اختار منظمو الحفل الافتتاحي للطبعة التاسعة والعشرين، الذي رفع ستاره أمين عام وزارة الاتصال والثقافة، تقديمه في شكل بديع فكان لهم ذلك بعدما استعملت لعبة الأضواء والألوان بكثافة حد الإبهار والمتعة بإلقاء آلاف الوريقات المضاءة وباستعمال الألعاب النارية لأول مرة أضيء فيها الركح الروماني العتيق، وسط صيحات وهتافات الجماهير الغفيرة المتماوجة مع طلقات بارود فرقتي "إيزلماطن" و"الفنطازيا" وتألقت الفتاة الصغيرة "فريال امغشوش" بحركاتها وطلقاتها للبارود. وقدمت الأركسترا الفلارمونية الأوراسية لوحات تراثية راقية مزجت بين الطابع الكلاسيكي والأغنية الأوراسية بصوت حمودي عمارة الذي كان يخلفه راوي قرأ مقاطع من إلياذة الجزائر بقوة وتحكم، وفيما كان الجميع يتنبأ بسهرة قوية حدث ما لم يكن في الحسبان، انقطع الكهرباء وساد الظلام وسط صفير الجماهير التي اضطرت إلى إضاءة أجهزتها النقالة، في حين هرع المسؤولون يتفقدون مصدر العطب الذي استمر حوالي عشر دقائق توقف فيها الحفل الافتتاحي مثلما تتوقف أية مباراة. وفيما وفرت سيارات الشرطة المزودة بكشافات عملاقة المسرح الأثري وما جاوره وعقب إصلاح العطب الناجم في إحدى مولدات الكهرباء بسبب الضغط العالي، ما اضطر القائمين إلى إطفاء بعض الأعمدة، عادت الأجواء الحماسية بدخول فرقة الرفاعة للرحابة التي أرقصت الحاضرين بمن فيهم وفد من السياح الإسبان، ليتوالى العرض بدخول "الحاج كاتشو" الذي قدم أغنيته "السياسية" المستوحاة من العهدة الثانية لرئيس الجمهورية بواسطة "البلاي باك" قبيل انصرافه وسط تساؤلات عديدة حول اكتفاء الحاج كاتشو بأغنية وحيدة، لتتلوه كل من الشابة يمينة وكريمة يحياوي "آسا نزها" بوصلات غنائية مألوفة، وفيما ترك الشاب أنور انطباعا حسنا عقب تأدية أغانيه الشهيرة وفقرات مغربية كان الشاب خلاص سيئا للغاية بعدما حول الركح إلى قاعة "تبراح" في خاطر الجزائر والجمهور الحاضر، وبدا أنه يقدم كلاما مجردا من أي أداء فني علاوة على تحركه غير المدروس فوق الخشبة بل إنه قال "وهذي عشر سنين بوتفليقة ما شفتوه" وردد اسم "ساركوزي" خلال تقديمة أغنية "كوارطي ما خدموش". الشاب محمد الأمين الذي أثار زوبعة داخل الخيمة بسبب "غياب قارورة ماء" قدم وصلات معروفة كانت قوية صوتا لكنها جاءت في الوقت بدل الضائع بعدما بدأت العائلات تغادر في الواحدة والنصف ليلا، في ليلة كان يمكن أن تكون مميزة لولا انقطاع الكهرباء الذي تكرر مرة أخرى عندما قدمت فرقة الرفاعة للرحابة وصلاتها وسط غضب الجمهور والمسؤولين بسبب عدم جدية واحترافية بعض القيمين على توفير الضوء والكهرباء لا الظلام في حفل افتتاحي المهرجان الدولي؟ وكانت الليلة الثانية تميزت بحضور الفنانة التونسية والعربية المتألقة "نبيهة كراولي" المشهورة بأغاني "طريق السلامة" "شفتك مرة متعدية" و"مبروكة تتبرى" حيث قدمت أغنيتها الأخيرة "متشوقة"، إضافة إلى أغانيها المعروفة والشجية بصوت قوي واضطرت إلى التوقف لحظات لتعديل الصوت تقنيا بعدما أحست أن صوتها يضيع في الفضاء دون أن يصل كما ينبغي للجماهير، وفاجأت الحضور بتقديمها أغان جزائرية لرابح درياسة على غرار "نجمة قطبية" و"الممرضة" وأغنية المناعي الشهيرة "والله يا غنية" بتوزيعات جديدة مطعمة بآلة القصبة، ما خلق حالة تجاوب مع الجماهير بعد فترة ركود بسبب تقديم وصلات ثقيلة لجمهور شبابي حاضر بقوة لكن تفاعله لم ينقطع مع حسان دادي وفرقة العيساوة. كواليس: أسرار حظر تجوال الإعلاميين؟ بخلاف الليلة الأولى، منع الصحفيون من الدخول إلى الخيمة الكبرى مركز استراحة الفنانين والموسيقيين بقرار فرض حضر التجوال قبل صعود الفنانين، مصادرنا أشارت إلى أن قرار المنع جاء بطلب من بعض الفنانين الجزائريين الذين انزعجوا من تواجد الصحفيين بكثافة، غير العادي أن الازعاج تمثل في شعور بعض المطربين بالحرج من رجال الإعلام أثناء تناول "المنشطات الروحية" بدليل أن المنظمين بذلوا جهودا لإبلاغ بعضهم عن موعد الالتحاق بالركح وعثروا عليهم بين الآثار لتناول المنشطات الروحية.. ما يفسر طبعا أن بعضهم يقول أي كلام وأي تبراح في الركح. حوار صحراوي مغربي مباشر؟ إلى جانب الصحفيين الجزائريين، لوحظ تواجد صحفي صحراوي من الصحراء الغربية مكلف بالتغطية إلى جانب صحفي عراقي يعمل لحساب جريدة جزائرية تصدر بوسط البلاد، هذا في غياب القنوات العربية التي نقلت أجواء الافتتاح السنة الماضية، السؤال الكبير هل نشهد مفاوضات تيمقادية مباشرة بين الإعلامي الصحراوي الذي ينقل أيضا لإذاعة العيون المشوش عليها من طرف المغرب وبين المطرب المغربي جدوان المبرمج في سهرة قادمة؟ الشاب "خْلاص" أو الشاب "خَلاص"؟ يبدو أن الشاب خَلاص "خْلَصْ" وانتهى بدليل أنه لم يعد يغني بل يلقي أغانيه على الملأ وسط ضغط على بعض الكلمات بطريقة ناشزة جدا، وترديده لعبارات موغلة في الدارجة دون جمالية فنية أو ذوقية خالصة، بل أن تحركه فوق الخشبة أصبح مثل تحركات لاعبي رياضة الكاتش ومثل العدو فوق الخشبة في انتظار التحليق. خلاص الذي بدا مشواره بقوة، في حاجة إلى وقفة وعي ليكتشف ما يفعل بنفسه وجمهوره، يحدث هذا في غياب نقاد فنيين حفاظا على سمعة المهرجانات التي تحولت إلى قاعة أعراس وملاهي. انزعاج رسمي من هفوات التنظيم أبدت السلطات الرسمية انزعاجها الشديد من الهفوات المتكررة مثل حادثة انقطاع التيار الكهربائي، ولم يتردد هؤلاء في إطلاق النار على المكلفين والمسؤولين على توفير الإنارة، وطالب بعضهم بضرورة تواجد العمال في أماكنهم تفاديا لهاته السقطات البسيطة والمكلفة، لكن في غياب إجراءات عقابية صارمة وكثرة "الشيفان" بلا فائدة، وجب التفكير في إطار تنظيمي كفؤ يتعاطى مع الغير من موقع احترافية عالية لأن "كمشة نحل خير من شواري ذبان" كما يقول المثل. بعد انقطاع الكهرباء.. مشكلة طارئة في دورة المياه؟ تأخر حفل الفنانة التونسية والعربية الكبيرة نبيهة كراولي بعض الوقت بفعل فاعل، بعدما اتضح أن دورة المياه المتواجدة بغرفة "لوج" الفنانين متسخة وتنبعث منها روائح لا علاقة لها بالعطر والفن. هذه الحادثة المؤسفة تؤكد مرة أخرى أن كثرة العمال والمنظمين وحملة "الشارات" البادج وأجهزة الطالكي والكي هم كثيرون لكن دون فائدة، حتى في توفير أبسط الضرورات حتى لو كانت تنظيف دورة المياه، وهو سلوك عادي حتى لا نقول حضاريا. الغريب في الأمر أن المشكلة أخذت أبعادا غير محمودة بعدما أصبحت مثل هذه القضايا التافهة مشكلات تتطلب تدخل المسؤولين، في ظل غياب العمال المكلفين، ناهيك عن الصورة الوسخة التي نقدمها للضيوف مفترض أنهم في مهرجان دولي، وبقيت المشكلة معلقة لبعض الوقت بعدما غاب العمال والمنظفين وحتى "قارورات الماء" وتعكس هذه المشكلات التافهة مثل مشكلة انقطاع الكهرباء أن البعض لا لزوم لهم في هذا المهرجان، ما يتطلب إجراءات صارمة وتحديد للمسؤوليات.. قبل فوات الأوان! ح.عمار/ طاهر .ح