صورةٌ مخزية تلك التي ظهر فيها سعد الدّين العثماني رئيس الحكومة المغربية ورئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وسقوط مدوِّ لهذا الحزب الذي أسسه المقاوم عبد الكريم الخطيب، لأن مبادئ وأدبيات الحزب كانت دوما تعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزية، بل إنّ العثماني نفسه قال في مقال منشور في العدد 39 من مجلة الفرقان "إن التطبيع معبرٌ للاختراق الصهيوني للعالم الإسلامي والعربي، وهو معركة شرسة ضد الهوية والذاتية والوجدان". فما الذي حدث حتى يتحول حزبٌ إسلامي معروف برفضه للتّطبيع وتعاطفه مع الفلسطينيين إلى أداةٍ للتطبيع مع الكيان الصهيوني؟ وهل يعلم سعد الدين العثماني ومن معه في هذا الحزب، أنهم بتوقيع اتفاق التطبيع قد وقّعوا شهادة وفاتهم؟ وما هي الورقة التي بيد الملك محمد السادس حتى استطاع أن يستدرج الإسلاميين ويورّطهم في توقيع اتفاق التّطبيع الذي طالما ناضلوا ضده ورفعوا الشعارات المعادية للكيان الصهيوني، والتي تعتبر أي تعاون أو علاقات معهم تفريطاً في المقدسات وخيانةً للأمة؟ عندما تُبادر إمارة عربية بلا تاريخ ولا شعب إلى الخيانة والهرولة، فهو أمرٌ يمكن تفهمه، لكن عندما يحدث التّطبيع من بلدٍ أنجب أمثال الأمير عبد الكريم الخطابي والسّلطان محمد الخامس، فإن الأمر قاسٍ جدا، خاصة مع تلك الصّور المخزية لسعد الدين العثماني وهو يقف إلى جانب الشّاب الأمريكي "جاريد كوشنر" ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي "مئير بن شبات". ولا يوجد تفسيرٌ آخر للدّفع بالعثماني إلى توقيع اتفاق التّطبيع مع الصهاينة غير الإمعان في الإذلال، لأن الأعراف الدبلوماسية تقتضي أن يكون التّمثيل متوازيا أثناء عملية التوقيع، لكن الذي حدث أنّ المغرب دفعت برئيس الحكومة إلى التوقيع، بينما أرسل الكيان الصهيوني مستشار الأمن القومي. أما ما يشدّ الأنفاسَ فعلا فهي الطريقة التي حاول العثماني أن يبرّر بها الخيانة، حاله كحال العاهرة التي تبرّر بيع شرفها بتوفير لقمة العيش. وهي النّقطة التي أثارت حفيظة الفلسطينيين حين قال "رأفت مُرَّة" رئيس الدائرة الإعلامية في حركة المقاومة الإسلامية حماس "إنه من المؤلم والمعيب، أن نرى قوى وحركاتٍ إسلامية، تحاول تبرير عملية التطبيع، وتظهر علناً في لقاءات مشتركة مع الاحتلال، وتوقّع اتفاقيات مع الكيان الصهيوني… إن تبرير التطبيع مع الاحتلال جريمة أخلاقية وسقوط سياسي وهشاشة فكرية وانحرافٌ عن المبادئ والقيم الإسلامية". هي صفحة سوداء في تاريخ المنطقة وصفقة مخزية تورّط فيها جارُنا الملك، ولكي يحقق مبتغاه في مظاهرة الصّهاينة والاستقواء بهم على الجزائر، دفع بالإسلاميين إلى التوقيع عليها، لكن المغاربة أنفسهم يعرفون مصير العملاء المحتوم؛ فقد سبق للسلطات الفرنسية في عهد الحماية على المغرب أن جاءت بواحد من الشيوخ ونصّبته ملكا للمغرب خلفا لمحمد الخامس الذي تم إبعادُه ونفيه، لكن الشّعب المغربي تحرّك بقوة وأعاد الملك محمد الخامس إلى منصبه بعد سنتين، بينما مضى الملك العميل "محمد بن عرفة" إلى مزبلة التاريخ.