عاشت محكمة الجنايات بمجلس قضاء تيزي وزو لحظات تاريخية في حدود الساعة الثامنة والنصف من ليلة أول أمس عندما نطقت القاضية بالحكم في قضية الجزائريين المتهمين بالجوسسة لصالح إسرائيل. ولاسيما بالنسبة الشرطي طوير علي الذي برأته المحكمة من تهمة الجوسسة بينما نطقت بعشر سنوات حبس نافذة في حق الصحفي "سحنون سعيد" بتهمة الجوسسة لصالح المخابرات الإسرائيلية الموساد والمخابرات الإسبانية. و أجمع أعضاء محكمة الجنايات أثناء مداولاتهم السرية على أن الشرطي غير مذنب في جمع المستندات والوثائق السرية ومن ثم فهو غير مذنب في تسليمها لدولة أجنبية، وغير مذنب في الإضرار بمصالح الدفاع الوطني والإقتصاد الوطني، وعليه حكمت المحكمة ببراءة طوير علي، لحظتها لم يتمالك الشرطي نفسه ورفع يديه إلى السماء مبتهلا ومتشكرا لله على عدالته، قائلا "الحمد لله"، وعيناه تذرفان الدموع، وهو يسمع المحكمة تنطق بحكم برائته من هذه التهمة الشنعاء التي وجد نفسه متهما بها بسبب علاقته مع شخص لم يكن يعلم بأنه جاسوس عميل لإسرائيل، ثم بكى كثيرا وبكى معه كل زملائه من سلك الأمن ببالغ التأثر ثم ما فتئ وأن بدأ يعانق زملاءه الواحد بعد الآخر، ولم يستطع التوقف عن ذرف الدموع من هول التهمة التي نسبت له، وبعد خروج القاضية من الجلسة رفع الشرطي صوته عاليا في القاعة "أنا يتهمومنني بالجوسسة، ويكتبون عني في الصحافة ويقولون بأني جاسوس لإسرائيل، أنا يقال عني كل هذا". ثم عاد مرة أخرى ليبتهل إلى الله ويشكره على عدالته، وبقي الشرطي على هذا الحال يبتهل إلى الله تارة يعانق أصدقاءه ورفاقه تارة أخرى، وهو لا يكاد يصدق أن كان ما وقع له كابوسا أم حقيقة، أما أخواه فقد هرولا إلى خارج القاعة واتصلا فورا بالأهل وبلغوهم حكم البراءة في حق شقيقهم، وقد سمع أخاه الأصغر وهو يتحدث في الهاتف مع أهله ويقسم لهم بأن المحكمة برأت "علي" من تهمة الجوسسة، ويا لها من تهمة، فلا توجد تهمة شنعاء أخطر من تهمة خيانة الوطن والجوسسة لصالح دولة أخرى وأي دولة "إسرائيل". في ذلك الوقت كانت زوجة الصحفي سحنون سعيد تعانق زوجها وتبكي على صدره وهو يهدئها، وينظر إلى الشرطي، الذي كان صديقه لفترة طويلة من الزمن. بعدها تنقل طوير علي إلى السجن ليأخذ أغراضه ويلتحق بعائلته، بينما اقتيد سحنون إلى السجن لقضاء العقوبة المحكوم عليه بها، في حين خرجت زوجته مصدومة مذهولة من القاعة دون أن تتفوه ببنت كلمة. محكمة الجنايات المتشكلة من القاضي والمستشارين القضائيين، والمحلفين المدنيين استهلكت في مداولاتها حول المتهمين أزيد من ثلاث ساعات كاملة انطلقت الساعة الخامسة مساءا واستمرت إلى غاية الثامنة والنصف لحظة النطق بالحكم، وقد كانت لحظة مصيرية وحاسمة بالنسبة للمتهمين، نظرا لخطورة التهم المنسوبة إليهما، و تداول أعضاء المحكمة حول أربع أسئلة تتعلق بكل متهم، أولها هل المتهم سحنون سعيد مذنب بجناية جمع معلومات ووثائق ومستندات تمس بأمن وأسرار الدولة وتسليمها لدولة أجنبية، وهو السؤال الذي أجاب عليه كل الأعضاء المتداولين سرا بنعم، ثم تداولوا حول السؤال الثاني "هل يؤدي جمع هذه التقارير والمعلومات وتسليمها لدولة أجنبية إلى الإضرار بمصالح الدفاع والإقتصاد الوطني فأجاب كل أعضاء محكمة الجنايات بالإجماع "نعم" ، أما السؤال الثالث الذي تداول حوله الأعضاء بشأن الصحفي المتهم بالجوسسة فهو "هل يؤدي تسليم هذه المعلومات لدولة أجنبية إلى الإضرار بمصالح الدفاع والإقتصاد الوطني والإجابة الجماعية كانت بنعم كذلك ، غير أن أعضاء محكمة الجنايات اجمعوا على أن المتهم يحق له الإستفادة من الظروف المخففة لأنه غير مسبوق عدليا، ومن ثم فصلت هيئة المحكمة بإدانة الصحفي سعيد سحنون بعد المداولات بعشر سنوات حبس نافذة مع تعويض المصاريف القضائية، بعد أن كان النائب العام قد التمس له 20 سنة حبس نافذة، وهي نفس الأسئلة التي طرحت بشأن الشرطي وأجمع أعضاء المحكمة على أنه بريء منها كون تعاطيه مع المذنب كان بحسن نية. جميلة بلقاسم:[email protected]