دعا جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد" الطبقة السياسية إلى عدم التعامل مع الناخب وفق منطق القطيع، وحث الفاعلين السياسيين على شرح بنود الدستور بشكل واضح، وترك المواطن يتخذ قراره بنفسه، وبرر سفيان دعمه لإنجاح المشروع الدستوري المطروح للتعديل في الفاتح من الشهر المقبل، لكون هذا الأخير يوفر فضاءات أرحب للحرية بمختلف أبعادها، لم تكن متوفرة في دستور 2016. وعرج رئيس حزب جيل جديد على الجدل الدائر حول الإسلام والمدرسة والأمازيغية، وقال إن الإسلام لا يمكن اعتباره إيديولوجية مثل الاشتراكية والليبرالية، ومن ثمّ فالحديث عن أدلجة المدرسة، يقول جيلالي سفيان، لا ينسحب عن الإسلام، الذي يبقى المرجعية الوحيدة المنصوص عليها في المادة الثانية من الدستور، كما خاض في قضايا أخرى ستجدونها في المنتدى. قال إن النظام البرلماني لا يصلح للبلاد ما حمله الدستور من حريات مكسب وعلى الجميع استغلاله دافع جيلالي سفيان الذي نزل ضيفا على "منتدى الشروق"، عما تضمنه التعديل الدستوري من حريات، واعتبره مكسبا يتعين الدفاع عنه، وقال: "التعديل الدستوري يفرض على الإدارة إعطاء الاعتماد للأحزاب إذا التزمت بالشروط المحددة في القانون، في حين أن الجمعيات الثقافية والعلمية والرياضية، لا تستوجب الاعتماد، بل الترخيص فقط، كما يضع آليات لمتابعة الإدارة قضائيا في حال التعسف"، الأمر كان غائبا في الدستور السابق، وهو ما كان وراء استفادة الموالاة دون غيرها من هذا الأمر. وأوضح سفيان أنه "عندما يكون النص الدستوري صريحا، لا يمكن للإدارة أن تختفي وراء أي اعتبار لرفض الترخيص، وهذا عكس ما كان سابقا"، مثمنا في الوقت ذاته، ضمان الدستور قيد التعديل حرية الصحافة ومنها الإلكترونية، ولكن التخوف، برأي ضيف المنتدى، "يكمن في مدى جدية الممارسة، ولكن أنا أقول هنا إن احتواء الدستور على هذه القيم، يجعلني أتطلع إلى دسترة أمور أخرى إيجابية في المستقبل، وأضعها في أجندتي..". وعموما يمكن القول إن الدستور بنسخته المعروضة للاستفتاء يستجيب لمطالب الكثير، وهو يعتبر إنجازا من ناحية الديمقراطية والحداثة، ومن يقول هناك نقائص أنا أطلب منه توضيح ذلك، ربما فاتتنا. قال جيلالي سفيان إن "التوازن بين السلطات تحدده اختيارات في فلسفة بناء الدولة، فهناك من بنى الدولة على أسس تنطلق من سلطة وسلطة مضادة، حتى يكون هناك تدافع يحول دون تغول سلطة على أخرى، في حين أن المجتمع الجزائري لا يزال لا يتوفر على آليات سياسية وثقافية وبسيكولوجية كافية حتى نصل إلى هذه المرحلة، وليست الجزائر الوحيدة في هذا، بل كل الدول النامية، لأنها ليست لديها تراكمات ديمقراطية، فضلا عن التحديات الخارجية التي تستهدف الاستفادة من ثروات الدول النامية". ولاحظ سفيان: "عندما يكون لديك نظام سياسي ينام على تناقضات داخلية، تأتي قوى خارجية للاستفادة منها، فضلا عن أن الدولة تتعطل عن أداء المهام اليومية لها"، وضرب مثالا بتركيا التي قال إنها ظلت سنوات عديدة وهي تحت نظام برلماني، وكانت رهينة للحلف الأطلسي.. لكن لما تقوى الرئيس الحالي، أرسى نظاما رئاسيا، تمكن من خلاله من إلغاء الارتهان إلى الخارج، على حد تعبيره. وأضاف: "نحن بحاجة إلى نظام قوي، يستمد قوته من دولة القانون. أنا أقول هناك بندا منع العهدات لأكثر من اثنتين، معنى هذا أن الوقت لا يسمح للرئيس المنتهية عهدته ليضع رجالاته في دواليب الدولة ويسرق السلطة من جديد، كما أن تحديد العهدات البرلمانية يسمح بتجديد الطبقة السياسية. بقي أن نضع بعض الميكانيزمات بما يسمح بتجديد هياكل دولة من دون الدخول في أزمات". ومضى يقول: "هناك أيضا الاستماع للوزراء من قبل البرلمان، وهذا من اقتراحنا. فالدستور يتحدث عن لجنة من الغرفتين تسائل الوزير حول قضية معينة، وليس كما كان الحال في السابق، يطرح سؤال ويترك للوزير الحرية بالإجابة أو بالامتناع، أو بالأحرى يتهرب". ويخلص جيلالي سفيان إلى تفضل "النظام شبه الرئاسي على النظام البرلماني، الذي نشأ في وضع غير الذي تعيشه الجزائر. هذه مؤاخذاتي على الدستور تعديد جيلالي سفيان لإيجابيات الدستور المطروح للتعديل لا يعني أنه ليس لديه مؤاخذات، وقال: "كنا ننتظر أكثر وضوحا في توزيع المهام التنفيذية. مثلا ما تعلق بمنصب وزير أول أو رئيس حكومة، وهذا ربما أدخل حالة من الخلط في المفاهيم، كنا نريد رئيس الحكومة". أما موقفنا من الاستفتاء فهو "شرح مضمون الدستور ومخاطبة وعي المواطن، ونحن لا نتعامل مع المواطن بمنطق القطيع. المواطن البسيط له انشغالات، ونحن من دورنا أن ننوره ونتركه يتخذ القرار بمفرده". الجزائر تمر بمرحلة حساسة وانتقالية الكرة في مرمى السلطة والمعارضة يرى جيلالي سفيان، رئيس حزب جيل جديد، أنّ "الجزائر تمر بمرحلة انتقال من وضعية جامدة تؤدي إلى طريق مسدود تماما إلى مرحلة مفتوحة على جميع الاحتمالات والإمكانيات، قد تدفع بالبلاد إلى مسالك إيجابية، كما أننا قد نخفق في خياراتنا ونعاود الرجوع إلى المنظومة السابقة التي قد تخلق لنا أزمة جديدة". ويصف المتحدث المرحلة بالحساسة جدا، ما يتطلب أن يكون الاختيار والسلوك السياسي مهما لما لذلك من تأثير على تعامل السلطة مع الوضع الجديد، فقد تنغلق في حال تعسف المطالب وقد تلين وتنفتح في حال وجود مرونة من الطرف الآخر، وقال "إذا التزمنا وطالبنا بكامل مطالب الحراك فقد ندفع بالسلطة إلى الانغلاق على نفسها ورفض التغيير الذي سيصبح خطرا على الكل، أمّا إذا عرفنا كيف نساعد النظام على التغيير ممكن أن ينفتح هذا النظام ويقدم بوادر تساعد على التغيير". ورمى جيلالي سفيان بالمسؤولية في هذه المرحلة على عاتق الجميع سلطة ومعارضة، فالسلطة، حسبه، عليها أن تفهم أن التركيبة السياسية السابقة لم يبق لها إمكانية تسيير البلاد وأن مدة صلاحيتها انتهت وقد تجاوزها الوقت كما أنه يتعين عليها أن تتنبه وتتفتح للأجيال الصاعدة، ومن جهة ثانية، على المعارضة أن تتفهم الأوضاع الصعبة والمجال السياسي والأزمة الاقتصادية والمالية والجيوسياسية لأننا لسنا معزولين، كما قال، عما يجري في الخارج ولابد من قراءة سليمة لعدم الوقوع في مشاكل نخلقها لأنفسنا، خاصة وأن السلطة سابقا كانت تتذرع بمناورات الخارج وميّعت هذه الحقيقة ما يستوجب إعادة كل شيء في إطاره العام أن نعي فعلا أن القوى العظمى في العالم والتيارات الإيديولوجية مصالحها مختلفة تماما عن مصلحتنا وهي تستفيد من مرحلة اللا استقرار التي نمر بها لكي تتدخل أكثر بطريقة أو بأخرى. معادلة صعبة من أجل التغيير تمرير الدستور على "برلمان الكوطات" كان شكليا وتنازلا لابد منه دافع جيلالي سفيان، بقوة عن خيار تمرير الدستور قبل تجديد المجالس المنتخبة أو برلمان "الكوطة" كما وصفه، على أن يكون تمرير الدستور شكليا ودون نقاشات جدية أو تأثير عميق، وذلك لما تفرضه الشرعية من ضرورة البقاء في حدود الدستور المسير للبلاد، رغم أن المعادلة صعبة جدا. ويبقى البرلمان، حسب ضيف "منتدى الشروق"، هو من يقدم البعد الشرعي وبعدها يتم المرور إلى تجديد المجالس المنتخبة والانتخابات المحلية. وأردف رئيس جيل جديد "كان من المهم أن يسبق تغيير الدستور وهذا من ضمن التنازلات المقدمة من قبل الرئيس تبون من أجل الاستقرار والتغيير السلس." وعاد المتحدث ليؤكد أن المرحلة محدودة وظرفية حتمية إذا أردنا النهوض بالبلاد وإحداث التغيير في الساحة السياسية وهو ما جعل "الجيل الجديد" يتفهم مسألة تمرير الدستور على البرلمان دون نقاش حقيقي". ويبقى الاستفتاء وحده القادر على إضفاء الشرعية للدستور للمرور نحو مرحلة جديدة تغيّر فيها الوجوه السياسية والآليات ويشرك فيها الكفاءات الشبانية، معترفا بأن فيروس كورونا عطّل العملية لأشهر عديدة والجميع يتفهم الأمر. وذكّر الجيلالي سفيان بأن خيار البقاء ضمن مبادئ الدستور كان خيارا حاسما من قبل المؤسسة العسكرية عقب 22 فبراير 2019 وسقوط النظام السياسي "البوتفليقي" الذي يمثل العائلة المتحكمة في البلاد والرئاسة مع رجالاتها والحكومة وكذا بعض الوسائل الأحزاب السياسية المستخدمة كأداة. وأضاف أن الدولة وفي قلبها المؤسسة العسكرية التزمت بتطبيق الدستور لأن الخروج من الدستور يؤدي إلى مرحلة غير متحكم فيها واختيار المرور إلى التغيير عبر بوابة الدستور الحالي يعني تغيير عدد من قواعد اللعبة السياسية، لذا فكان من غير الممكن أن يسبق حل المجالس المنتخبة تعديل الدستور. وقال الجيلالي سفيان أيضا "الدستور الحالي يحتم على الرئيس المرور عبر البرلمان كما أن حل المجالس في هذه الفترة والساحة غير محضرة، يطرح عددا من المشاكل وهنا يدخل المال الفاسد ونعود إلى الواقع الماضي، لذا كان المهم البداية بتغيير الدستور، وهذا من بين التنازلات التي يتعين علينا فهمها كمعارضة حتى وإن تطلب الأمر مروره على غرفتين لا يتمتعان بالشرعية الكاملة". واستطرد موضحا أن لولا المرور إلى الخيار الثاني لخرجت المعارضة وقالت إن الرئيس يدوس على الدستور ولدخلنا حينها في إشكال آخر. البعض من رموزه أساؤوا إليه "جبهة التحرير" ذاكرة الجزائريين ولابد من إدخالها المتحف دعا جيلالي سفيان إلى عدم استغلال تسمية جبهة التحرير الوطني في العمل السياسي من قبل البعض، باعتباره موروثا ثوريا لجميع الجزائريين ويشارك فيه الجميع، حيث قال "من غير المقبول أن نترك الحزب الذي حرر البلاد يصبح أداة فساد في أيدي أشخاص غير واعين وغير مسؤولين "فبعض رمزوه يوجدون في السجن بسبب تهم تتعلق بالفساد وهذا يشكل إساءة كبيرة للذاكرة الوطنية". وتساءل المتحدث "كيف نعلم أبناءنا في المدرسة قيم جبهة التحرير ومكانتها في الثورة المجيدة وهو يشهد واقعا مغايرا وصورة معاكسة ومتناقضة؟"، مؤكدا بأننا بذلك سنعطي صورة سلبية للتاريخ الجزائري وغير جدية". وندد ضيف "الشروق" باستعمال واستغلال الذاكرة الوطنية لفائدة أشخاص أساؤوا إليها ويتواجدون محل متابعات قضائية، معبرا عن أمله في أن يتم التخلص من هذه الممارسات عبر الدستور الجديد. قال إن الإسلام ليس إيديولوجية الأمازيغية عنصر وحدة وليس معول تقسيم تحفظ جيلالي سفيان رئيس حزب "جيل جديد" على مطالب البعض برفض الكيفية التي عولجت بها الأمازيغية في الدستور المطروح للاستفتاء في الفاتح من نوفمبر المقبل، واعتبر الدعوات إلى إقصائها يقود إلى الإقصاء وهذا لا يخدم الانسجام المجتمعي، على حد تعبيره. ويرى سفيان أن الأمازيغية لا يمكن أن تكون عامل تقسيم للمجتمع الجزائري، وقال: "هناك من يعتقد بأن الامازيغية ربما تصبح منافسا للغة العربية، والعربية لغة القرآن فتتحول إلى عامل يقسم الجزائريين"، وقدر جيلالي سفيان بأن "هذا تفكير خاطئ برأيي، لأن الذي يؤدي إلى الانقسام هو الإقصاء، ونحن لا بد من الاعتراف بتعدد المجتمع الجزائري في أبعاده الثقافية والهوياتية واللغوية، وهذا لا يناقض الإسلام"، مستشهدا بالآية 22 من سورة الروم. وتساءل: "هل هنالك تناقض عندما نتكلم بلغات أخرى غير اللغة الغربية، هل اندونيسيا وماليزيا وتركيا وإيران.. البعض يستعمل مثل هذه المبررات لرفض لغة أصلية لسكان شمال إفريقيا والمغرب الإسلامي". وعن صعوبة توحيد لهجات الأمازيغية، أوضح "ضيف المنتدى" أن "الدستور يتكلم عن أكاديمية لتوحيد اللغة الأمازيغية"، وأضاف: "أنا لا أتحدث هذه اللغة، ولكن لا أنكر أصول الجزائريين، وأفرح عندما أسمع أبنائي يتكلمون الأمازيغية وهذا لا يخلق إشكالا. حقيقة لا نستطيع بناء اقتصاد بها، ولكن هذا يبقى شعورا بالانتماء إلى منطقة، وهذا يدعو إلى الارتياح". وفيما يتعلق برفض أدلجة المدرسة، تساءل ضيف المنتدى: "هل يمكن اعتبار الإسلام إيديولوجية؟ بالطبع لا. الإيديولوجية، مثلا عندما يحاولون فرض أفكار اشتراكية أو ليبرالية.. وربما تأتي في المستقبل أطروحة خطيرة جدا، كما هو حاصل في الغرب. عندما تكون الإيديولوجية مسموحا بها في المدرسة، فهذا يعني أنهم يمكن أن يلقنوا التلاميذ أي شيء". وشدد على أن "عدم أدلجة المدرسة، هو لحماية التلاميذ من التلاعب، وهو لا يحمل في طياته عدم تلقين مبادئ الدين الإسلامي. أما من يريد القول بأن الإسلام إيديولوجية، فهذا مرفوض وغير مؤسس، لأن الإسلام محمي بنص المادة الثانية من الدستور، وإذا وصلنا إلى هذا المستوى فيمكن القول إن المجتمع أصبح في وضع خطير".