أشرقت شمس الطبعة الرابعة لمهرجان جميلة بداية من سهرة الأربعاء بطبق جزائري لبناني أعاد الى أذهان الحضور جميلة بعلبك 2006 لكن شتان بين تلك الطبعة التي كانت سبب بروز جميلة كمهرجان عربي وهذه الطبعة التي لم تكلف فيها وزارة الثقافة عناء تعيين مكلف لتمثيلها سهرة الافتتاح وحتى محافظة المهرجان لم تكن حاضرة لأسباب تبقى مجهولة. ليتحول هذا العرس العربي الى أقل من احتفالية محلية حفظ لها والي ولاية سطيف والديوان الوطني للثقافة والاعلام وفرقة كركلا اللبنانية ماء الوجه وتساءل الكثير عن غياب الأقطاب المهمة في المهرجان رغم أنه تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية وقد تميزت الليلة الافتتاحية للمهرجان بحضور محتشم للمواطنين على الرغم من اقرار مجانية الدخول بالنسبة للعائلات وقد أرجع البعض سبب ذلك الى ضعف الدعاية للمهرجان وتأخر الاعلان عن البرنامج الكامل لليالي جميلة الجميلة فكان الافتتاح بطابع فلكلوري سطايفي زرع بركح كويكل الأثري تراث المنطقة المعروفة بثرائها من رقص وموسيقى واستعراض لبعض الايحاءات عن العادات والتقاليد ركز فيها ديوان عامر لحرار على جانب الأعراس والأفراح وما يتخللها من صور لعرض أهم الألبسة التقليدية قبل أن تضيئ من فوق الركح القادمة من '' اسويرة'' العروس فرقة كركلا التي سافرت بالحضور الى عمق التاريخ الغابر من خلال عمل فرسان القمر الذي يعد من أضخم ما انتجته الفرقة برئاسة عبد الحليم كركلا الذي اعتمد كعادته في بناء عروضه على حلقات حكاية كتبها الشاعر طلال حيدر. وهي تبدو غاية في البداعة وتخلت عن عامل الارتجالية والافتعال في كتابة نصها فكان المسرح الروماني لجميلة اطار مكاني مؤقت لحكاية ملك وولديه الأميرين وغجرية متهمة باغواء أحد الأميرين قبا أن يمرض ويختفي ليصدر في حقها حكم الاعدام والحرق ثم تأتي ابنتها سمر الليل لتنتقم لها... ومن جهة أخرى تقوم قصة حب بين نور التي شخصت دورها الممثلة هدى حداد والأمير ايلي شويري والفارس سيمون عبيد ويظهر في الختام أن الأمير والفارس المتنافسين على حب نور شقيقان، وتنتهي الحكاية نهاية سعيدة لتعود العلاقة بين القبيلتين المتصارعتين بفعل حب نور الى ما كانت عليه قبل وفاة الساحرة المتهمة باغتيال أحد الأميرين وقد اجتمع في حكاية فرسان القمر صراعات عديدة بين الخير والشر وكذا بين الصحراء والساحل اضافة الى صراع الأقدار والآلهة حسب معتقدات ذاك العصر وروعة المسرحية لم تكتفي بعرض شخصيات الحكاية فحسب بل زادها الطابع الراقض والغنائي الحافل بالألوان والملابس البديعة التي وحدها كركلا و جعلها أجساداً فوق أجساد الراقصين فالملابس والأزياء المصممة بجمالية لا يشاءها كركلا بمثابة «ستار» يخفي حركة الراقصين، بل امتداداً لتلك الحركة وتلك الأجساد بمداها البصري وألوانها الزاهية التي تضفي مساحة جمالية على العرض، مثلها مثل الأضواء الباهرة بعد تداخلها بعضا ببعض لتشكل لوحات متعاقبة لا تعرف التكرار ولا ثقل في العرض وكم بدت الجدارية المتحركة التي احتلت خلفية العرض الراقص بديعة لما مثلت صور وأبعاد شكلت السينوغرافيا الافتراضية التي تمنح مدى شاسعاً للمسرح وعليها تجسدت الصحراء بكثبانها ورمالها حيناً وبالقمر والسماء حيناً آخر وكذلك بالبحر والمراكب. وكم بدت رائعة لوحة صيادي اللؤلؤ والبحارة وقد تداخلت فيها أبعاد السينوغرافيا المسرحية والسينوغرافيا الافتراضية فبدا المسرح كأنه على شاطئ البحر. والسينوغرافيا أصلاً بدت جميلة وتمّ توظيفها لمصلحة العرض المسرحي الراقص، بين عالم داخلي وآخر خارجي مفتوح على السماء والصحراء والحقيقة بعينها في ليلة الافتتاح أن كركلا تمنكنت من اضفاء لون العربي على مهرجان جميلة لهذه الطبعة أما السهرة الثانية فقد أحياها كل من فرقة الكاهينة والشاب وحيد وهواري الدوفان الذي استطاع استقطاب ثلة من الشباب المحب لطابع الراي.