نسعى لإقامة جسور مع النخب الجزائرية بعيدا عن الإيديولوجيا والسياسة تسعى الجمعية التركية العربية إلى بناء جسور مع العالم العربي او بالاحرى ترميم الجسور التي تهدمت بفعل الزمن بالرغم من الروابط التاريخية العميقة بين تركيا والعرب وبين تركيا والجزائر. حاوره: عبد العزيز نصيب تركيا عادت على حياتنا في الأونة الاخيرة عن طريق أردوغان وعن طريق المسلسلات أيضا. النصر التقت رئيس الجمعية العربية التركية وحاورته في عدة قضايا. كيف يمكن للجمعية التركية العربية للعلوم و الثقافة و الفنون ( تاسكا ) أن تساهم في تحقيق المزيد من الحضور الثقافي الجزائري في تركيا ؟ * الجمعية التركية العربية للعلوم و الثقافة و الفنون ( تاسكا ) هي منظمة علمية و ثقافية و هي جسر ثقافي بين العرب و الأتراك لذلك فهي تحرص على تحقيق المزيد من التواصل و التعاون بين النخب العربية و التركية و مختلف هيئاتهم العلمية و الثقافية و الفنية بعيدا عن أية قوالب ايديولوجية أو حسابات سياسية ضيقة، و في هذا الإطار تؤكد الجمعية التركية العربية رغبتها في التعاون مع الهيئات الجزائرية الرسمية و الأهلية بما يساهم في تطوير التعاون الثقافي بين البلدين و الشعبين الصديقين الجزائري و التركي، و يحقّق أيضا المزيد من الحضور الثقافي الايجابي للجزائر في الساحة التركية ، إن العلاقات السياسية بين تركيا و الجزائر متميّزة للغاية و أن هناك إرادة سياسية واضحة للرقي بهذه العلاقات إلى شراكة فاعلة في مختلف المجالات تخدم مصالح البلدين و تساهم في تحقيق الأمن و الاستقرار في المنطقة و يسرّنا في الجمعية التركية العربية أن ندعو النخب في الجزائر أن نعمل معا على الارتقاء بالعلاقات الثقافية و العلمية بين البلدين لترقى إلى مستوى التقدم الكبير الذي تشهده العلاقات السياسية و الاقتصادية، و تعرب الجمعية التركية عن استعدادها للتعاون الهيئات الثقافية و العلمية لتنظيم ( ملتقى تركي جزائري للحوار الثقافي ) يجمع الأكاديميين و الإعلاميين و الأدباء و الشعراء و مختلف النخب من البلدين لمناقشة مستقبل التعاون الثقافي بين تركيا و الجزائر و الجمعية التركية العربية تؤكد استعدادها أيضا لاحتضان أيام للأدب و الشعر الجزائري في الساحة التركية نهدف من خلال هذه التظاهرة الثقافية إلى تسليط الضوء على إبداعات الروائيين والكتاب والشعراء و النقاد الجزائريين والتعريف بالمشهد الثقافي و الأدبي و الفكري الجزائري في الساحة التركية سواء بترجمة أعمالهم المتميزة أو تحقيق التواصل بينهم و نظرائهم الأتراك ، بالاضافة إلى تنظيم المعارض و الفعاليات الفنية الاخرى ، و تبقى ( تاسكا ) على أتم الاستعداد للتعاون مع الهيئات الجزائرية للعمل على إعداد كتاب شامل باللغة التركية عن الجزائر و عن حاضر العلاقات الجزائرية التركية .. * لو تعرّفنا بالجمعية التركيّة العربيّة للعلوم والثّقافة والفنون التي تتولّون رئاستها ، و كيف تقيّمون مستوى التعاون الثقافيّ بين تركيا والعالم العربيّ ؟ الجمعية التركية العربية للعلوم و الثقافة و الفنون ( تاسكا ) هي مبادرة مدنية تركية ذات صفة دولية لتكون جسرا ثقافيا بين العالمين التركي و العربي و محاولة لإزالة الجدران الوهمية و الحواجز النفسية بين العرب و الأتراك العالقة منذ فترة الاستعمار أو الصراعات القومية في الجانبين ، لذلك فالجمعية التركية العربية تعمل من أجل المساهمة في وضع رؤية جديدة للعلاقات التركية العربية تهيّئ الأرضية لشراكة إستراتيجية بين الطرفين بعيدا عن أية قوالب أيديولوجية ، و نحن ندرك في الجمعية التركية العربية بان التقارب الحقيقي بين الشعوب تصنعه الثقافة بمفهومها الشامل قبل السياسة و الاقتصاد ، لذلك نرى بأنّ علاقات التعاون الثقافي بين العالمين التركي و العربي لا تزال متواضعة جدّا و السبب في ذلك أن رجالات العلم و الثقافة و الفنون تخلّوا عن دورهم و رسالتهم و تركوها في يد الحكومات و السياسيين فقط ، نحن نعتقد بأن الحكومات تمهد الطريق من خلال ما توقّعه من اتفاقيات لكن تفعيل تلك الاتفاقيات و تحقيق التعاون الثقافي العربي التركي يبقى مرتبطا بتحرّك النخب التركية و العربية و هيئاتهم المختلفة العلمية و الثقافية و الفنية و المجتمع المدني و الإعلام . جمعيتنا ليس لها أي قالب أيديولوجي و نتجنّب التعاطي المباشر مع السياسة * سميتم الجمعية " الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون" هل تتعمدون بذلك البعد عن الناحية السياسية في الجمعية؟ نعم ، نحن في الجمعية التركية العربية نتجنّب التعاطي المباشر مع السياسة أو أن نكون طرفا فيها ، فجمعيتنا ليس لها أي قالب أيديولوجي و لا نسوّق لأية أيديولوجية عربية أو تركية أو غيرها و لضمان ذلك فإن مجموعة المؤسّسين للجمعية و معظم أعضائها من مدارس فكرية مختلفة : قوميون ، يساريون ، لبراليون ، اسلاميون ، فنّانون ، شعراء ، أكاديميون و إعلاميون ورجال أعمال و شخصيات أخرى ، فالقناعات الايديولوجية و السياسية تبقى في نظرنا مسألة شخصية لأعضائنا و لا تلزم الجمعية بأي شكل من الأشكال . نحن نعتقد بأن مجالات العلوم و الثقافة و الفنون لا يجب أن تسيّس و لكنها بكلّ تأكيد ليست منفصلة عن الحياة السياسية لأن ما نقوم به هو جزء لا يتجزّأ من الحركة الثقافية و الفكرية لكنّنا نحاول أن نجنّب نشاطنا القوالب الأيديولوجية حتّى يكون رحبا و يخاطب الجميع دون استثناء ، و هذه الرؤية لجمعيتنا تكسبنا كل يوم المزيد من الأصدقاء العرب و الأتراك لأننا منفتحون على جميع الأطياف في إطار يحترم الخصوصيات الثقافية . القطيعة التي فرضت بين العرب و الأتراك هي ثقافية بالدرجة الأولى * هل بإمكان الشأن الثقافيّ أن يردم الهوّة بين تركيا والعالم العربي و الإسلامي ؟ التقارب بين العرب و الأتراك مدخل للتفاهم و حلّ جميع القضايا العالقة مهما كانت شائكة ، فما كان ينقص العرب و الأتراك هو الحوار ، و برغم أن العلاقات التركية العربية تشهد اليوم تقدّما نوعيا إلاّ أنّ هذا التطوّر بقي في خانة السياسي و الاقتصادي فقط و لم يتجه بعد نحو مجالات العلوم و الثقافة و الإعلام و المجتمع المدني ، و لاشكّ أن الاهتمام بهذه المجالات سيحقّق التقارب الفعلي بين الشعوب العربية و التركية و هي مسؤولية النخب و الهيئات المدنية العربية و التركية ، والجمعية التركية العربية للعلوم و الثقافة و الفنون باعتبارها جسر ثقافي بين العرب و الأتراك قد وضعت منذ تأسيسها رؤية واضحة لعملها تهدف لتعريف الطرف التركي بالثقافة العربية بمفهومها الشامل و كذلك تعريف الطرف العربي بالثقافة التركية ، و الجمعية التركية العربية تدرك جسامة هذه المسؤولية و تتعامل معها بوعي كامل لقناعتها بأنه مشروع حضاري يهدف إلى لمّ شمل العرب و الأتراك على أرضية واحدة بعد قطيعة فرضت على الطرفين ليست على المستويين السياسي و الاقتصادي فقط بل شملت كذلك الثقافة و الفنون و العلوم و كل قطاعات المجتمع المدني و الإعلام . تنشيط حركة الترجمة من اللغتين العربية و التركية ضرورة ملحّة * تقومون بمشروعات تعاون لترجمة كتب من العربية إلى التركية والعكس ونشرها ، هل يمكن أن يحقق هذا الأمر تواصلا حقيقيا بين العرب والأتراك ؟ بناء جسور التواصل بين الثقافتين العربية و التركية يستوجب انطلاقة واعية لتنشيط حركة الترجمة على مستويات عدة و في مختلف المجالات حيث أن معظم ما ترجم من اللغة العربية إلى التركية حتى الآن هي كتب ذات طابع ديني بالدرجة الأولى ، و ما تحتاجه الساحة التركية هو العمل على ترجمة إبداعات المفكرين العرب و أدبائهم و علمائهم إلى اللغة التركية حتى نسهّل على الباحثين الأتراك عملية الاطلاع على حركة الفكر و الثقافة في البلاد العربية و نجنّبهم اللجوء إلى المصادر الغربية عن البلدان العربية و التي في الغالب لا تكون أمينة في نقل صورة العرب و ثقافتهم ، و كذلك الشأن بالنسبة لتنشيط حركة الترجمة من اللغة التركية إلى العربية ليتعرّف الإنسان العربي على عمق الثقافة التركية ، و بالتالي نساهم في تحقيق التواصل الثقافي و الفكري بين النخب التركية و العربية .. تاسكا تتبنّى مشروعا طموحا لإعداد قاعدة بيانات عن البلدان العربية باللغة التركية * هل هناك تجاوب من المؤسسات العربية و التركية مع مشروع جمعيتكم لتنشيط حركة الترجمة من اللغتين العربية و التركية ؟ تصلنا عروض كثيرة من الكتّاب الأتراك و العرب لترجمة إنتاجاتهم الفكرية و الثقافية و الأدبية و غيرها ، لكنّ ما نحتاجه في هذه المرحلة هو المبادرة من قبل الهيئات و المؤسسات الحكومية و الأهلية و الشخصيات المعنية بالفكر و الثقافة و الترجمة لتبنّي مشروع الترجمة أو أقسام منه وفق اهتمامات كلّ طرف ، لأن تنشيط حركة الترجمة يحتاج إلى عمليات تمويلية و متابعات مع المترجمين المحترفين و دور النشر المختصة و المؤلفين و غيرهم ، لذلك نحن نؤكّد في الجمعية التركية العربية استعدادنا الكامل للتعاون مع أية شخصية أو هيئة حكومية أو أهلية ترغب في التعاون معنا لانجاز مشروع ترجمة لأي إنتاج فكري أو ثقافي أو أدبي له علاقة مباشرة بالثقافتين العربية أو التركية . و نودّ الإشارة هنا إلى أن الجمعية التركية العربية تطرح اليوم مشروعا طموحا لإعداد قاعدة بيانات عن البلدان العربية باللغة التركية حيث أن جميع البلدان العربية محتاجة إلى ترجمة مجموعة من الكتب إلى اللغة التركية تعرّف بكلّ بلد و تاريخه الحديث و شخصياته الوطنية و إمكاناته الاقتصادية و خصائصه الثقافية لأن معظم الكتب الموجودة في المكتبات التركية عن البلاد العربية يعود تاريخها إلى حقبة الدولة العثمانية أو ما قبلها ممّا يدفع الباحثين الأتراك إلى اللّجوء إلى مصادر غربية لا تعكس الصورة الحقيقية للبلاد العربية .. نعمل على تسجيل حضور أكبر للغة العربية في الساحة التركية * تحدثتم عن مشروع لنشر اللغة العربية في تركيا، هل هناك إقبال حقيقي على اللغة العربية في تركيا؟ نعم أعلنت الجمعية التركية العربية للعلوم و الثقافة و الفنون عن مشروع طموح يهدف لنشر اللّغة و الثقافة العربية في تركيا حيث أن هذا المشروع الحضاري و ذو الأبعاد الإستراتيجية يسعى إلى تسجيل حضور إيجابي و فاعل للغة و الثقافة العربية في الساحة التركية نظرا للإقبال الكبير من قبل مختلف الأوساط الرسمية و الشعبية في تركيا على تعلّم اللغة العربية ، و يأتي مشروع نشر اللغة العربية لدعم توجّه المؤسسات الرسمية و الشعبية في تركيا و انفتاحهم على اللّغة و الثقافة العربية ودعم مؤسسات تعليم اللّغة العربية في تركيا من خلال توفير المناهج و الأساليب المتطورة للتدريس اللغة لغير الناطقين بها ، و إقامة الدورات الخاصة للمدرّسين الأتراك لاسيما العاملين في أقسام اللغة العربية في الجامعات التركية و معاهد الأئمة و الخطباء و المدارس الثانوية، ودعم الدورات الشعبية للّغة العربية التي تشرف عليها الجمعية التركية العربية ومختلف الأوقاف والهيئات في أنحاء تركيا ، و نشير هنا إلى أنّه يوجد ما يزيد عن 25 قسما للغة العربية في الجامعات التركية ، قمنا بزيارة بعضها للاطّلاع على أوضاع هذه الأقسام فوجدناها للأسف تعيش حالة من اليتم بسبب إهمال العرب للغتهم و عدم السعي لدعم هذه الأقسام التي تتولّى تخريج أساتذة اللغة العربية في تركيا ، و قد اشتكى معظم الأساتذة العاملين في أقسام اللغة العربية في الجامعات التركية من عدم اهتمام البلدان العربية بدعم اللغة العربية في تركيا و عبّروا عن أسفهم لعدم تواصل الجامعات العربية بهم لاسيما الكلّيات و المعاهد و الهيئات المعنية باللغة العربية المنتشرة في أنحاء العالم العربي ، لذلك تدعو الجمعية التركية العربية أصحاب الغيرة على اللغة العربية من هيئات حكومية و أهلية و شخصيات علمية إلى التعاون معنا من أجل إعادة الاعتبار للغة العربية في الساحة التركية نطمح لاقامة وقف للغة العربية في تركيا * و ماذا عن الآليات التي تعرضها جمعيتكم لنشر اللغة العربية في تركيا ؟ تنفيذ هذا المشروع يأتي عبر أدوات متعدّدة منها تنظيم دورات خاصّة و مكثّفة لمدّرسي اللغة العربية من الأتراك في البلدان العربية ( المراحل الثانوية و الجامعية ) وتنظيم دورات في اللّغة العربية للأئمة و الخطباء الأتراك في البلدان العربية وكذلك إرسال مدرّسين عرب متخصّصين لتدريس اللغة العربية في المؤسسات التعليمية التركية للمراحل الثانوية و الجامعية ، و من الضروري العمل على توفير المنح الدراسية للطلاّب الأتراك لدراسة اللغة و الآداب العربية و إتاحة الفرصة لهم للدراسات العليا في الجامعات العربية ، وتنظيم مخيّمات صيفية لتعليم اللغة العربية للشباب الأتراك داخل تركيا و خارجها وتبنّي دورات اللّغة العربية في تركيا و اعتماد شهادات لها من قبل الجامعات و المعاهد العربية المتخصّصة ، و لعلّ من أهمّ الآليات التي تطرحها الجمعية التركية العربية لنشر اللغة و الثقافة العربية في الساحة التركية هو ضرورة العمل على تأسيس وقف للغة العربية في تركيا يساهم في دعم اللغة العربية و مؤسساتها و يهيّئ الأرضية لإقامة أكاديمية للّغة و الثقافة العربية في العاصمة التركية أنقرة لتكون صرحا علميا و أكاديميا و ثقافيا يعزّز حضور اللغة و الثقافة و الفنون العربية في الساحة التركية ، و في هذا الإطار تؤكّد الجمعية التركية العربية استعدادها الكامل للتعاون مع أيّة جهة حكومية أو أهلية أو شخصية عربية ترغب المساهمة في مشروع التمكين للغة و الثقافة العربية في تركيا . محتوى المسلسلات التركية مثار جدل بين الأتراك * في الفترة الأخيرة انتشرت الدراما التركية في العالم العربي بشكل كبير وحازت على نسبة مشاهدة عالية جدا، بماذا تفسر ذلك ؟ وهل هو نوع من التواصل الثقافي أيضا بين العرب وتركيا؟ من المهم التوضيح أن المحتوى العام الذي تعرضه معظم المسلسلات التركية في الفضائيات العربية هو مثار جدل في الساحة التركية لأن ما يعرض في الغالب يعكس حالات فردية لا ترتبط بالتركيبة الثقافية أو السلوك الاجتماعي العام للمجتمع التركي ، و لاشكّ أن العوامل التجارية و أولويات الربح المادي قد تكون وراء البحث عن هذه النوعية من المسلسلات ، برغم أن تركيا تزخر بمسلسلات و أفلام أخرى يشيد أهل الاختصاص برقيّ مضمونها و بنائها الفنّي ، لكنّ اهتمام المشاهد العربي بما يعرض من مسلسلات تركية يعكس شغف الإنسان العربي للتعرّف عن تركيا ، و في تقديري يمكن للمنتجين الأتراك استثمار هذا الإقبال العربي على المسلسلات التركية لإنتاج أعمال درامية تكون أقرب إلى واقع عموم الأتراك و تعكس العمق الثقافي و الاجتماعي للإنسان التركي ، المسلسلات التركية و العربية و دورها في تنمية الحوار الثقافي العربي التركي و نلفت نظر شركات الانتاج التلفزيوني و السينمائي العربي إلى أهمية السوق التركي فيوجد العشرات من الفضائيات التركية يمكنها أن تستقطب العديد من المسلسلات العربية و الأفلام الوثائقية أو أي انتاج سينمائي عربي ليحقّق حدّ أدنى من التوازن مع الانتشار الذي تشهده المسلسلات التركية في الفضائيات العربية ، و في حال تحقق هذا الأمر سيكون مساهمة مباشرة في الحوار الثقافي العربي التركي ..