إذا كان البعض من سكان الجنوب يتشوقون مع حلول الصيف لمعانقة الأمواج والاستلقاء تحت رمال الشاطئ الباردة، فإن المئات من المصابين بداء المفاصل عبر ربوع الوطن يطلّقون البحر بما فيه ليرتموا في أحضان الكثبان الرملية التي تشتهر بها منطقة تاغيت ذات الشهرة العالمية قد يتصور الكثير ممن يجهل طبيعة الحياة في الصحراء أن التواجد بها خلال فصل الصيف يعدّ ضربا من المجازفة ظنا منهم أن الحياة تتوقف خلال أشهر الحر. ولا مفر إلا الهروب نحوى الشواطئ و الغابات بينما الحقيقة التي يعيشها أهل الصحراء تثبت عكس هذا الاعتقاد ، فمع حلول شهر جويلية يشد الكثير من المرضى الرحال باتجاه هذه المنطقة وهي الفترة التي تكون فيها الرمال في درجة حرارة قياسية، إذ يجد هؤلاء المرضى في استقبالهم شباب من مختلف الأعمار يقومون بمساعدتهم في حفر حفر بعمق 50 سنتيمتر تقريبا، حيث يقوم المصاب بالروماتيزم بالاستلقاء بتلك الحفرة ويقوم الشاب بردمه بالرمل باستثناء الرأس الذي يستعان لحمايته بشمسية، و يبقى المريض مدة لا تتجاوز ال 15 دقيقة. وتكون الفترة المفضلة لعملية الردم بعد العصر، حيث تعتدل درجة حرارة الرمل حتى يستطيع أن يتحملها المريض. ويحذر الأطباء الراغبين في عملية التداوي بالرمال من خطر هذه العملية على المصابين بالضغط الدموي والقلب وحتى الأمراض التنفسية كالربو مثلا . أما الخروج من تحت الرمال فتحكمه ضوابط لابد للمريض أن يلتزم بها حتى لا تتحول نتائج عملية الردم إلى ظهور مضاعفات على صحته، إذ لابد من التوجه مباشرة إلى مكان به الظل حتى يسترجع أنفاسه ويرتاح من التعب الذي تسببه حرارة الرمال لجسم المريض، حيث يجد في انتظاره بعض المأكولات التي تساعده على استعادة الطاقة المفقودة خلال عملية الردم. وتكون هذه المأكولات عبارة عن حساء الحريرة الذي يحتوي على البهارات والتوابل وهي الأكلة التي تقدمها العائلات التاغيتية لضيوفها من المرضى الذين يجدون كل الترحيب خلال حلولهم بالمنطقة حتى أن الكثير من هؤلاء الوافدين من عدة جهات من الوطن يمكثون لدى بيوت أهالي تاغيت دون الحاجة إلى اللجوء إلى الفنادق والخيم التي يقوم بنصبها قرب الكثيب من يأتون لأول مرة إلى المنطقة ولم يتعرفوا بعد على السكان. إن عملية التداوي برمال الصحراء بقدر ما هي وسيلة علاجية ناجعة بشهادة المختصين - مرة كل سنة في عز الصيف - بقدر ما أصبحت تشكل حسب أهالي تاغيت انتعاشا اقتصاديا واجتماعيا حقيقيا من خلال عثور الشباب البطال على مناصب عمل ولو مؤقتة تربحهم بعض النقود من خلال السهر على راحة المرضى وتقديم لهم الخدمات التي يحتاجونها بتوفير الماء الشروب وتجهيز الحفر الخاصة بالردم إلى جانب تأجير الخيم التي يرتاح فيها المريض. كما تجد بعض المحلات بتاغيت خلال هذه الفترة فرصتها المربحة في ترويج سلعها هذا دون تجاهل ما تشكله هذه المناسبات من تقارب و تعارف بين العائلات الوافدة على المنطقة وسكان تاغيت. فاطمة حاكمي