الزواج سنّة من سنن المولى عزّ وجلّ، والأمومة فطرة من عند الله، تنشأ عليها الفتيات منذ نعومة أظفراهن، فتجد الطفلة تلعب بالدمية وتلبّسها وتنوّمها وتطعهما، ويكبر معها هذا الشعور ليتعاظم في فترة من الفترات، وفي وقت غير بعيد كان الزواج من أبرز الأهداف التي تضعها الفتاة نصب عينيها، بل وتجعله أمنية حياتها الوحيد، لكن بتغيّر الظروف الاجتماعية والإقتصادية للمجتمع الجزائري، تغيّر مفهوم الزواج والهدف منه، فأضحى مجرّد مشروع قد يعتبره البعض مربحا مثله مثل المشاريع التجارية، في ما يزال البعض القليل الآخر يعدّه نصف الدين والهدف بناء عائلة قوامها الدين الحنيف وإنجاب ذرية صالحة. استطلاع: أسماء زبار قد يحدث وأن يتقدّم خاطب لفتاة ما، لكن هاته الأخيرة ترفض هي أو أهلها بحجّة إكمال الدّراسة، أو قد تقبل مع شرط السماح لها بإتمام دراستها وتخرّجها وربّما عملها أيضا، لكلّ واحدة رأيها ولكلّ منّا وجهة نظر معيّنة لكن المتّفق عليه أنّ هذا العامل ساهم وبشكل كبير في ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع، فكم من أستاذة تقدّم بها العمر وهي تدرس وتعمل ، وكم من طبيبة اجتهدت لتنجح وكم وكم.. أمثلة كثيرة في مجتمعنا، وفي الأخير تندم وتتحسّر على كلّ من تقدّموا إليها ورفضتهم بحجة الدراسة. .. الشهادة الجامعية : سلاح في يد المرأة و شرط يطلبه الرجال في زوجات المستقبل قصد معرفة وجهة نظر المعنيات في الموضوع ، تجوّلت الحياة العربية في عدد من الجامعات بالعاصمة ورصدت آراء بعضهنّ. قالت إنصاف طالبة حقوق سنة ثالثة عن الموضوع "أنا بالطبع أفضّل إكمال الدراسة والتخرج قبل الزواج لأنّ الوقت اليوم أصبح صعبا جدّا والمجتمع لا يرحم فالدراسة والشهادة مهمة جدا بالنسبة للفتاة، حتى لو لم تعمل بعد الزواج لكن الشهادة هي الأساس"، أما ياسمينة طالبة بباب الزوار فقالت "الدراسة والتخرج أفضل بكثير من الزواج، تقدم لخطبتي شاب وطلب مني التوقف عن الدراسة لكن رفضت بشدة لأنّ الدراسة هي الأهم بالنسبة للفتاة، أولا يجب ضمان الشهادة ثم الزواج بعد ذلك". من جهتها، قالت فاطمة طالبة إعلام واتصال سنة ثانية "الرجال اليوم أصبحوا يفضلون المرأة المتعلمة والعاملة في نفس الوقت لمساعدتهم على المعيشة لذا فالفتيات أصبحن يفضلن إكمال الدراسة وبعدها الزواج، أنا شخصيا أرى الشهادة على أنّها الأمر المهم في حياتي يجب إكمال دراستي والتخرج وبعدها العمل ثم أفكر في الزواج، خاصة وأنّ حالات الطلاق تزيد يوما بعد يوم". ردّت نوال طالبة بدالي ابراهيم عن سؤالنا "رفضت الزواج بسبب الدراسة، أنا أفضل التخرج ونيل الشهادة الجامعية قبل الزواج، لأن المجتمع تغير كثيرا وأصبح لابد للمرأة من الدراسة والعمل لتثبت نفسها، كما أن الرجال اليوم يفضلون المرأة العاملة نظرا لغلاء المعيشة، بل هناك من يطمع في راتبها أيضا". أمّا أحلام وبصراحة ردّت "الحقيقة أنّ الاثنين لهما درجة من الأهمية متقاربة لكن بالنظر إلى عمر الفتاة تستطيع أن تحدّد أيهما أهم وكذلك بالنسبة إلى شخصية الرجل الذي يريد خطبتها. ولكن من وجهة نظري أنّ في زمننا هذا الدراسة والمرحلة الجامعية أهم عند الفتيات من أن يتركن الدراسة ويتزوجن، فالعلم والزواج مهمان لكن يجب أن لا يكون أحدهما على حساب الآخر، بمعنى لا بأس أن تطلب الفتاة العلم وتكمل دراستها لكن عندما تصل لسن الزواج تتزوج خاصة إذا أكملت المرحلة الجامعية، لكن أن تفني الفتاة شبابها في العلم سعيا للحصول على الدكتوراه وتهمل جانب الزواج وتكوين الأسرة فهذا خطأ حيث تجد نفسها كبرت وفرص الزواج قد قلت أو ندرت تماما". أما أمينة طالبة علوم سياسية فقالت "بالنسبة لي أرى أنه من الأفضل للفتاة الزواج في حالة حضور زوج مناسب، لكني لا أحبذّ فكرة أن تترك الفتاة دراستها من أجل الزواج بل عليها إكمالها وبعد ذلك الزواج، لأن المرء لا يعرف ما قد يخبّؤه له المستقبل" أما السّيدة "ن" فكان لها رأي في الموضوع "يجب على الفتيات الدراسة أولا ثم الزواج لأنّ المرأة "محقورة" يجب أن تكون شهادتها هي سلاحها حتى وإن لم تخرج للعمل لكن الشهادة مهمة جدا في حياتها، فهاته الأخيرة قد تحمل لك أمورا كثيرة فربما تتطلق أو تترمل أو تحتاج ولا تجد من يصرف عليها، فلا تنفعها هنا سوى دراستها وشهادتها". من جهتها قالت لنا الطالبة سمية أدب عربي "أنا أرى أنه من الأفضل للفتاة إكمال الدراسة أولا ثم الزواج، لأن الزواج مسؤولية كبيرة وتزداد المسؤولية بعد الإنجاب فمن الأفضل أن تكون الفتاه متفرغة من أجل القيام بواجبها على أكمل وجه، وبعد التخرج تصير فرحتها فرحتين فرحة التخرج وفرحة الزواج وبدء حياة جديدة، وأنا أعرف فتاة توقفت عن دراستها وتزوجت لكنها ندمت كثيرا على دراستها". غلاء المعيشة والإهمال الأسري للفتاة وهشاشة الزواج نقل التفكير من الروحي إلى المادي قال المختص الاجتماعي محمد طويل، بخصوص تفضيل الطالبات الجامعيات الدّراسة والعمل عن الزواج أو تأجيل الزواج، أنّها ظاهرة حديثة لها أسباب عديدة مرتبطة بظروف مادية واجتماعية واقتصادية، فالظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة خلقت للمرأة نوعا من التفكير المادي يتمثل في وجوب خروجها للعمل لمساعدة الزوج في المصاريف، والعمل يتحقّق بالشهادة لذا فالفتاة أصبحت تفضل إكمال دراستها ونيل الشهادة قبل الزواج. إضافة إلى سبب آخر وهو العنوسة التي زادت في الآونة الأخيرة، فالعنوسة تدفع بالفتاة إلى التعلم والشغل حيث تقول إن لم أتزوج فأنا أعمل ولا أحتاج لمن يصرف عليا، فالمرأة إن لم تتزوج فإنّ لديها شهادة وعمل تعتمد عليهما في حاجياتها ومستقبلها، كما أن الرجال أصبحوا يتقرّبون من المرأة العاملة بحكم أنّ دخل واحد لا يكفي في الأسرة. وأضاف الأستاذ أنّ تغير القيم الاجتماعية الأسرية ساهم في رواج هذا التفكير، فالأسرة اليوم أصبحت لا تحتوي الفتاة الابنة والأخت، كما في الماضي ما يدفعها إلى الاعتماد على نفسها وتتشبّث بدراستها لتنقذ نفسها من الحاجة. كما أنّ هشاشة الزواج الحديث لأسباب عديدة، وارتفاع نسبة الطلاق وإقبال المتزوجون على الطلاق لأتفه الأسباب دفع الفتيات للتخوّف من الزواج لذا تتمسك بدراستها أولا ولا تتزوّج حتى تتحصل على الشهادة وتعمل ثم بعد ذلك تتزوج، وهناك الكثير منهن من يستغنين عن الزواج تماما. وأكّد الأستاذ أنّ تغير القيم الاجتماعية وتوجه التفكير والاهتمام إلى كلّ ما هو مادي خلق للأفراد نوعا من البدائل المادية، فعوضا عن الزواج لتكوين الأسرة وإنجاب الأطفال وتربيتهم أصبح الهدف من الزواج هو بناء حياة مشتركة وخاصة والعيش في رفاه وهذا أمر جد خطير نتج عن تغير التفكير من الروحي إلى المادي. .. التقاليد تظلم المرأة والدراسة تحميها من الظلم الإجتماعي قال المختص النفسي بولقرع مخلوف بخصوص الظاهرة هاته أنّ سببها الرئيسي هو ارتفاع حالات الطلاق، فالفتيات أصبحن يتخوفن من الزواج فيتمسكن بالدراسة ويشبثن بالشهادة وبعد ذلك العمل لتحسين وضعيتهن ولتفادي الوقوع في الحاجة. والفتاة اليوم ومن خلال الكثير من الحالات الاجتماعية أصبحت ترى أنه لا يوجد أحد يحميها ويحفظها فتصبح ترى في الشهادة الأمر الأهم في حياتها ويجب أن تتحصل عليها لتضمن مستقبلها. وأضاف المختص النفسي في اتصال بالحياة العربية أنّ غياب الثقة والخوف من الخيانة يؤدي بالفتيات إلى تفضيل إكمال الدّراسة ثم الزواج، فالزواج الحديث فقد قيمته الاجتماعية في تفكير الأفراد خاصة مع ارتفاع نسبة الطلاق، كما أنّ التقاليد الاجتماعية تظلم المرأة إلى حدّ ما لذا فهي تتمسك بدراستها لحماية نفسها من هذا الظلم الاجتماعي، خاصة إذا تطلّقت فالله عزّ وجلّ يقول " فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ" هذا هو العدل الحقيقي في قول الله تعالى فالإحسان أعلى مرتبة من المعروف وهذه هي القاعدة التي يجب أن يسار عليها. قال الإمام أحمد قواسم بخصوص الموضوع أنّ رفض الفتيات الجامعيات الزواج بسبب الدراسة وحجة نيل الشهادة أمر خاطئ إلى حدّ ما، فالرسول صلى الله عليه وسلكم قال " إذا أتَاكُم مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فَأنْكِحُوه، إلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَة في الأرْضِ وفَسَاد"، فمن خلال الحديث يتبيّن أنه يستحب أن تزوّج المرأة والرجل مبكّرا وهذا لتفادي الفساد والانحراف، وأضاف الإمام أن تفضيل الدراسة على الزواج إنّما هي نظرة غربية فهنا يكون تفضيل الجانب المادي على الروحي والديني، كما أنّ عدم الثقة في الزواج التي انتشرت مؤخرا ساهمت في هذه الأفكار فالعمل ليس كلّ شيء فالرزق على الله سبحانه وتعالى. وأكّد الإمام في حديثه للحياة العربية، أنّ نجاح المرأة في بيتها مهما تصل إليه من مراتب مهمة في العمل خارجا والأدلة كثيرة فكم من وزيرة ومسؤولة صرّحت وقالت البيت هو أفضل مكان لعمل المرأة، وهنا ننصح الفتيات بعدم إهمال الجانب الديني الروحي على حساب المادي وترفضن الزواج وتقطعن نصيبهن بأيديهن خاصة وأنّ فرص الزواج قليلة جدّا في هذه السنوات بل عليها بالقبول وتقوى الله لقوله تعالى " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب"، فالواجب على كلّ شاب وعلى كل فتاة القبول بالزواج إذا تيسر الخاطب الكفء للمرأة. وإذا تيسرت المخطوبة الطيبة للشاب، فليبادر، عملا بقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنّه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنّ له وجاء". فأنا أنصح جميع الفتيات أن يبادرن بالزواج، وألا يؤخرن ذلك إلى النهاية من الدراسة الجامعية، بل يبادرن فإن تيسر لهن إكمال الدراسة مع الزوج فالحمد لله، وربما إن حصل لها زوج صالح متخرج جامعي أو فوق الجامعي فيفيدها وينفعها أيضا، فأكرّر وأكرّر على الفتيات بالمسارعة إلى الزواج، وهكذا الشباب من الرجال على الجميع المبادرة إلى الزواج وألا يؤجّلوا ذلك إلى نهاية الدراسة الجامعية فإن الإنسان لا يدري ماذا بقى من عمره، ولا يدري ماذا يكون بعد ذلك، فالبدار البدار بالزواج هو المطلوب.