يؤكد ممثل جبهة البوليساريو في أوروبا والإتحاد الأوروبي أبي بشرايا البشير، أن المغرب دخل حربا خاسرة مع الصحراويين، المتلهفين لمواجهة الاحتلال المغربي، وهم بين أمرين "إما النصر أو الشهادة". ويتحدث الدبلوماسي الصحراوي، عن التطورات الحاصلة في منطقة الكركرات، ويؤكد أن لا معلومات رسمية تفيد بفتح المعبر غير الشعري كما يدعي المغرب، ويدين المتحدث في هذا الحوار مع الشروق، بعثة المينورسو التي تقف لجانب الرباط، ونفس الأمر مع فرنسا وإسبانيا. أسبوع بعد الاعتداء المغربي على المواطنين الصحراويين، في معبر الكركرات، وتحرك الجيش الصحراوي لرد العدوان، كيف يمكن إجمال التطوّرات الحاصلة، ميدانيا وردود الفعل الدولية؟ العنوان الأكبر للتطوّرات الحاصلة منذ خرق المغرب لوقف إطلاق النار هو قرار الشعب الصحراوي تحت لواء ممثله الشرعي والوحيد جبهة البوليساريو بإعلان الكفاح المسلح من جديد ومباشرة القيام بعمليات عسكرية ضد مختلف نقاط تخندق القوات الغازية وراء جدار الذل والعار من المحبس شمالا إلى الكركرات جنوبا. لقد اتخذنا القرار لصد العدوان في إطار الدفاع الشرعي عن النفس، وأيضا لإقناع المغرب ومن يقفون وراءه أننا جادون في قراراتنا وأن عليهم أن يتحمّلوا المسؤولية كاملة إزاء هذا الوضع وما قد ينجر عنه من آثار كارثية على أمن واستقرار المنطقة. لقد نبهنا إلى ذلك مرارا عديدة وأكدنا أن الرهان على الوضع القائم وعلى وقف إطلاق النار كهدف بحد ذاته ينطوي على الكثير من الخطورة وينتج كل أسباب المنزلق بسبب موقف الحكومة المغربية واعتقادها أنها فوق القانون وفوق الشرعية. ردود الفعل الدولية كانت في أغلبها تدعو إلى التهدئة، لكن أود أن أقف عند موقف الاتحاد الإفريقي المعبر عنه من طرف الرئيس الدوري للاتحاد رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا والذي يعكس روح الالتزام الإفريقي كشريك في التسوية من خلال التأكيد على أن استفتاء تقرير المصير هو الصيغة الأوحد لتسوية. نسجل موقف الجزائر، البلد الملاحظ في المسار والحليف التاريخي للشعب الصحراوي التي أكدت الموقف المبدئي الثابت في دعم خيارات الشعب الصحراوي ومرافقته، كما رافقت كل حركات التحرّر في الماضي، في هذه المرحلة الجديدة من كفاحه الوطني. إضافة، بطبيعة الحال، إلى المواقف المشرفة لعديد الدول الصديقة والبرلمانات والهيئات الدولية التي تحمّل المغرب المسؤولية كاملة عن الوضع الحالي وكذا الأممالمتحدة وتقاعسها عن الوفاء بالتزاماته القانونية والأخلاقية تجاه الشعب الصحراوي. هل تستطيع الرباط حقاً الدخول الآن في حرب مع الجمهورية الصحراوية، في ظل الأزمات التي يعيشها المغرب بعد تراجع مداخيل الخزينة إلى مستويات غير مسبوقة بسبب غياب السياحة وآثار الجائحة، والمديونية، والاحتقان السياسي والاجتماعي بالمغرب؟ ما دامت الرباط قد اتخذت قرار إنهاء وقف إطلاق النار، فمن المفروض أن تكون قد حضرت لذلك، اللهم إلا إذا كانت ستعيد إنتاج خطأ سنة 1975 باستصغار بسالة وشجاعة وقدرة الشعب الصحراوي على خوض حرب شاملة من جديدة. وأغلب الظن، ومن خلال التسيير المرتبك للواقع الجديد سياسيا وإعلاميا من طرف الاحتلال، يبدو أن رقما في المعادلة كان غائبا عنهم أو أوحي إليهم من قوى معينة بذلك. ذلك الرقم هو الشعب الصحراوي، جيشه وشبابه المتحرر الآن من كل عقال والمتسابق بلهفة نحو الشهادة أو النصر. للأسف الشديد، الشعب المغربي هو من سيدفع الثمن من جديد، فقد كان يدفعه خلال مرحلة وقف إطلاق النار في شراء ذمم الأشخاص وبعض الدول عبر العالم، والآن يدفعه في تمويل حرب خاسرة ضد الشعب الصحراوي، لتتهاوى مؤشرات التنمية، ويتفاقم العجز وتتضاعف البطالة وتتسع دائرة الفقر للأسف. ما حقيقة فتح ثغرة الكركرات غير الشرعية؟ الثغرة غير شرعية أصلا، وهي خرق للاتفاق العسكري رقم 1 وما قام به المغرب فجر يوم 13 نوفمبر خرق سافر آخر. وما يقوم به اليوم من خلال إقامة حاجز رملي لما يتصوّر أنه سيكون تأمينا للطريق غير الشرعية، هو هدف مشروع، لضربات الجيش الصحراوي، منذ انتهاء العمل باتفاق وقف إطلاق النار. ديناميكية الحرب ستوقف حتما الطريق. باستثناء الدعاية المغربية، لم تعلن موريتانيا رسمياً بعد عن فتح الثغرة، وبالتالي فهل ما جرى يمكن توصيفه أنه مجرد دعاية مغربية لا غير، خاصة في ظل منع الرباط دخول وسائل إعلام أجنبية والوصول لمنفذ الكركرات غير الشرعي؟ بطبيعة الحال ما يصل إلى حد الساعة هو الدعاية المغربية التي تحاول إخفاء شمس الحرب بغربال بعض التقارير الصغيرة غير الاحترافية التي تعبر عن فساد ولا مهنية الإعلام المغربي أكثر من شيء آخر. أغلبية وسائل الإعلام الدولية ممنوعة، وليست لدينا إطلاقا معلومات رسمية عن إعادة فتح الطريق. من المعروف أن رأس المال جبان، وهذه نظرية مثبتة منذ الأزل، هل تعتقد أن هنالك إمكانية لمخاطرة الشركات بإرسال شاحناتها وبضائعها إلى منطقة أقل ما يقال عنها إنها "متوترة" وقد تشهد مواجهات في أي لحظة؟ نحن في واقع الحرب الآن، وأي نشاط اقتصادي أجنبي في الصحراء الغربية سيكون مساهمة مباشرة في تمويل الحرب على الشعب الصحراوي. وبالتأكيد مع تطوّر مسار المواجهات العسكرية، الحرب ستلقي بظلالها على اقتصاد المنطقة والمستثمرون سيراجعون الكثير من حساباتهم. قبل وقف إطلاق النار كان فقط إشكال الإطار القانوني وعدم شرعية الأنشطة الاقتصادية الأجنبية في الصحراء الغربية المحتلة، الآن أصبح هناك إشكال حقيقي متعلق بالإطار الأمني للأنشطة. تصوّر معي مثلا ما هو موقف شركات الطيران التي ستحلق في أجواء حرب وتأثيرات ذلك على أمن وسلامة الركاب. تم التركيز من طرف المغرب سواء عبر سياسييه أو إعلامييه، على مسألة أن غلق المنفذ من الصحراويين، قد أضر بموريتانيا، هل تريد البوليساريو إلحاق أي ضرر بموريتانيا؟ بالتأكيد لا. موريتانيا بلد يعترف بالجمهورية الصحراوية ولدينا علاقات ثنائية ممتازة وروابطنا الثقافية والتاريخية مع الشعب الموريتاني معروفة ومتأصلة. الموقف الغالب لدى النخب الموريتانية هو تأييد الشعب الصحراوي ومشاطرتنا موقف الرفض للاحتلال والأمر الواقع وتفهم مشروعية أي خطوة نقوم بها داخل ترابنا الوطني. بما أن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب قد خرجت رسمياً من اتفاق وقف إطلاق النار، والمرحلة القادمة هي مرحلة طول النفس، هل كل الأهداف باتت مشروعة؟ بالتأكيد، وكما أكدت الحكومة الصحراوية كل الأهداف التي لها علاقة بالاحتلال كواقع تبقى أهدافا مشروعة، دائما في إطار الحفاظ على نفس مبادئ ومقتضيات القانون الدولي المؤطرة لحروب التحرير الوطنية المشروعة التي حافظنا عليها خلال المرحلة الأولى من الكفاح المسلح سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. هل هناك عوامل حسم غير الكفاح المسلح؟ في جوهر أي نزاع، الصراع من أجل ترجيح موازين القوة لصالحك هو الهدف الرئيس. نحن الآن نوجد في وضعية مشابهة لسنة 1975 حين كانت موازين القوة في صالح المغرب بشكل كبير، وقد تطلب منا الأمر صمودا أسطوريا ومقاومة مسلحة شرسة حتى غيرنا موازين القوة لصالحنا عسكريا، ما أجبر المغرب على التسليم بالحق في تقرير المصير. بعد ثلاثين سنة من مسار التسوية المتعثر، المغرب نجح في ربح معادلة موازين القوة من جديد بسبب الدعم الأعمى من طرف قوى دولية وتمكينه للأمر الواقع في الصحراء الغربية المحتلة وهو ما ظهر في الانحراف المسجل على مستوى تعامل المجلس مع النزاع. كان من الضروري جدا، مباشرة مجهود كبير لتصحيح الخلل المسجل في موازين القوة الحالية بيننا ودولة الاحتلال، وكحركة تحرير وطنية ليس هناك من سبيل إلا العمل العسكري، فيما عدا ذلك يساعد المغرب على الاستمرار في تعزيز قوته والدفع بالمسار إلى المزيد من الانحراف. بعض التسريبات، تقول إن الأممالمتحدة، تكثف مباحثاتها مع أعضاء ما يسمى "مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية"، تركز أساسا على إسبانيا وفرنسا وروسيا، وبدرجة أقل مع بريطانيا والولايات المتحدة بسبب أوضاعهما الداخلية، لإيجاد تسوية، هل يمكن لهذا التحرّك أن ينهي الاضطراب الحاصل؟ أعتقد أن وقت التدارك قد انتهى، ولم يتم استغلاله من طرف مجلس الأمن الدولي تحديدا لتجنيب المنطقة ويلات الحرب من خلال التجاوب بالجدية المطلوبة مع مطالبنا وتحذيراتنا المتكررة التي لم يتم أخذها على محمل الجد. أما وقد قرّر المغرب إنهاء وقف إطلاق النار، فالمرحلة تأخذ عنوانا جديدا وتطوّرات الكفاح المسلح هي التي ستحدّد مآلات الأمور تماما كما حددته نهاية الثمانينيات من خلال إجبار المغرب على التسليم بحقنا في الحرية وتقرير المصير بعد طول عناد لمدة 16 سنة. وفي جميع الأحوال فقواعد اللعبة قد تغيّرت بشكل راديكالي بالمقارنة مع ما قبل 13 نوفمبر وعلى العالم أن يُفهم المغرب أن عليه تحمّل تبعات تصرفاته الخرقاء. بطبيعة الحال، المرحلة الجديدة نخوضها في نفس السياق العام لكفاحنا التحرري الذي تؤطره مبادئ ومقتضيات القانون الدولي الواضحة بالنسبة للجميع. وماذا عن انخراط إسبانيا في دعم مساعي الأممالمتحدة بصفتها السابقة كدولة مستعمرة للصحراء، وحثها على تعيين مبعوث خاص، واقتراح أسماء في هذا الصدد، إضافة إلى تركيز المباحثات مع فرنسا الحليف القوي للمغرب، هل وساطات مدريدوباريس مع مسؤولياتهما، في تمديد عمر القضية الصحراوية، من شأنه ثني البوليساريو على وقف عملياتها ضد المغرب، أم أنهما طرفان غير مؤهلين؟ أيا من البلدين لا يمتلك أي مصداقية لدى الطرف الصحراوي، وحين يعربان عن القلق الشديد ويقومان بجهود حثيثة لاحتواء الأمر، فبالتأكيد ليس لمصلحة الشعب الصحراوي. للأسف الشديد، إسبانيا وبسبب علاقاتها التاريخية مع الإقليم والشعب وتعاطف جميع الشعوب الاسبانية مع القضية الصحراوية، وربما حتى من زاوية حساب مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، كانت تملك كل الأسباب لتلعب دورا أكثر إيجابية في الحل، لكنها اختارت الرضوخ الدائم لابتزاز المغرب كمحدّد رئيس في تحديد موقفها من النزاع بل وحتى سياستها في المنطقة. أما فرنسا، فحدث ولا حرج، فهي السبب الجوهري الكامن وراء غطرسة المغرب من خلال الشيك على البياض الذي تمنحه باريس له في مجلس الأمن الدولي وفي الاتحاد الأوروبي. الحديث يتم عن زيارة للأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش إلى المنطقة لتقريب وجهات النظر لاحتواء الحرب، هل مازال الرهان حقا على الأممالمتحدة؟ ليست لدينا معلومات رسمية حول هذا الموضوع لكن، بشكل مسبق، قد لا يكون من المفيد قدوم الطبيب إلى غرفة الميت بعد وفاته، خاصة إذا كان قد صمّ آذانه عن نداءات الاستغاثة طيلة صراعه مع المرض. بالعكس مجيئه، قد يكون كما يقول المثل الغربي، نوعا من ذر الملح على فمّ الجرح. الكثير من اللوم يقع على بعثة المينورسو، التي تحوّلت بحسب المتابعين إلى شرطي لتنظيم عبور السلع المغربية عبر منفذ الكركرات غير الشرعي، هل الأمر يتطلب هيكلة جديدة لآلية عمل المينورسو، أم تعيين مبعوث أممي جديد؟ هيكلة المينورسو أو تعيين مبعوث شخصي لم تعد تنتمي لمتطلبات المرحلة الجديدة. هناك واقع جديد يتجاوز المينورسو ويتجاوز المبعوث الشخصي. المينورسو كانت إما شرطة مرور أو فريقا غير عادل لإطفاء الحرائق. فكلما شبّ حريق يمسّ مصالح المغرب سارعت إلى السعي باستماتة لإطفائه أما النيران المشتعلة والتي يحترق بها الشعب الصحراوي، فتلك كانت، خلال ال30 سنة ماضية، خارج خارطة عمل فريق الإطفاء هذا. 30 سنة كانت كافية لتسوية النزاع على أساس المخطط الأصلي المتفق عليه، وهي أيضا كافية لتأكيد القناعة لدى الشعب الصحراوي بأن ذلك الطريق، في النهاية، لم يكن الأنسب للحصول على حقوقنا. نعرف الطريق الأنسب فعلا، وقد تم الشروع فيه منذ 13 نوفمبر، وقد نكون على موعد بتدخل أممي في مرحلة ما لكن في ظل معطيات جديدة ومختلفة تماما عن الوضعية الحالية، تكون قد عادت الأمور إلى نصابها الطبيعي ما قبل 1991. لكن لا أتصور، أبدا، أن وقف إطلاق النار سيكون مطروحا كخيار، فالمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين. بعدما وظفته القوى الدولية الكبرى لصالحها لتبرير حروبها وحماية مصالحها، وتحديداً فرنسا والأعضاء الخمسة الدائمين، الآن يبدو أن دور مجلس الأمن الدولي قد انتهى، فهو لم يعد يضمن مصالح الكبار وبالتالي أضحى كالمنديل الذي يجب التخلص منه، هل تعتقدون أنه أكبر متسبب في تعميق وإطالة عمر مأساة الصحراويين؟ الأممالمتحدة عموما، ولكن تحديدا مجلس الأمن الدولي بحاجة إلى عملية إصلاح عميقة، فهو لا يعكس المتغيرات الحاصلة في العالم ولا طموحات البشرية ولا حتى موازين القوة المتجددة. الرئيس الفرنسي أكد ذلك، وربما كان بطريقة غير مباشرة يحمل المجلس مسؤوليته في ما آلت إليه أوضاع الأمن والسلام الدوليين ومنها ما يتعلق بالنزاع في الصحراء الغربية. المجلس، وهذا محل انتقاد من طرف غالبية الأعضاء، أرسى تقاليد غير ديمقراطية في التعامل مع القضية، وهو ما أنتج انحراف المسار عن سكته الأصلية وأدى إلى انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الحالي. مازال لكم أمل والتعويل على الأممالمتحدة أو مجلس الأمن أو أي دور لهذه الهيئة، والرئيس يدق آخر مسمار في نعش مجلس الأمن الدولي ومن خلفه الأممالمتحدة؟ الأممالمتحدة مهما كان تبقى هي الوجه الأبرز للنظام الدولي المتعدد الأطراف وحاضنة القانون والشرعية الدوليين. لقد فشلت بشكل مدو في مهمتها الحالية بسبب رضوخها لإملاءات الرباط وضغوط فرنسا وأطراف دولية أخرى، ولكي تستعيد ثقة الشعب الصحراوي المفقودة، عليها أن تقوم بالكثير من الأمور، قد لا تكون مستعدة للقيام بها الآن، لكن للحرب منطقها وتأثيرها على موازين القوة التي تنتج الحل في النهاية والذي لا يمكن أن يكون إلا تكريس سيادتنا على كامل ترابنا الوطني. الحق بجانبنا، والإرادة والإقدام والاستمرارية عوامل ستحدد الفارق بيننا والجيش الغازي.