قبل أن يطل علينا الأتراك من على الشاشات التلفزيونية، وهم يرسمون شكلا جديدا للدراما التي تلاقحت فيها الحضارة الإسلامية مع الحضارة الغربية، لم تكن تركيا بالنسبة إلى الكثير من الجزائريين إلا دولة تقع خلف البحار، شأنها في ذلك شأن الدول الأوربية المجاورة لها، دون الانتباه إلى هويتها الإسلامية، ولكن مع هذه الإطلالة الدرامية التي ملكت عقول وقلوب الجزائريات اللواتي تعلقن بأبطال المسلسلات التركية تعلقا شديدا، ومع ما تطرحه التوجهات التركية التي تعتمد أساسا على الانفتاح على المشهد الاقتصادي الدولي، صارت تركيا وجهة سياحية للجزائريين ومحطة تجارية تحتمان تعلم لغتها. وعليه تقوم هذه الأخيرة بنشر ثقافتها بالموازاة مع توسيع سوق استثماراتها في الخارج، بتأسيس مدرسة معتمدة لتعليم التركية في الجزائر، ناهيك عن المدارس الخاصة التي قامت بإضافة اللغة التركية إلى لغات تقوم بتدريسها استجابة للطلب المتزايد عليها. مدرسة واحدة معتمدة ربما لا يعرف كثير من الجزائريين أن هناك مدرسة واحدة فقط معتمدة لتعليم اللغة التركية في الجزائر، تأسست في 2001 وفق اتفاقية أُبرمت بين الجزائر وتركيا، وهي "مركز تعليم اللغات الحديثة" الكائن مقرها بدالي إبراهيم بالجزائر العاصمة، ويدرس بها 56 طالبة و27 طالبا. كما توجد مدراس خاصة أخرى مثل مدرسة الرجاء ومدرسة الرشد الكائنتين بالقبة، واللتين أضافتا اللغة التركية إلى برنامجهما التعليمي الذي يضم اللغة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية. وحول الأسباب التي جعلت الجزائريين وخاصة الجزائريات يتوجهون إلى تعلم اللغة التركية، سألنا السيد سمير فوغالية مدير "مركز اللغات الحديثة"، فقال: "من أهم الأسباب التي جعلت الجزائريين يُقبلون على التركية، الرغبة في العمل في مجال الترجمة خلال المعارض التي تقام في الجزائر، وفي السنوات الأخيرة عرفت اللغة التركية انتعاشا غير مسبوق بسبب غزو الدراما التركية للقنوات العربية، هذا بالإضافة إلى أن تركيا صارت وجهة للسياحة والتسوق بعد أحداث الربيع العربي التي أزاحت سوريا بسبب أزمتها الأمنية من قائمة الدول التي يُقبل عليها الجزائريون للتسوق والتجارة". وأضاف السيد فوغالية في حديثه ل"الشروق": " إن مركزه لا يتردّد في تزويد الجامعات الجزائرية بالمؤطرين في اللغة التركية، حيث قام بإمضاء اتفاقية مع عدد من الجامعات من أجل تزويدها بالأساتذة والوسائل البيداغوجية". وفي شأن آخر قال المدير إن المركز يقوم بتنظيم رحلات وتربصات ميدانية للطلبة الجزائريين في تركيا: "قمنا العام الماضي، ولأول مرة بإرسال فوجين من الطلبة من الجنسين إلى أسطنبول من أجل التربص اللغوي لمدة تراوحت بين 10 إلى 15 يوما، بعد أن قضوا مدة زمنية معتبرة من الدراسة النظرية بالمركز". ونفى السيد سمير فوغالية أن يكون للمسلسلات التركية التأثير الأكبر على الإقبال على تعلم اللغة، على اعتبار أن المسلسلات التركية تقدم مدبلجة: "لا أظن أن هناك تأثيرا كبيرا للمسلسلات التركية، ربما هناك نسبة قليلة من الجزائريين ممّن يتوجّهون إلى تعلم التركية بدافع إدمانهم على المسلسلات التركية، أو من أجل الزواج مع الأتراك، ولو كان ذلك صحيحا فلماذا لم تُقبل الجزائريات على الزواج من الهنود في الثمانينات حينما كانت المسلسلات الهندية هي موضة تلك السنوات في الجزائر، أو الزواج بالمكسيكيين في التسعينيات عندما كانت الدراما المكسيكية مسيطرة؟" التجارة والسياحة والعمل ويقول السيد "ق. ن " وهو مهندس معماري، إنه توجه إلى تعلم التركية بعد أن تعرّف على أستاذة تعلّم اللغة التركية في مدرسة خاصة، وأخبرته أن هناك أكثر من 100 مؤسسة تركية في الجزائر الأمر الذي يتيح له فرصة العمل بإحداها. وكشف محدثنا أن الصعوبة في تعلم التركية تكمن في أن تركيب الجمل مخالف لما هو موجود في اللغة العربية، بينما تكمن سهولتها في وجود أكثر من 1000 كلمة تركية أصلها عربي مثل: "جملة، كلمة، حرف، صناعة، تكرار..." وتؤكد "سامية.ع" وهي إحدى المدمنات على المسلسلات التركية، أنّ رغبة شديدة تكوّنت لديها بعد اكتشافها للحضارة الإسلامية في تركيا، جعلتها تُقبل على تعلّم اللغة التركية من خلال بعض كتب تعليم هذه اللغة، كما تأمل سامية في التسجيل بإحدى مدارس تعليم هذه اللغة، لتوثيق صلتها بهذه الحضارة الرائدة في العالم الإسلامي، وأغرب ما كشفته سامية، هو أنها لا تترك فرصة كلما وجدت وقت فراغ في متابعة أخبار نجوم الدراما التركية من خلال تصفحها لشبكة الإنترنت. ولمن لم يحظوا بفرصة تعلم اللغة التركية في المدارس الخاصة أو المعتمدة، تقوم دور نشر إلكترونية بتوفير برامج لتعليم اللغات، ركزٌت هذه السنة جهدها على برامج لتعليم اللغة التركية مثلما صرح لنا بذلك السيد يوسف رحموني ممثل دار الأصالة للثقافة، الذي قال: "إن تعلق الجزائريين بالمسلسلات التركية، والزيارات المفتوحة إلى تركيا بغرض السياحة والتجارة جعل اللغة التركية مطلوبة كثيرا. وهو ما قمنا بتوفيره للراغبين في التعلم". بينما يقول السيد مصطفى شمّاس وهو ممثل دار"زاد ميديا": "إن اللغتين الإيطالية والإسبانية صارتا وجهة التجار و"الحراقة".