بدأ الحوار بين عبد المجيد شيخي المكلف من قبل الرئيس عبد المجيد تبون ببحث ملف الذاكرة، ونظيره الفرنسي بنجامان ستورا، بالكثير من الصخب، وتمظهر ذلك من خلال الرسائل المتبادلة بين الرجلين عبر وسائل الإعلام. وكان ممثل الطرف الفرنسي الأكثر ضجيجا في الأوساط الإعلامية، منذ تكليفه الشهر المنصرم، كما كان السباق للخروج إلى المشهد الإعلامي بصفته مكلفا من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومما قاله بخصوص ملف الذاكرة: "اليوم وبعد مرور 60 عامًا، يمكننا بالفعل العثور على نقاط اتفاق حول توصيف النظام الاستعماري، الذي هو نظام غير عادل وتعسفي وعنيف"، وأوضح أنه "يمكن المضي قدمًا على أساس هذه المقاربة في الكتابة التاريخية، وفي التواصل مع الأجيال الجديدة". غير أن ممثل الطرف الجزائري لم يتأخر طويلا، وقدم مجموعة من التساؤلات حول ما يجب أن يكون عليه العمل في ملف الذاكرة، حيث طلب من نظيره ستورا، وبطريقة غير مباشرة، تقديم توضيحات عما يجب القيام به في المهمة الموكلة إليهما: "ننتظر ماذا يقصد الفرنسيون من وراء تعيين بنيامين ستورا للعمل على ملف الذاكرة مع الجزائر، وما هو المجال الذي سيُفتح لبداية هذا العمل المشترك". ووضع شيخي الكثير من النقاط على الحروف عندما قال إن أي "حديث عن كتابة مشتركة للتاريخ غير مستحب وغير ممكن من أي جانب". وشدد على حتمية "مواجهة ومناقشة الأفكار من الجانبين"، وكان ذلك في تأبينية المناضلة جيزال حليمي، محامية الثورة التحريرية. ويبدو أن المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا فهم الرسالة جيدا، فلم يتردد في طمأنة الطرف الجزائري ممثلا في شيخي، وخاطبه قائلا: "لا مجال لكتابة تاريخ مشترك". وأضاف ستورا: "في المهمة الموكلة إلي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يجب علي تقديم تقرير يتضمن توصيف تاريخ العلاقات بين فرنساوالجزائر". ومضى ستورا موضحا تصوره للمهمة الموكلة إليه: "لا مجال لكتابة تاريخ مشترك للجزائر، ولكن المبادرة إلى نشاطات ثقافية حول موضوعات محدّدة مثل الأرشيف أو مسألة المفقودين"، وهي مسائل تبقى جزئية في نظر بعض المراقبين. ومعلوم أن الرئاسة الفرنسية كلفت ستورا ب"إعداد تقرير دقيق وعادل حول ما أنجزته فرنسا حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر"، ووضعت سقفا لهذه المهمة ينتهي قبل انقضاء السنة الجارية، علما أن هذا الالتزام يتماشى وإرادة المصالحة بين الشعبين الفرنسي والجزائري، وفق بيان التكليف الصادر عن قصر الإيليزي. لكن ستورا حرص على أن يوجه رسائل مشفرة لنظيره الجزائري تفيد بصعوبة المهمة الموكلة إليه، بسبب تناقضات الداخل الفرنسي المنقسم على نفسه، عندما قال إن "المعركة من أجل إزالة الاحتلال من العقول عمل طويل الأمد"، وكان يشير هنا إلى المتطرفين الذين لا يزالون غارقين في حلم "الجزائر فرنسية"، ممن لم يهضموا بعد استقلال الجزائر، بالرغم من مرور أزيد من نصف قرن على "الطرد القيصري" لاحتلال استيطاني بغيض.