تحولت الجلسة العلنية التي كانت مقررة لمحاكمة الجاسوسين الجزائريين العميلين لإسرائيل بمحكمة الجنايات بمجلس قضاء تيزي وزو أمس فجأة إلى محاكمة سرية بعد أن تنبه النائب العام لمجلس قضاء تيزي وزو إلى الحضور المكثف للصحافة الدولية، سيما من القنوات الفضائية العربية الذين تقدموا من النائب العام وطلبوا منه السماح لهم بالتحدث مع عائلات المتهمين ومحاميهم واستجوابهم، إضافة إلى حضور مراسلي وكالات الأنباء الأجنبية. غير أن هيئة المحكمة سرعان ما صدمتهم جميعا بقرار إجراء محاكمة سرية للمتهمين نظرا لحساسية القضية وخطورتها، الأمر الذي أزعج الكثير من الصحفيين والمراسلين الذين تنقلوا بعتادهم وكاميراتهم. كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة و 45 دقيقة عندما أدخل أعوان الأمن بمحكمة الجنايات بمجلس قضاء تيزي وزو الجزائريين المتهمين بالجوسسة لصالح إسرائيل واسبانيا والمغرب مكبلي الأيدي، وسط ذهول وفضول الحاضرين في قاعة المحكمة، دخلت بعدهما القاضية، لتعلن علنيا عن افتتاح جلسة بحضور عدد كبير من الصحفيين والمراسلين، وشرعت القاضية في المناداة على المتهمين، غير أنها سرعان ما اقترحت على النائب العام تحويل الجلسة إلى محاكمة سرية وهو ما وافق عليه النائب العام وأمر فورا بإخلاء القاعة من كل الحاضرين، ولم يسمح بالحضور سوى للأقارب المقربين جدا من المتهمين، بما في ذلك زوجة سحنون سعيد وبناته، وشقيقي طوير، إضافة إلى هيئة الدفاع. قصة الجاسوسين العميلين لإسرائيل: تقارير أمنية ودفاعية وسياسية خطيرة عن الجزائر للموساد مقابل 1500 دولار شهريا كشفت محاكمة الجاسوسين الجزائريين العميلين لإسرائيل حسب تصريحات بعض المحامين الذين حضروا المحاكمة السرية، بأن أول اتصالات سحنون سعيد مع إسرائيل بدأت سنة 1993، سحنون سعيد مولود في جانفي 1963 بتيزي وزو، وهو يقطن بحي النخيل بتيزي وزو، متزوج وزوجته تعمل في الديوان الوطني للسياحة بتيزي وزو، تحصل على شهادة البكالوريا في جوان 1982، ودرس بجامعة مولود معمري، حيث تحصل على شهادة ليسانس سنة 1986 تخصص اقتصاد وتسيير، بعدها التحق بالخدمة الوطنية خلال الفترة الممتدة ما بين 1986 إلى غاية 1988، ثم سافر إلى سويسرا لتحضير دكتوراه دولة في نفس التخصص، ومنها بدأ في زياراته لمختلف الدول الإفريقية. كما عمل سعيد صحفيا منذ ان كان يدرس في الجامعة، بالصحافة الوطنية المكتوبة، الأمر الذي شجعه على مواصلة المهنة في دول إفريقيا. أما المتهم الثاني وهو "طوير علي" ، وهو من مواليد مارس 1976 بالمسيلة، مستوى السنة الثالثة ثانوي، التحق بالخدمة الوطنية سنة 1997، وتحصل على ديبلوم في طلاء السيارات، بعدها التحق بسلك الأمن ليعمل كشرطي في أمن ولاية تيزي وزو منذ سنة 1999، وهو أعزب. البداية حسب اعترافات المتهم الرئيسي بالجوسسة لصالح الموساد كانت من بورتريه عن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز نشره سحنون في جريدة الصباح الصادرة "بكوت دي فوار" تحت عنوان "نافذة السلم" سنة 1993، وذلك بمناسبة وفاة الرئيس الإسرائيلي إسحاق رابين. وكشف قرار إحالة القضية على محكمة الجنايات الذي يتضمن محاضر سماع المتهمين واعترافات المتهم الرئيسي في القضية بأن "سحنون سعيد" كان يعمل كمراسل صحفي حر، غير معتمد، ويقدم نفسه على أنه يراسل عدة وكالات أنباء عالمية، وهي الصفة التي كانت تساعده في الحصول على كثير المعلومات والوثائق والمستندات في مختلف المجالات، وكان يعتمد عليها في الوصول إلى مصادر المعلومات، وعند بداية اتصالاته مع إسرائيل كان يعمل كمدير تحرير لجريدتين إفريقيتين ناطقتين بالفرنسية، وكان يديرهما بنفسه، جريدة السلم الصادرة في بنين، وجريدة الصباح الصادرة في "كوت دي فوار" والتي توقفت فيما بعد بسبب اندلاع الحرب الأهلية هناك. ومنذ ذلك الحين أي منذ سنة 1993، بقي على اتصال مع سفير إسرائيل "بكوت دي فوار"، بعدها التقى به مرة أخرى في أبيجان سنة 1996 فعرض عليه السفر لزيارة إسرائيل، ثم ما لبث أن دعاه للمشاركة في ملتقى تكويني خاص برجال الإعلام العرب ينظم بإسرائيل ويحضره فقط رجال الإعلام العرب الذين تربطهم علاقات طيبة مع إسرائيل، فوافق سعيد على ذلك، ومباشرة بعد ذلك تحصل على الفيزا من سفارة إسرائيل في كوت دي فوار، وقبل أن يتوجه إلى إسرائيل عاد للجزائر وطرح الفكرة على مصالح الأمن الجزائرية حسب ما يقوله في اعترافاته، وبما أن مصالح الأمن لم تعترض على سفره كما يقول فإنه لم يتردد في ذلك. ينتحل صفة صحفي حر ليجمع التقارير والملفات السرية بدعوى إرسالها لوكالات أنباء عالمية جهز سعيد نفسه للسفر وتوجه نحو المغرب من أجل امتطاء الطائرة التي تقله نحو إسرائيل، وفعلا سافر إلى إسرائيل وشارك في الملتقى التكويني الذي نظم هناك وتدرب خلاله حول كيفية إعداد التقارير الإخبارية السياسية والأمنية والإقتصادية، وطرق جمع المعلومات والوصول إليها، وهناك دخل في اتصال مع الموساد حيث التقى بأعوان التنظيم المخابراتي الإسرائيلي، وأصبح يعمل لحسابهم. وبالموازاة مع ذلك كان يعمل مع المخابرات السرية الإسبانية بإرساله تقارير مفصلة لها حول الأوضاع الأمنية والإقتصادية في البلاد والتوزع الأمني للجيش الوطني الشعبي في الناحية العسكرية الأولى والتواجد الأمني في منطقة القبائل، وكل ذلك مقابل راتب قدره 1500 دولار شهريا، وكان يتعامل مع السفير مباشرة. كما كان يقوم بمراسلة الموساد وتزويدها بنفس التقارير، مستعينا بمهنته كصحفي ليتحصل على كل ما يريده من معلومات ووثائق. واستمر على هذا الحال إلى غاية توقيفه على الحدود المغربية الجزائرية من طرف شرطة الحدود المغربية في ديسمبر 1995، وحجزت بحوزته عدة وثائق تتضمن معلومات سرية من ضمنها مخططات لكيفية تنقل الجيش الوطني الشعبي في الناحية العسكرية الأولى، وبالخصوص في منطقة القبائل ووثائق رسمية تابعة للشرطة، تتضمن قوائم المطلوبين بولاية تيزي وزو وقوائم العناصر الإرهابية التي يشتبه أنها تنشط بمنطقة القبائل ووثائق حول العروش، وقد سلمته الشرطة المغربية للسلطات الجزائرية في إطار تبادل المتهمين لتتم إحالته مباشرة إلى المحكمة العسكرية بالبليدة لكن وكيل الجمهورية بالمحكمة أصدر أمرا بالتخلي عن القضية للمحكمة المدنية في مارس 2006، ومن ثم تم التحقيق معه من طرف قاضي التحقيق بمجلس قضاء ولاية تيزي وزو، وعندها صرح سحنون سعيد بأن الشرطي طوير علي هو الذي كان يقدم له المعلومات المتعلقة بالأمن الوطني وهو الذي قدم له القوائم الإسمية للإرهابيين المطلوبين، وكذلك صور الإرهابيين. للاشارة فقد عثر بحوزته على صور عديد الإرهابيين المطلوبين من طرف مصالح الأمن و قوائم إسمية للعناصر الإرهابية الناشطة بالجزائر، ومخططات حول تنقل الجيش الشعبي الوطني في الناحية العسكرية الأولى ولا سيما في منطقة القبائل ووثائق رسمية تابعة للأمن الوطني. شقيق الشرطي المتهم بالجوسسة ل "الشروق اليومي" : أخي لم يكن يعلم بأنه يتعامل مع جاسوس عميل لإسرائيل عندما سرّب له المعلومات. أكد شقيق الشرطي طوير علي المتهم بمساعدة سحنون سعيد على الجوسسة وجمع المعلومات والتقارير لتسليمها إلى إسرائيل بأن أخاه لم يكن على علم بأن سحنون سعيد جاسوس عميل لإسرائيل وأنه لم يكن يعلم بأن المعطيات التي كان يقدمها له ترسل إلى إسرائيل، وهو ما ذهب إليه دفاع المتهم طوير علي الذي قال بأن القوائم الإسمية والصور الخاصة بالإرهابيين التي سلمها طوير لسحنون ليست سرا من أسرار الدولة لأنها قوائم معلقة في جميع محافظات الشرطة على المستوى الوطني، كما أن مثل هذه المعلومات حسبه لا تمس بأمن الدولة ولا تضر لا بالدفاع الوطني ولا بالإقتصاد الوطني، مضيفا بأن التهم غير ثابتة في حق موكله. كما أن مضمون المادة 65 من قانون العقوبات المتعلقة بتقديم معلومات سرية لدولة أجنبية لا ينطبق على موكله. وحرص دفاع المتهم طوير علي الذي يعتبر متهما ثانويا في القضية، على التوضيح بأن موكله ليس له أي علاقة بأي شخص أجنبي ولا بأي دولة أجنبية، ولم يسلم أي معلومات سرية لشخص أجنبي، أو وثائق تمس بالإقتصاد الوطني أو بالدفاع الوطني، كما أوضح بأن المعلومات التي قدمها موكله ليس لها طابع المساس بالإقتصاد الوطني لأنها معلومات أمنية منشورة في الصحف، ومعلقة في محافظات وأقسام الشرطة. من جهته شقيق المتهم صرح ل "الشروق اليومي" بأن أخاه فوجئ بصدور أمر بالقبض عليه دون سابق إنذار، وتم توقيفه منذ 15 شهرا، واتهم بتسريب وثائق سرية لدولة أجنبية، في حين انه لا يملك حتى جواز سفر، ولم يسافر في حياته، ولم يغادر أبدا التراب الوطني، وليس له علاقات مع أي أطراف أجنبية، مضيفا بأن سحنون هو الذي ورطه. جميلة بلقاسم :[email protected]