ألوف المليارات تبخّرت في البورصات العالمية في أسابيع، والمئات مثلها ضاعت في الاقتصاد الحقيقي، في قطاعات السياحة، والنقل، فيما أصيب قطاعُ النفط بموجة انهيار في الأسعار تبدو أخطر من سابقاتها، قد لا ينفع معها إجراء خفض سقف الإنتاج، ما لم يتعافَ العالم من جائحة التهويل الموجَّه بوباء كورونا، الذي قتل في ثلاثة أشهر ثلث ما قتلته الأنفلونزا العادية في الولاياتالمتحدة في رُبع عام، في حين يرفض العالم التوقف عند أضرار فيروس العولمة القاتل للبشر بسرعة انتشار أنفلونزا الكساد المعولم. وفي انتظار صدور قرار من المنظمة العالمية للصحة يصنف الحالة وباءً عالميا، فإن الأعلام العالمي، وبتوجيهٍ خفي، قد تعامل مع كورونا كجائحة عالمية مرعبة، نجحت حتى الآن في تعطيل النشاط السياحي في كبرى الدول السياحية، يتبعها الآن توقيفُ الأنشطة الرياضية الشعبية، وهرولة كثير من الدول إلى تعطيل الدراسة، ومنع جميع أشكال التجمهر، كان أبرزها إغلاق الحرمين الشريفين ووقف شعائر العمرة، بل وحتى إسقاط صلاة الجمعة في مدينة النجف. وعلى ما يبدو، فإن العالم لم يتعلم من تجاربه السابقة مع ظهور أوبئةٍ مماثلة في العقدين الماضيين، كان بعضها مثل إيبولا أخطر بكثير من كورونا، قد أغلقت منذ أسبوع آخر بؤرة له في إفريقيا، وعشنا معها حالاتِ هلع مماثلة، كانت تتوقف بمجرد انتهاء المخابر من تسويق أمصالها الكاذبة، وجني مئات المليارات من سوق الخوف والترويع. ومع كل هذا التهويل حول فيروسٍ بدأت تتعامل معه الدول كما كانت تتعامل مع الإرهاب الكاذب المصنَّع إعلاميا، وتوظفه لفرض مزيدٍ من التضييق على الحريات، واختبار قدراتها على وضع مجموعات بشرية ضخمة تحت الحجر كما حصل في الصين لمدينة يوهان، فإن الحس النقدي الجمعي قد أخفق حتى الآن في رصد وباءٍ أخطر من كورونا وأخواتها ألف مرة، في ما كشفته الجائحة من تشبيكٍ عميق لهذا الاقتصاد المعولم، حتى أنَّ إغلاق معمل واحد بالصين أو كوريا الجنوبية يؤدي إلى إغلاق عشرات المصانع في بقية الدول تعتمد على قطع أو مكوِّنات تُصنَّع في الورشة الصينية أو الكورية، وظهر أن سرعة انتقال وباء إغلاق المصانع من البؤرة الأمّ بالصين نحو الشبكة العالمية للإنتاج، تفوق بكثير سرعة انتشار الفيروس نفسه، وقد تخلِّف ضحايا بالملايين في ما ستُنتجه هذه الحلقة الفاسدة من كسادٍ عالمي يحيل الملايين إلى البطالة، ويعطل في مرحلته الأخطر نظام التموين العالمي بالأغذية. نحن بلا ريب على أبواب تشكل كرة ثلج هائلة، تتغذى بوتيرة هندسية من انخفاض الطلب على النفط بسبب انخفاض الإنتاج، يقود حتما إلى تراجع في موارد الدُّول النفطية وقدرتها الشرائية التي تُغذِّي الدورة بمزيد من الإفلاس في القطاعين: الإنتاجي والخدمي، مع تراجع خطير في استثمارات الدول النفطية على المدى المتوسط، يمنع الدول النفطية من قدرة الاستجابة للطلبات حين يتعافى الاقتصاد العالمي. وإذا كانت المخابر والمنظومة الصحية العالمية قد أثبتت من قبل كفاءتها في التصدي لمثل هذه الأوبئة، ولما هو أخطر من كورونا، فإن المجموعة الدولية المتنفذة المتحكمة في الاقتصاد العالمي لا تتملك أدنى فرصة لإيجاد مصل أو علاج ناجع لجائحة عولمة الإنتاج والخدمات، ولتداعيات هذا التشبيك المرعب، الذي يجعل العالم يصاب بالحمى والسعال والإسهال كلما عطست الورشة الصينية، أو أصيبت وول ستريت والسيتي بزكام عابر. في بداية القرن العشرين كان العالم قد فُجع بوباء الحمَّى الاسبانية التي قتلت أضعاف ما قتلته الحرب العالمية الأولى، ولم ينتشر الوباء خارج البؤرة الأم في الجنوب الغربي لأوروبا مع غياب وسائل النقل السريعة وقتها، كما لم ينتج عن الوباء أي ضرر بالتجارة العالمية مع اقتصاد كان على عتبة الدخول في هذه العولمة الآثمة التي حوَّلت المعمورة إلى قرية صغيرة موبوءة بألف ألف وباء من صُنع البشر هو أفتك من أي فيروس من صنع الطبيعة.