سادسا: مناقشة النقطة السادسة: 6- محاربة الإدارة للتطرف الديني والمنابع التي تغذيه. أ- فمن الوجه القانوني: مبدأ إدارتنا في غاية الصحة فمن الواجب على إدارتنا محاربة كل أنواع التطرف الديني وكل الوسائل التي تسعى على تغذيته لكونها المسؤول الأول شرعا وقانونا قبل كل أجهزة الدولة التي تسعى إلى تحقيق ذلك، - فالانحراف العقائدي يولد انحرفا مستطيرا في مختلف مجالات الحياة-، فيجب على من تقلد هذه المهمة أن يكون على شاكلة العلماء والمشايخ الذين سبق لهم وأن تقلدوا نفس المناصب بالوزارة أي على عقيدة وعلم صحيحين لا كما هو حال ممثلي لجنتنا الموقرة فبعضهم على تطرف حاد ومريب. وإنّي علمت من مسؤول في اللّجنة أنّ سبب منع بعض الكتب مثل أهوال القيامة، وعذاب جهنم، وعذاب القبر و الترغيب والترهيب للإمام المنذري ... وغيرها مما فيه الإخبار عن عالم الغيب طلب من مسؤولة كبيرة من شواذ التيار العلماني في وزارة الثقافة بحجة أنّ هذه الأخبار تفزع الصبيان والنساء وتولد لديهم حالات نفسية خطيرة، أما كتب التوحيد والعقيدة الصحيحة فتمنع بحجة محاربة فكر الوهابية والسلفية الخطير، وما هذا إلا بطلب من بعض شواذ التيار الصوفي. فسبحان الله! قانونيا كل من يعمل بالوزارة يمثل دولة رسمية ذات سيادة وقانون يعمل تحت لواءها، فالتمثيل الرسمي للدولة يضبطه القانون الساري المفعول بمنتهى الوضوح لا كما ترتضيه أهواء ونزوات ممثلي الإدارة. ب- و من الوجه العلمي: حتى يتسنى لنا فهم مصطلح التطرف لغة لا بد من معرفة الغلو أيضا لما يحمل المصطلحين من تقارب كبير في المعنى. إن مفهوم التطرّف من الناحية اللغوية تفعّل من الطرف، تطرف يتطرف فهو متطرف آت الطرف ومنه قولهم للشمس إذا دنت للغروب تطرفت، وسواء أقلنا بأن الطرف هو منتهى الشيء أم مطلق الحد، فإنّ من تجاوز الاعتدال وغلا يصح لغويا تسميته بالمتطرف جاء "في المعجم الوسيط" في معنى تطرف:( تجاوز حد الاعتدال ولم يتوسط ). أمّا الغلو: فهو مجاوزة الحد، يقال غلا في الدين غلوا، تشدد وتصلب حتى جاوز الحد. فالتطرف والغلو يعملان نفس المعنى وهو مجاوزة الحد. أمّا التنطع، التشدد، العنف، فهي بمثابة أوصاف ومظاهر للغلو. فالغالي يتسم بالشدة في الدين والعنف في المعاملة والتنطع في العبادة. - ولكن ما يذهل العقول ويحير النفوس أنّنا أصبحنا أمام واقع مخالف لأعراقنا إذ نجد أبناء جلدتنا يروجون كل فكر شاذ خبيث في صفوف المسلمين بما يخدم أعداءهم، فكلنا يعرف كبرياء الرجل الأبيض فعلى انحرافه عن الحق إلا أنّه على قدر من العلم والسلوك لا يستطيع النزول دونهما فنجده يصدر إلى مجتمعنا كل الأفكار القذرة والخبيثة التي ليس لها علاقة مع العلم والمنطق عن طريق هؤلاء الشواذ وكأننا أصبحنا زبالة الغرب في كل المجالات. و لنعد إلى تلك المسؤولة التي طلبت منع كتب لعلماء أكبار والتي محتواها أخبار غيبية، كأحوال الموتى والجنة والنار بحجة تضلعها في علم النفس على طريقة الغرب- قمة الحضارة والعلم- فأقول للمسؤولة: هل سمعت يوما مثقفات غربيات تطاولن ومنعن نشر ما جاء به التوراة أو الإنجيل مع ما فيهما من تحريف وتخريف؟ علما أنّهن على قدر كبير من العلم الذي تدعينه، بل نجدهن يحترمن الإسلام بالقدر الذي لا تفعلينه، فأين أنت من العلم الذي تدعينه؟ وهل علمك بأحوال النفوس أبلغ وأوسع من علم بارئها؟ فإن كان ربنا الخالق عزّ وجل خاطب النّاس بالوعيد وخوّفهم بالنّار في القرآن ووعدهم بالموت و لم يخبرنا جلّ وعلا أنّها تفزع وترهب النّساء والأطفال، أليس هذا هو التطرف والانحراف بحد ذاته؟ وهذا يذكرني بما دعت إليه بعض مثقفات- زعموا – من حق المرأة في الزواج بأربع رجال دفاعا عنها ومساواة لها بالرجل إذ أن الله قد ظلمها في كتابه ولم يكتفين بالدعوة فحسب بل انتقلن إلى الضغط على المجتمع في وسائل الإعلام. أليس هذا هو التطرف المقيت؟ بلى تطرف ديني واجتماعي وأخلاقي؟ تطرف ديني لمخالفته تعاليم الإسلام واجتماعي لما ينتج عنه من تفكك أسري وأخلاقي لأن فيه مساس بأعراضنا...إلخ أم تلك السيدات يردن أن يصبحن مختصات في عملية القرعة إذا أنجبن الولد من يصير أبا حقيقيا ينسب إليه؟ وكم تلهفت لسماع خبر إحداهن تفعل ما تدعو إليه، أم هي تمثلية جديدة مستوردة من هنا وهناك من أجل تضليل ضعاف النفوس والعقول من المسلمين، ودعوة منهم لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وربنا يتوعد فاعل ذلك قائلا: "إنّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون". وكم تمنيت يوما أن توجه إحداهنّ سهامها إلى ظلم وتجاوز الغرب للآخرين لا كما هي موجهة على المظلومين والمقهورين. - و لنعرج الآن على الفريق الثاني الممثل في الصوفية – ولا أقول كل الصوفية لأن بعضهم سليم القصد والنية على جانب من خوف الله – فهؤلاء خصومتهم مع العلم الصحيح والمعتقد السليم قديمة، لأن عقيدتهم الغلو في الصالحين إلى درجة جعلهم وسائط بينهم وبين الله. وعطلوا بها توحيد الألوهية تعطيلا كاملا فلم يفردوا الله بالعبادة وصرفوا أنواعا منها إلى الخلق كالذبح و النذر والاستغاثة والدعاء...إلخ، أما ما يميز أهل السنة والجماعة فصحة المعتقد وسلامة المنهج تأسيا بالجيل الأول من الصحابة والتابعين ولقوله تعالى:" وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرسول عليكم شهيدا"، فمذهبهم كان وسطا بين مذهبين وهدى بين ضلالتين خرج بينهما كما خرج اللبن من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين. ثمّ إننا لا ننسى موقف الصوفية الذي حفظه لنا التاريخ وذلك يوم استعمرت بلادنا فقالوا: فرنسا دخلت بقدر الله وستخرج بقدر الله، وهذا ما لم يستسغه علماءنا الأفذاذ فصاح ابن باديس: يا نشأ أنت رجاؤنا وبك الصباح قد اقترب، وأردفه الشيخ البشير الإبراهيمي قائلا: " الاستعمار كله شرّ وهل في الشر من خير". فأين أنتم من الحق وأهله؟ وأين العلم الذي يخول لكم الحكم على تآليف أئمة أعلام وعلماء ربانيين؟ بل جهلكم المركب هو الذي حملكم على هذا العمل الشنيع؟. ج- أمّا من الوجه السياسي: إنّ التضخيم للتطرف الديني الذي بات همّ الغرب في جميع وسائله الإعلامية رغم فظاعة التطرف الذي هو عليه وتوجيه أصابع الاتهام إلى الإسلام خاصة يقصد به تحقيق مصالح لخصتها في نقاط كما يأتي: - لا يشك عاقل أن عداوة الغربيين لنا قديمة وأن هذه العداوة وليدة الحقد والبغض لكل ما هو إسلامي فمن ثمّ سعوا لتشويه الإسلام مستغلين في ذلك سذاجة بعض المنتسبين للإسلام من فرق ضالة وعلمانيين وأصحاب المصالح وهؤلاء جميعا يمثلون العدو الرابع والأخير للإسلام –إذ أعداء الإسلام إلى يوم القيامة هم اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين- وخطرهم أعظم من أولائك الغربيين بدليل المكاسب التي يحققها الغرب بيد هؤلاء الشواذ على حساب مصالح الدول الإسلامية. - اتخاذه مبررا لسلوكهم المتطرف فيما يخص قضايا المسلمين حتى لا يتعاطف معها الرأي العام في العالم الإسلامي فضلا عن الرأي العام العالمي كقضية فلسطين خاصة فإسرائيل تجد كل الدعم في عدوانها على العرب والمسلمين بتصويرها واحة للسلام والحرية بين الدول العربية والإسلامية المتوحشة والمتطرفة وكذلك ما هو واقع في العراق والصومال والسودان والشيشان...إلخ. - تخويف حكومات وشعوب العالم الإسلامي من العلماء والدعاة لأن نعتهم بالتطرف والإرهاب يزعزع ثقة الشعوب فيهم فينفرون منهم بدل الاجتماع حولهم لصد عدوان أعدائهم ففي حقيقة الأمر نجد الدعاة والعلماء متفانين في تخليص بلدانهم من قبضة أعدائهم وهم بمثابة حاجز يحول بين الغرب وبين أطماعه في هذه الدول. فهل حان الوقت لنستيقظ من سباتنا وأحلامنا فإن الغرب لا يقودنا لتحقيق أحلامنا الوردية من رقي وازدهار، بل كيف له ذلك وهو يسرق اللقمة من أفواه أبنائنا ليضعها في أفواه أبنائه؟ بقلم: إلياس بن زايد صاحب شركة الهودج لاستيراد وتصدير الكتب