أدى التعلق الشديد بالمسلسلات التركية إلى هجرة كاملة نحو تركيا، جسديا وروحيا، وأصبح كل ما يرمز إلى تركيا يثير فضول الناس، بعد أن اجتاحت حمى المسلسلات التركية أرجاء الوطن العربي في سابقة لم يتوقع لها أن تثير كل هذه الضجة. فهل يستطيع الفن التركي أن يزعزع الفن العربي كما زعزع عقول العرب؟ اقتحمت المسلسلات التركية جميع البيوت العربية دون استئذان، فاتحة المجال لهوس من نوع آخر لم تشهده من قبل، فانفردت القنوات التلفزيونية التي تبثها بنسبة مشاهدة عالية لم يسبق لها مثيل على مستوى الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وأصبح مهند، نور ولميس وغيرهم من أبطال هذه المسلسلات الموضوع المفضل لأحاديث النساء وحتى الرجال، دون أن نستثني من ذلك كبار السن والأطفال. أما موعد العرض فأكيد لن يتجرأ أحد من الرجال على طلب شيء من زوجته أو أمه أو أخته، فكل شيء مؤجل إلى حين انتهاء الحلقة. وإن كنا لا ندري السبب الحقيقي وراء هذا التعلق الشديد بهذه المسلسلات، إلا أنه بدا واضحا أن الثقافة التركية كانت مجهولة لدى شريحة واسعة من الناس، الذين انبهروا لما اكتشفوه من معالم تركية كانت مغيبة لسبب أو لآخر، منها خصوصية المجتمع التركي واقترابه الكبير وتقاربه من المجتمعات العربية، وهذا ما ساعد على انتشاره المذهل بالاضافة إلى رغبة المشاهدين في اكتشاف ثقافات وقصص عالمية أخرى، بعد الرتابة والملل والتشابه الكبير الذي أصبح يطبع المسلسلات الأجنبية المدبلجة الأخرى. ------------------------------------------------------------------------ ''نور'' تغير وجهة السياحة العربية ------------------------------------------------------------------------ فتح التعلق والانبهار الكبير بالمسلسلات التركية الباب على مصراعيه لدخول آلاف السياح إلى تركيا، ومن جميع الدول العربية، وتوافد على زيارة هذا البلد الكثير من السواح الذين لم تكن تركيا تدخل ضمن أجندتهم السياحية، إلا أن وقع المسلسلات التركية غير الكثير من الاستراتيجيات. وأدى تركيز المسلسل ''نور'' مثلا في تصوير مشاهده في الأماكن الخارجية واختيار أجمل المناطق السياحية في تركيا إلى تدافع الكثير من السواح على هذا البلد. ولمعرفة مخلفات وتأثير هذه المسلسلات على الجزائريين قمنا بزيارة إحدى الوكالات السياحية بالجزائر العاصمة، وقد أكد لنا السيد عمر موظف بالوكالة أن هذه الأخيرة شهدت إقبالا واسعا من طرف الجزائريين لزيارة تركيا تحديدا، بعد أن كانت الوجهة المفضلة في السنة الماضية تونس. استطاعت تركيا أن تقلب الكفة لصالحها، واستقطبت آلاف الجزائريين وآخرين مازالوا في قائمة الانتظار، ويضيف السيد عمر أن السنة الماضية تم تسجيل 15 طلب للسفر لتركيا للسياحة أما البقية فكانوا تجارا متعودين على السفر لهذا البلد، أما هذه السنة وفي بداية موسم العطل تضاعفت طلبات السفر إلى تركيا وتجاوزت حتى تونس الوجهة المفضلة للجزائريين عادة، ولعل أهم أسباب هذا التحول المفاجئ، ودون مبالغة، هو المسلسلات التركية التي تعرضها القنوات الفضائية والتي ساهمت بشكل كبير في تشجيع الناس للسفر واكتشاف المناظر الطبيعية والمناطق السياحية المميزة التي تم عرضها في المسلسل بطريقة ذكية جدا. أما زميلته السيدة ''مليكة'' فتدخلت قائلة، إنها لم تتوقع يوما أن يتحول مسلسل أو فيلم في انعاش السياحة في بلد إلى هذ الحد. فأكيد أن الصورة قادرة على حمل تعابير ورسائل أبلغ من آلاف الكلمات، إلا أن حدة التأثير بدت واضحة في المسلسلات التركية التي جاءت بالخير الكثير على بلدها، وساهمت في تجميل صورته أكثر فأكثر ببثها مناظر طبيعية خلابة وسط مشاهد المسلسل وتضيف أن الفكرة كانت ممتازة، فقد استطاعت أن تجلب اهتمام المشاهد وترغبه في زيارة هذه الأماكن. والملاحظ أنه تم تصوير المسلسل في كثير من المناطق الاثرية والسياحية التركية عكس ما يحدث عندنا، فالمخرجون عندنا يكتفون بالتصوير الداخلي لأفلامهم ويهملون الجانب الخارجي الذين يساهم في التعريف بالبلد ويدفع لزيارتها كما فعل المخرجون الأتراك. أما المواطنون الذين وجدناهم داخل الوكالة فقد اعتبر أغلبهم أن تركيا بلد جميل، لكنهم أكدوا أن المسلسل قد زاد من رغبتهم في زيارة هذا البلد، يقول ''أمين'' المشكلة ليست في تركيا فلا أحد ينفي أنها بلد جميل ومميز بعاداته وتقاليده ومناظره الخلابة لكن المشكلة أن عرائس هذا الصيف وبعد أن كانت تونس ترضي أغلبهن لقضاء شهر العسل أصبحن يطلبن بزيارة تركيا، شخصيا زوجتي طلبت مني قضاء شهر العسل في تركيا مثل صديقتها حتى ولو كلفها الأمر الاستغناء عن بعض من مهرها، المهم أن تزور تركيا حتى وإن تقلصت مدة شهر العسل إلى أسبوع أو أسبوعين. فزيارة تركيا بالنسبة لها قرار لا رجعة فيه. وهذا حال بعض العرائس المحظوظات. أما بقية الموجودين في الوكالة من الشباب فقد أرجعوا قرار التوجه إلى تركيا بأنه نوع من التغيير بما أن الأسعار متقاربة فلم لا، وعن ما إذا كانت المسلسلات التركية هي السبب في تغيير الوجهة يقول ''سمير'' إنه لم يكن يتابع هذه المسلسلات لكن كثرة الحديث عنها حركت فضوله وجعلته يشاهدها. ويضيف أنه تفاجأ بجاذبية هذه المسلسلات وجاذبية المناطق السياحية التي يتم تمريرها في المسلسل بين الحين والآخر وقرر زيارتها خاصة المناطق الجبلية والأرياف. أما ''نسيم'' فيؤكد أنه زار تركيا من قبل بهدف التجارة أما هذه الصائفة فسيخصصها للسياحة فقط. ويقول إن تركيا بلد يستحق فعلا أن يزار وما تم عرضه في المسلسلات لا يظهر الجمال الحقيقي للمناطق السياحية في تركيا وهو جزء بسيط من العراقة التركية. الجميل أن يوظف الفن لخدمة السياحة بطريقة ذكية تحول المشاهد إلى سائح لكن لا نتمنى أن يتحول البيت الجبلي الذي صورت فيه مشاهد اختطاف بطلة المسلسل ''نور'' إلى مزار للمهووسين بالمسلسلات التركية. تحولت درجة التعلق بالمسلسلات التركية وأبطالها ذوي الوسامة الفائقة والأناقة المميزة إلى تعلق بكل ما هو تركي، فجولة قادتنا إلى المطاعم التركية في الجزائر أو تلك التي تقدم أكلات تركية تفاجأنا بالعدد الكبير من الزبائن رغم أن المطبخ التركي يختلف عن المطبخ الجزائري، إلا أن درجة الاقبال كانت كبيرة، يقول أحد عمال المطعم إنه لطالما شهدت اقبالا كبيرا لكن أؤكد أنه زاد في المدة الأخيرة، والكل يبحث عن شيء يميز تركبا، أما ''الفتوش'' و''الشيش برك'' و''الكبة'' وغيرها من الأكلات التركية فأصبحت أكثر من مطلوبة لدى الجزائريين. وإن كان هذا حال الأكل فإن الطريف أن نهائية ''أورو ''2008 قد شهدت تحيزا كبيرا من قبل الفتيات للمنتخب التركي ورغم النجاح الذي حققه هذا الأخير بوصوله إلى أدوار متقدمة إلا أن المسلسلات التركية قد زادت من مناصري الفريق التركي في الدول العربية إلى حد كبير. ------------------------------------------------------------------------ أسماء أطفال أنترنت وخراب بيوت ------------------------------------------------------------------------ من عادة الجزائريين أن يطلقوا أسماء لأبنائهم على أشهر الشخصيات وفي هذه الصائفة أخذت أسماء مهند، نور ولميس حصة الأسد من أسماء المواليد، وهذا دليل واضح على تغلغل هذه الشخصيات في حياة الجزائريين. أما مواقع النات فلا يكاد يفتح موقع إلا ويصادفك صور لأبطال المسلسلات، وكل موقع يعرض آخر الأخبار وأحدث الصور، وأحيانا تقوم بنقل وعرض حلقات مميزة منه. كما يتيح الموقع لزواره تحميل حلقاته وتبادل أخباره بينهم في محادثات لا تنتهي. لكن المؤسف في كل ذلك أن يتحول الاعجاب بالمسلسل وأبطاله إلى هوس أو مرض مدمر، يسيطر على يوميات متتبعيه، أو يغير حياتهم بشكل جذري. وإذا كانت لم تشهد حوادث خطيرة من جراء هذا المسلسل، إلا أن بعض الدول العربية وصل تأثير المسلسلات لدى بعض أفرادها وتعلقهم بشخصياته إلى درجة عصفت بالحياة الزوجية لكثير منهم، ومنها ما حدث مؤخرا في السعودية حينما طلق رجل زوجته لأنه اكتشف وجود صور لبطل مسلسل ''نور'' ''مهند'' في هاتف زوجته. أما في سوريا فقد انفصل شاب عن خطيبته لأنها اشترطت عليه أن يغير من تسريحة شعره وان يرتدي ملابس تشبه الملابس التي يرتديها البطل في المسلسل، بالاضافة إلى كثير من المشاكل التي أحدثتها ''نور'' بطلة المسلسل، ولعل أهمها تقليد طريقة لباسها والفساتين القصيرة التي سلبت عقول الفتيات وجيوب الرجال. الغريب أن تصل درجة التعلق بهذه المسلسلات وأبطالها إلى هذا الحد، وأن يطغى الحديث عنهم على يوميات الكثير منهم، ويأخذ جانبا هاما من تفكيرهم، فهل هي الرغبة في التغيير فقط؟ وهل سنشهد ميلاد منافسة قوية ومن نوع آخر للمسلسلات العربية؟ خاصة وأن قصص المسلسلات التركبية قريبة من المجتمعات العربية إلى حد ما، بالإضافة إلى رغبة الكثير من المشاهدين في رؤية مسلسلات أخرى في شهر رمضان، وقد تتحول حينها المنافسة من عربية عربية إلى عربية تركية والفائز سيكون الأقوى بكل تأكيد. وفي الأخير أردنا أن نعرف من الفتيات سر تعلقن بالمسلسلات التركية خاصة ''نور'' فكان رد أغلبهن وبدون مقدمات وسامة الممثل ''كيفاتش ثاتفلوغ'' الذي يلعب دور مهند في مسلسل ''نور'' الرومانتية الكبيرة التي تطغى على مشاهد كثيرة في المسلسل، تقول ''خديجة'' إنها سئمت من المسلسلات وقد طلقت مشاهدتها منذ مدة طويلة إلا أن أحداث هذا المسلسل قد أعادتها إلى هوسها القديم والسبب هو وسامة البطل أولا، ثم القصة الجميلة والحبكة الدرامية المميزة التي طبعت المسلسل وساهمت كثيرا في انتشاره. أما صديقتها ''سمية'' فقد أكدت أن المسلسل رائع لدرجة قضى على الروتين الذي أصبحت تشهده مختلف القنوات الفضائية. وتضيف ''سمية'' أن صديقاتها وجارتها جميعهن مولعات بالمسلسل إلى درجة أن الكثير منهن يشاهدنه ويعدن الحلقات مرات عديدة، ويبحثن عن مشاهد أخرى داخل قاعات الانترنت. أما ''كريم'' فقد أكد بعد سماعه لتعليقات الفتيات أن تركيا تحاصرنا من كل جانب في التلفزيون ومختلف وسائل الإعلام وفي الهواتف النقالة والبلوتوث، ولا أدري متى يتوقف الناس عن تقبل والغوص في الثقافات الأخرى دون حساب لعواقب ذلك على مجتمعاتنا العربية، وأطرف شيء يضيف ''كريم'' سمعته عن تأثر الناس بهذه المسلسلات هو طلب تقدمت به عروس بحرينية تدعى نور لتغيير اسم زوجها من علي إلى مهند ولله في خلقه شؤون. ------------------------------------------------------------------------ المسلسلات التركية في الفضائيات العربية وتخاطبهم بلسان شامي ------------------------------------------------------------------------ نور، ورفيف، وإيليف ويلماز وغيرهم هم نجوم الشاشة الفضية بلا منازع هذه الأيام، الأسماء العربية ذات اللكنة التركية أزاحت من طريقها أسماء أبطال المسلسلات الأخرى كأونطونيلا وإيزابيلا وإليخاندرو، ليدخل المشاهد العربي إلى عصر المسلسلات التركية بعد دورة زمنية بدأت بنموذج مصري استغرق سنوات ليتحول عنه الاهتمام إلى النموذج السوري، بعدها تتجه الأنظار إلى النموذج المكسيكي المدبلج كنوع من التغيير والتعرف على جديد لم يلبث أن أصبح مكررا ومملاً وباهتاً، كما يقول النقاد. لكنه على ما يبدو راق كثيرا للجمهور الجزائري الذي أدمن مشاهدة هذه الأفلام وأبطالها الذين أثروا بشكل كبير في الأسر وبات تأثيرها ليس على النساء فقط بل وعلى الرجال أيضا. نور، وسنوات الضياع، وإكليل الورد، وغيرها من المسلسلات التركية التي تمت دبلجتها في سورية وبلكنة سورية، لتعرض على فضائيات عربية شهيرة، وفي ساعات مختلفة ليتمكن أكبر عدد من المشاهدين من متابعتها، استحوذت بشكل سريع على اهتمام شرائح واسعة، لم تقتصر على السيدات فقط، وهي الآن تثير اهتمام المشاهد العربي، بعد أن أخذت حصتها الوافية من المتابعة في أنحاء أوروبا، حيث دبلجت للألمانية والرومانية وغيرها من اللغات الأوروبية، قبل أن تحط رحالها في الفضائيات العربية وبلسان شامي..وتتناول قصص معظم هذه المسلسلات قضايا اجتماعية وإنسانية، تدور في سياق قصص متشابكة وذات حبكة درامية متسارعة تضمن حماسة المشاهد، وعدم تسرب الملل إليه من جهة، وتناقش قضايا من نمط الحب، قيم الأسرة، المجتمع، مشاكل البطالة والفقر، الطمع، وفق رؤية شرقية للأمور، فعلى سبيل المثال، يتحدث مسلسل سنوات الضياع، الذي ينتمي إلى خط الدراما الاجتماعية، عن قصة مجموعة من الناس تتشابك أقدارهم في ضاحية تركية صغيرة، تحركهم الأحداث وتختبر رسوخ قناعاتهم باستخدام أدواتها الأكثر فعالية، المال والمظاهر، بعد أن تتصاعد الأحداث عندما يتعرض أحد أبطال المسلسل إلى حادث سيارة ينجو منه بأعجوبة، ليصل الأبطال إلى قمة الصراع، مدفوعين بأسباب ودوافع مختلفة، لكنها هي جوهر القصص الإنسانية في كل مكان، وهو ما يزيد من نسب مشاهدة المسلسل.