بقلم: عمر الرّداد بالرغم من تنفيذ الضربة العسكرية لسوريا، إلا أن تفاصيلها من حيث توقيتها، أتاحت لروسيا وللجيش السوري ومعه المليشيات الإيرانية الاستعداد للضربة من كافة الجوانب، والأهداف التي شملتها، وتركيزها فقط على تدمير مراكز البحوث العلمية لإعاقة قدرة سوريا على إنتاج الأسلحة الكيماوية واستخدامها، وعدم استهدافها لأي هدف إيراني أو لحزب الله، بالإضافة لرد الفعل الروسي عليها، والذي اقتصر على رد إعلامي، وإحاطة كافة أطراف الصراع في سوريا علما بموعدها وأهدافها وحدودها، كلها أسباب تؤكد أن الضربة تمت في إطار صفقة بين أمريكاوروسيا، عنوانها خروج كافة أطراف الصراع ب" انتصار" بعد الضربة. فمع الضربة، خرج النظام السوري بصيغة المنتصر، وأن الضربة لم تقصم ظهره، وأنه تمكن من الصمود أمام "الغطرسة الغربية" بما في ذلك التصدي للصواريخ الأمريكية "الذكية" فيما لم يتعرض التواجد الإيراني "من مليشيات وحرس ثوري وقواعد عسكرية " لأي استهداف، وظهرت "حكمة" روسيا، بالامتناع عن ممارسة رد فعل انفعالي على الضربة، والتركيز على قدرة سوريا "بأسلحة روسية "على مواجهة الصواريخ "الذكية"، وهو ما يعني روسيا كثيرا في هذه المرحلة، مع وجود "صفقات" لبيع منظومات صواريخ "اس 400" لعدد من دول المنطقة، بما فيها السعودية، تركيا، إضافة لمصر وسورياوإيران. ومن جانبها، أرسلت أمريكا رسالة بانتصار صواريخها والوصول إلى أهدافها والتزامها بالقانون الدولي وقدرتها الفائقة على ضرب خصومها، وأن روسيا ليست "دولة عظمى"، ولا تستطيع أن تنفرد بالملف السوري وتديره لوحدها، خاصة بعد ذهاب الرئيس بعيدا في "تقزيم" الدور الأمريكي في الملف السوري، وخاصة في مؤتمرات سوتشي وإستانا، ثم القمة التي عقدت في أنقرة مؤخرا، برئاسة روسية، ومشاركة كل من إيرانوتركيا، والتي ركزت على رفض التوجهات والخطط الأمريكية في سوريا بغطاء مكافحة الإرهاب. ورغم تقديرات تشير إلى أنه ربما كانت الصفقة سوريا مقابل القرم أو مناطق تشكل أزمات لروسيا، إلا أن الأرجح أنها بقيت بحدود القضية السورية وتباعتها في الفضائيين الوطني والإقليمي، خاصة وأن اللحظة التي أسهمت في "حلحلة" هذه الأزمة، ربما تنحصر بالاتصال الهاتفي الذي تم بين الرئيس الروسي بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو"، والمرجح أنه تم خلال هذا الاتصال وضع الخطوط العريضة لملامح الضربة وحدودها وأهدافها، بما في ذلك تحييد القواعد الروسية والتواجد الإيراني من الاستهداف، وهو ما شكل مخرجا لكافة الأطراف من هذه الأزمة. هناك الكثير من الأدلة التي تؤيد إمكانية عقد صفقة روسية أمريكية، أبرزها أن حقيقة الخلافات بين أمريكاوروسيا تجاه القضية السورية تبدو محدودة، فكلا القوتين تقوم استراتيجتهما على إنتاج سوريا جديدة، ترى روسيا أنها يجب أن تكون منطقة نفوذ لها، أو في جزء منها وتأخذ حصتها، على ضوء نتائج الربيع العربى وخروجها بخفي حنين منه، بالتزامن مع بروز مؤشرات على إعادة القطبية الدولية، فيما أصبح واضحا أن أمريكا (رغم غموض إستراتيجيها) تتطلع لسوريا جديدة، تستكمل وديعة "رابين" التي تم إنجازها بين سوريا " حافظ الأسد "ورابين في أمريكا عام 2001، وأن الخيار الأنسب بقاء الرئيس بشار الأسد، لكن المطلوب بمضمون وخطاب جديدين. ويبدو أن سبع سنوات عجاف في سوريا، هيأت الظروف للبدء بقطف ثمار إعادة إنتاج سوريا جديدة، حيث تقف على أبواب مغادرة الممانعة العربية والإسلامية، رسميا وشعبيا، فالتهليل للضربة الأمريكية من قبل أوساط سورية، وحالة الذعر والارتباك التي عاشتها القيادة السورية تؤكد تلك الحقيقة، وأن سوريا لم تعد كما كانت قبل 2011، فيما ستكون الرهانات حول خيارات القيادة السورية، والمساحة المتاحة لها للرفض والاعتراض على توجيهات القيادة الروسية، والموقف الإيراني تجاه ذلك، وهو ما سيعجل بوصول الرئيس بشار للمرحلة التي سيكون فيها أمام خيارات صعبة بين الانحياز إلى روسيا أو إيران، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القيادات الأمنية والعسكرية والسياسة السورية، تشهد "تنازعا "في الولاء بين إيرانوروسيا، وعلى الأرجح فإن الانحيازات لروسيا هي الأوسع، خاصة وأن الضربة أكدت أن روسيا حليف يمكن الاعتماد عليه، فيما كانت مخاوف إيران وحزب الله هي ذاتها مخاوف القيادة السورية. " الصفقة" أو التفاهم الأمريكي الروسي، ستظهر ترجماتها على الأرض السورية قريبا،ربما تبدا بلجنة دولية للتحقيق في كيماوي دوما، من دون اعتراضات وعراقيل روسية، ولا يستبعد أن يتم تحميل مسؤوليتها لإيران وأوساط من القيادة السورية، ليس بالضرورة أن يكون الرئيس الأسد أحد أقطابها، فمرحلة ما بعد الضربة تتطلب متابعة "مجهرية" للقرارات والتوجهات التي ستصدر من القيادة الروسية، بما فيها تطورات الجبهة الجنوبية، واحتمالات شن قوات النظام السوري عملية واسعة بدعم من الحرس الثوري الإيراني ومليشيات حزب الله اللبناني، إضافة لتطورات المعارك في ريف حلب ومناطق إدلب، ورد الفعل الروسي والإيراني على التأييد التركي للضربة، ومستقبل "تفاهمات" تركيا مع روسياوإيران. وعلى الصعيد السياسي، فالأرجح أن يتم تجميد نافذتي سوتشي وأستانا، والتركيز على استكمال مسار جنيف،بما يضمن دورا أمريكيا وأمميا فاعلا في المسار السياسي. كاتب وباحث بالأمن الاستراتيجي [email protected]