ما عادت روسيا راغبة ببقاء إيران في سوريا، وهي تعد الخطط اللازمة لطردها نهائيا رفقة ميليشياتها الطائفية المسلحة، بعدما أصبحت عبئا ثقيلا يزاحم نفوذ موسكو التي دفعت الكثير من اجل الحفاظ عليه. غضت روسيا النظر عن الهجمات الإسرائيلية التي تدمر المواقع الإيرانية المنتصبة في الأراضي السورية في سلسلة متلاحقة، حتى بدا الأمر وكأنها تنفيذ لاتفاق روسي – إسرائيلي، يحقق الهدف المزدوج للطرفين. إيران التي اشتغلت آلتها الإعلامية على توعد "إسرائيل" بالدمار الشامل، اكتفت باحصاء خسائرها اليومية في سوريا، وهي الأضعف من الرد على هجمات شلت قدراتها العسكرية، ودفنت قواتها تحت الركام، لا خيار لها سوى تلقي الضربات القاصمة والتزام الصمت الذي يكشف عن ضعف قدراتها الإستراتيجية دفاعا عن وجودها غير المرغوب فيه . النظام السوري نفسه، لم يعد قادرا على ضمان بقاء القوات الإيرانية في أراضيه، أمام رغبة الحليف الروسي القوي المتنفذ، وبدأ فعلا باتخاذ إجراءات سحب البساط من تحت أقدام حلفاء طهران المقربين في إدارة السلطة الحاكمة. واشتعال الأزمة المفاجئة بين رجل الإعمال السوري رامي مخلوف "ابن خال الرئيس بشار الأسد" والنظام الحاكم هو إنعكاس للصراع الروسي –الإيراني في سوريا. يعد رامي مخلوف حليفا لإيران، وانشأ لنفسه ميليشسات مسلحة أطلق عليها اسم "قوات النمر" تضم 24 وحدة قتالية، كانت تلتقي في مهامها مع مهام الميليشيات الإيرانية التي يشرف عليها "الحرس الثوري" وكادت تكون جيشا موازيا للجيش النظامي، قبل أن تحيدها القوات الروسية وتدمجها بالجيش السوري . خطوة توحيد القوات المسلحة، ووضعها تحت سيطرة النظام الحاكم، كان إحدى الخطط الروسية الهادفة للسيطرة على الجيش السوري والإشراف عليه، وإضعاف الوجود الإيراني الذي تمدد عبر الميليشيات المسلحة التي تعد جيشا موازيا للجيش الوطني. أدركت روسيا وأدرك معها النظام السوري، أن مرحلة الإعمار التي تنطلق بعد لملمة أوزار الحرب، لن تجد إقبالا على الاستثمار فيها مادامت إيران وميليشياتها الخاضعة لعقوبات دولية باقية في سوريا، الخطط الروسية المستحدثة في سوريا، ستفرض تغيرات جذرية، في الخارطة السياسية – العسكرية، تعد استعدادا لمرحلة ما بعد الحرب الأهلية التي نشبت قبل تسع سنوات، وتهيئ الأرض لنفوذ روسي مطلق لا يشاركها فيه احد . بوادر الضغط الروسي لإضعاف النظام السوري، تجسد في تفجير الخلاف العائلي بين بشار الأسد ورامي مخلوف باعتباره رمزا من رموز الفساد الذي يرعاه النظام الحاكم لشعب 80 بالمائة منه واقع تحت خط الفقر . مجريات تطور الأحداث في سوريا، دعت "إسرائيل" لتقديم قراءتها الدقيقة لما ستتمخض عنه تلك الأحداث وكأنها ضبطت السيناريوهات المحتلة لمرحلة جديدة، بدت قريبة في سياقها الزمني. ترى "إسرائيل " في تسريبات إعلامية، أن روسيا لن تكتف بالتخلص من النفوذ الإيراني في سوريا، فهي تعد للتخلص من نظام بشار الأسد، ووضع نظام بديل له تحت رعايتها، يزيح كل العوائق لضمان كسب اعتراف دولي ودعم مالي استثماري لإعادة الإعمار يعزز نفوذها الأبدي في شرق المتوسط.