بعد ثلاثين سنة من الانقطاع التام عن مقاعد الدراسة، حققت المترشحة الحرة نادية سعيدي البالغة من العمر 56 سنة حلم الحصول على شهادة البكالوريا شعبة آداب وفلسفة بمعدل 12.81 وبجدارة واستحقاق بعد أن فشلت في الحصول عليها العام 1985. تقول أكبر مترشحة ناجحة، وهي متزوجة من رجل يمارس تجارة العتاد التقني بحي كشيدة بباتنة أم لأربعة أطفال، ثلاثة ذكور وبنت، حصلوا جميعهم على شهادات جامعية، "في واقع الأمر لم انقطع عن الدراسة يوما فبعد زواجي وإنجابي للأطفال كنت أعد لهم الدروس في المنزل ومع مرور السنوات ألممت بكافة البرامج التعليمية والدراسية من الابتدائي للثانوي، منحني ذلك معرفة دقيقة بالدروس والتمارين، أضف إلى ذلك أني شغوفة بالتعلم وذلك ما منحني قاعدة مقبولة". في واقع الحال ولدت فكرة الترشح ومعاودة الدراسة الرسمية من جديد، العام الفارط بعدما خلا البيت من الأولاد الذين مضوا لحال سبيلهم بعد النجاح الدراسي، "وجراء الفراغ اقترح علي زوجي جمال المشاركة في البكالوريا مترشحة حرة، وحقا لولا تشجيعه ووقوفه إلى جانبي لما كان الأمر قابلا للتحقق فقررت خوض التحدي". تحد لم يكن جديدا على نادية فهي درست اللغة الفرنسية في مؤسسة خاصة بباتنة وحصلت على تصنيف أولى الدفعة، ما يشي بأنها حريصة على التعلم والتفوق، لذا فقد بدأت الإعداد الجيد من خلال المراجعة والتركيز على المواد العلمية مثل الرياضيات والفلسفة توضح "لم يكن لدي مشكلة في المواد الأدبية واللغوية فلدي قاعدة صلبة فيها، فقط كنت أخشى من مادة الرياضيات وهي هاجس ذهني كبير لي منذ وقت طويل، لذا قررت تلقي دروس في مدرسة خاصة وفعلا تمكن الأستاذ المشرف من فك عقدتي وأتاح لي فهم الأساسيات الرياضية قبل أن تأتي جائحة كورونا". بعد توقف المدارس لجأت المترشحة المجتهدة إلى التقنيات الحديثة ووسائل التعلم الافتراضي خلال فترة الحجر الصحي تقول "في فترة الحجر الصحي استعملت اليوتوب لتلقي الدروس في الرياضيات وغيرها، وحقا أستغرب من الأجيال الجديدة عدم الاستفادة من هذه الوسائل التي لم تكن متاحة لنا، لقد صار التعلم والتفوق متاحا للجميع، إلاّ لمن أبىّ". تنوي نادية في أواسط عقدها السادس الانضمام للجامعة، حلمها القديم الذي تأخر لكنه جاء على أي حال راغبا. وفيما تستعد منذ اللحظة للموسم الجامعي المقبل، تعيش أزهى فترات حياتها قائلة "أنا سعيدة جدا لقد أشاع نجاحي الفرح في أوساط أسرتي، وأنا مبتهجة بالفرح الذي رأيته عند زوجي الذي شجعني وعند أولادي، من العادة أن يفرح الأولياء بنجاح أبنائهم، لكن أن يفرح الأبناء لنجاح أمهم فهذا شعور نادر ولا يوصف".