فاجأني شيخ يظهر أنه “ما فاهم فيها والو”، لكنه “فاهم كلّ حاجة”، وهو يتحدث سياسة أحسن بكثير من الدعاة والمشايخ السياسيين، الذين يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون، وقد قال الشيخ وهو يصول ويجول وسط متجر بسيط، قالها بالفم المليان: “يا جماعة راهو ما يسلك في الحرب ضدّ الفساد غير طويل العمر وقاسح الكبدة”.. والأيام بيننا ! هذا الشيخ كان يردّ على بعض التحليلات والتخمينات، وهو يتابع “الأخبار العاجلة” عبر القنوات الوطنية، بخصوص التحقيق مع فلان، واستدعاء علان ورفع الحصانة عن ألان وسلان وبلان، وفعلا فقد هزم “شيخنا” الحكيم محللين وخبراء يعتمدون في العادة على ضرب خط الرمل و”الزمياطي” لتفضحهم الأيام ويتضح أن استشرافهم مجرّد “فشينك” ! المتتبّع لتسارع الأحداث بشأن الحرب المفتوحة والمشروعة على الفساد والإفساد والفاسدين والمفسدين، يقف عند واقع يكشف إلى أن يثبت العكس، أن آلة الحساب والعقاب لا تستثني أحدا، وأنه لا وزير ولا مدير ولا مير ولا غفير، فوق “من أين لك هذا؟” وفوق القانون الذي كان في زمن العصابة مسلطا حصريا وفقط على رؤوس الضعفاء والبسطاء ! الحراك انتهى بوزيرين أولين سابقين وعدة وزراء ونواب ومديرين في مختلف المصالح والهيئات ورجال أعمال، إلى السجن والمحاكمة والتحقيق والاستجواب، في قضايا ذات صلة بالفساد ونهب المال العام واستغلال السلطة والنفوذ والثراء غير المشروع، ومازال المواطنون ينتظرون توقيف ومحاسبة المزيد من المتورّطين والمتواطئين ممّن “خلاوها” طوال سنوات ! من كان يعتقد قبل 22 فيفري، أن “الحوت الكبير” سينتهي به المطاف إلى حيث ما عليه الآن، لولا الحراك ومرافقة الجيش له وتحرّك العدالة؟.. نتائج قرابة سبعة أشهر من الحراك السلمي، لا يمكن إلاّ لجاحد أن ينكرها أو يقلّل من حجمها وعمقها، ولا يمكن إلا ل “خلاط” محاولة تتفيهها أو تفسيرها بتفسيرات على المقاس ! يجمع المتفائلون على أن “الحملة” التي اصطادت الرؤوس الكبيرة، لن تسمح بعودة الفساد بالوتيرة والانتشار اللذين كان عليهما خلال العشرين سنة الماضية، كما لن تتيح الفرصة لظهور مفسدين بذلك النفوذ والجبروت، ولا بتفريخ وتسمين مستفيدين من مشاريع “الأفسدة” في شتى القطاعات، حتى أضحى الفساد مهنة ووظيفة وتجارة وتخصّصا يحميه القانون ! سقوط العصابة في القمّة، هو أيضا سقوط للعصابات في القاعدة، بالبلديات والدوائر والولايات ومختلف المؤسسات والشركات والإدارات والمجالس المنتخبة والنقابات والمنظمات والجمعيات، ولذلك، فإن الأرضية تصبح مواتية وخصبة للشروع في بناء الجزائر الجديدة !