاريع التنموية في السكن والأشغال العمومية والمنشآت والسدود وغيرها! لسان حال الشرفاء والنزهاء يردّد بل تردّد: "الله يكون في عون المحققين والقضاة"، فالإرث الذي تركه النظام السابق في مجال الفساد والإفساد و"الأفسدة"، قد يتطلب لمواجهته خاتم سليمان وعصا موسى، معا، وهو ما يقتضي الكثير من الصبر والتبصّر والعقل والتعقّل، وطول النفس وتضافر الجهود، ومساعدة المواطن أيضا، لاستعادة المسروقات وعدم إعطاء السرّاق فرصة الإفلات من الحساب والعقاب!