لا شك أن النّقاش السّاخن الذي تعرفه الساحة السياسية حول مشروع الدستور والاختلاف السّائد حول بعض المواد التي وصفت ب"الملغَّمة" يُعدّ مظهرا إيجابيا، لأن الكثير من القطاعات التي لم تكن تهتم بالشّأن العام أصبحت تتابع القضايا السياسية وتتفاعل مع الأفكار المطروحة، خاصة من قبل أولئك الذين سجّلوا اعتراضاتهم على بعض المواد ذات الصلة بالهوية الوطنية. ولعلّها المرة الأولى التي سيتم السّماح فيها لرافضي مشروع التعديل الدستوري بتنظيم حملة استفتائية جنبا إلى جنب مع المؤيدين للتعديل، وهذا بعد أن تشكل في الساحة السياسية والمجتمع المدني تياران، أحدُهما متحمس لمشروع الدستور وينظر بالإيجابية إلى الإضافات التي جاء بها على صعيد الفصل بين السلطات وتثمين المجتمع المدني ودسترة الحَراك وغيرها من الإيجابيات التي يُرافع بها الدّاعمون للتعديل، وبعضهم تخصّص منذ سنوات في الدّعم والمساندة المطلقين بغضِّ النّظر عن النّصوص والبرامج والخيارات! أمّا التّيار الثّاني فهو التّيار الرّافض أو المتحفّظ على بعض المواد والذي دعا أنصاره إلى المشاركة بقوة في الاستحقاق المقبل، لكن بالتصويت ضد مشروع الدستور، ويضم أحزابا سياسية أغلبها ذات توجُّهٍ إسلامي وبعض جمعيات المجتمع المدني بينها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أعلنت تحفظها على بعض المواد التي وصفتها ب"الملغمة" مثل تحييد المدرسة، وحرية المعتقد، والقضية اللغوية، ودعت رئيس الجمهورية إلى تقويمها، لأنها تهدّد هوية الوطن ووحدته. وما يلاحظ أنّ توجّه المشاركة في الاستحقاق الانتخابي توسَّع هذه المرة على حساب التوجُّه الداعي إلى المقاطعة، وهو عاملٌ مهمٌّ في نجاح الموعد الانتخابي المقبل بغضِّ النظر عن نتيجة الاستفتاء سواء كانت بنعم أو لا، وهو الهدف الذي تعمل عليه السّلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي قالت على لسان المكلف بالإعلام فيها علي ذراع إن مهمة هذه الهيئة تقتصر على ضمان نزاهة الانتخابات وليس الترويج لصالح الدستور، لذلك فإنّ الرّهان الحقيقي الآن هو ضمان النزاهة من خلال تمكين ممثلي الأحزاب الداعمة لمشروع الدستور وكذا الأحزاب الرافضة له من الوقوف على سير العملية داخل مكاتب ومراكز التصويت، لضمان عدم التلاعب بأصوات المواطنين. إنّ أهمية هذه الوثيقة تحتِّم على كل الأطراف سواء الدّاعمة أو الرّافضة الوقوف في وجه من يحاول التّصرُّف بطريقة غير قانونية في مراكز الاقتراع، لأن المساس بصوت المواطن والتّصرُّف فيه بالتزوير هو سبب ظاهرة العزوف الانتخابي المسجلة في المواعيد الانتخابية على مدار العقود السابقة.