قد يكون طلب الرجل الزواج من الفتاة، والتقدم لخطبتها أمرا بديهيا وطبيعيا جدا، لكن ماذا لو بادرت الفتاة لطلب الزواج من الرجل، وصارحته برغبتها في الارتباط به إذا أعجبت بأخلاقه، والتزامه، ووجدته فارس الأحلام أو ما ترضاه كزوج دينا، وأخلاقا.. هذا ما قد لا يرضاه المجتمع، ويدرجه ضمن طائلة العيب، بل ويثور على الفتاة، ويصفها بأبشع النعوت من الجريئة، والمنحلة، فالمرأة في نظرهم لا تخرج عن إطار التهذيب المجتمعي والحياء والخجل الأنثوي، والقيام بمثل ذلك هو وقاحة، وانحراف عن حدود المجتمع، وغير مقبول، إذ عبرت عن مشاعرها ورغبتها في الارتباط. وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك ليراه تقليلا من قيمة المرأة، وإهانة لها باعتبار الرجل هو المبادر الوحيد في العلاقات، وبناء العائلة، وهذا يدخل ضمن قوامته، وقد يشعر الرجل بفقدان رجولته إذا كانت المرأة المبادرة. مع أن المجتمع بات يتقبل فكرة المرأة العاملة المعينة للبيت والأسرة، وصار الاعتماد على دخل المرأة كضرورة ملحة خلقتها الظروف المحيطة، إذ أن مساهمتها في إعالة عائلتها لا تقل أهمية عن مساهمة الرجل. من جهة أخرى، للمرأة الحق في اختيار شريك حياتها، لكن هذا الحق ينحصر في قبولها للخاطب أو رفضه، وليس المبادرة في طلب الارتباط مع من تراه مناسبا كشريك لحياتها. ومع أن رجال الدين، والفقهاء لا يرون ضررا في ذلك، ويستدلون في ذلك بالسيدة خديجة رضي الله عنها، وطلبها للزواج من النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وذلك لم ينتقص من قيمتها، وظلت عزيزة بين قومها، وكما أن هذا الأمر لا يختلف عن طلب الفتاة لأقاربها أو صديقاتها بذكر سيرتها أو اسمها في حالة طلب خاطب من معارفهم أن يبحثوا له عن زوجة مناسبة، وهذا نوع من طلب الارتباط من الرجل لكن بطريقة غير مباشرة. نساء يرفعن شعار المساواة مع الرجل باستثناء طلب الزواج يرى المجتمع الجزائري، والحركات النسوية على حد سواء أن طلب المرأة للارتباط بالرجل هو إهانة لها، وتقليل من قيمتها، ويعتبر ذلك أشبه بعرض المرأة لنفسها كسلعة، فالمرأة حتى وإن طالبت المساواة مع الرجل في كل الحقوق لكن تتخلى عن حقها في طلب الارتباط. وحتى مع اكتساب المرأة للمزيد من الحرية والحقوق، ومطالبتها المستمرة في نيل حقوق أكثر لكن فكرة طلبها للزواج من الرجل مرفوضة تماما، إذ تدخل ضمن واجبات الرجل. فلا يمكن أن تسقط أسطورة فارس الأحلام بالحصان الأبيض، وتنقلب بفارسة الأحلام فهذه الفكرة غير مقبولة لا خيالا ولا واقعا.. والمرأة لا تشعر بقيمتها إلا إذا تعب الرجل في الوصول إليها، وطرق باب بيتها، فالمرأة حتى ولو أعجبت بشاب يبقى إعجابا صامتا، تنتظر منه القيام بأولى الخطوات. كما أن المرأة المبادرة مرفوضة اجتماعيا، ومع أنه لا يمكن نعتها سوى بالشخصية القوية، والواثقة بنفسها لكن هذه النوعية يهابها الرجل، والمجتمع على حد سواء خوفا على فقدانه لسلطته الذكورية، والمجتمعية معها. وهناك من يرى أن المرأة قد تسقط من نظر الرجل إذا بادرت بطلب الارتباط، حتى وإن رغب فيها سابقا لكن بمجرد طلبها تسقط من نظره. ولتبقى فكرة مبادرة المرأة لطلب الزواج من الرجل ليست فقط غير مقبولة اجتماعيا لكن تذهب إلى أبعد من ذلك، فهي مرفوضة حتى في المجتمعات التي تتشدق بحرية المرأة، ودعوة المساواة مع الرجل، وليجرم المجتمع والرجل مثل هذه المبادرات والأفكار، ويعتبرها ضمن واجباته التي لا يمكن التعدي عليها حتى لو بدعوة المساواة.