سمعنا قبل أيام طلقة بارود شاردة دوّت في الفضاء الأزرق… عصابة البكالوريا المختصة في تسريب مواضيع الامتحانات تتحوّر في دورة "كورونا" بوهران إلى تنظيم عصابي مستجد، يبيع حلول الباك النموذجية "ساخنة" لمن يمتلك ثمن هذه الشهادة وكلمة المرور إلى قلاعه، هناك أين تتحصّن رؤوس شبكة يتزعمها مديرو متوسطات ومسؤولون آخرون، يؤكد مُفجِّر هذه الفضيحة على أن لهم سوابق في إدارة مفاتيح الإنجاح بعاصمة غرب البلاد بامتياز، بل ويحتمون منذ سنوات في محمية اللاعقاب واللا مِساس التي تحكمها جهات نافذة. "فضيحة القرن"… هكذا عنوَن مسرِّب هذا الملف الخطير جدا منشوره الذي تم تداوله قبل أسبوعين على الفايسبوك ثم اختفى.. وعن الخطوط العريضة التي جاءت فيه، قال إن الواقعة التي كسرت سكونه وشحذت سكاكين لسانه، تعود إلى بكالوريا دورة سبتمبر 2020، بطلها رئيس مركز إجراء بوهران، لكن في مركز تجميع أوراق المترشحين بولاية غليزان، وقع انفجار كبير سرعان ما تم احتواء شظاياه، لتردم في خانة "سري للغاية" واعتبار القضية "شأنا داخليا" حسب ما أشار إليه صاحب المنشور دائما. "حاميها حراميها".. يعود إلى "باك 2020" بصفقة الموسم المعلومات التي بلغت "الشروق" من مصادر مؤكدة أخرى، تتحدث عن إقدام مهندس هذه العصابة وهو مدير متوسطة، على عقد صفقة بقيمة 300 مليون سنتيم مع أحد أولياء الأمور، في مقابل إنجاح ابنه في الدورة الأخيرة للبكالوريا، وهو مترشح من شعبة تسيير واقتصاد في قائمة الأحرار، لتُطبَخ بعدها الخطة الكاملة "لإنجاح الإنجاح"، ويوجَّه صاحبها بطريقة مثيرة للشبهة هي الأخرى لرئاسة مركز الإجراء، أين يمتحن المترشح المذكور. وعن موعد التنفيذ، يقدم صاحب المنشور تفاصيل صادمة، يتحدث فيها عن مؤسسة كاملة ومتكاملة للغش والتزوير كانت تعمل لصالح ابن صاحب "الشكارة"، حيث كان رئيس المركز يتكفل عند كل مادة كان يمتحن فيها المترشح VIP بتغيير ورقة إجابته بأخرى مغشوشة، وهذا بالاتفاق والتنسيق مع بعض أعضاء أمانته وجنود خفاء آخرين لضمان "السير الحسن" للتغشيش دون تشويش ولا تهويش، وفي المقابل كانت هناك مخابر سرية لصناعة الأجوبة النموذجية من أهل الاختصاص، وخلية نحل أخرى لتقليد الإمضاءات وإطلاق العنان لمواهب التزوير واستعمال المزور في كل شيء له علاقة بتلك الصفقة، بما جعل هذه الشبكة تنجح إلى حد كبير في تجسيد مخططها وتشعر بالانتشاء إلى أن ارتكبت الخطأ… السقطة التي أفسدت اللقطة… "لا توجد جريمة كاملة" تقول ذات المصادر إنه على مستوى مركز تجميع أوراق البكالوريا بولاية غليزان، تم في أحد اللجان اكتشاف ورقتي إجابة لتلميذ واحد، واختفاء ورقة إجابة لتلميذة حاضرة، ما أدخل المركز في حالة استنفار ويطالب بتوضيحات… ومن هنا تحرّك التحقيق لفك هذا اللغز، وعلى ضوء نتائجه فُكِّكت جميع خيوط اللعبة المتشابكة… حيث أثبتت التحريات أنه في آخر يوم من الدورة، وتحديدا في امتحان مادة الفلسفة، وبدلا من سحب ورقة المترشح المذكور وتمزيقها لتعويضها بورقة الإجابة المغشوشة كما فُعل بإجاباته في باقي المواد، تم عن طريق الخطأ نزع ورقة تلميذة، ليصبح للأول ورقتين، فيما وقعت الثانية ضحية هذا الأخير ومن معه، برصيد أوراق إجابة ناقص واحدة في نظر المركز… ما يعني الرسوب الحتمي إلا في حال ثبوت العكس أو حدوث " معجزة "… لكن هنا تحديدا، وبعد التوسع في التحقيق ليشمل باقي أوراق إجابة التلميذ المشتبه فيه، اتضح أن كافة أوراق إجاباته التي بحوزة ديوان الامتحانات والمسابقات مزورة، مع تزوير توقيعات الأساتذة الحراس عليها، وعندها تم التيقن أن اللعبة أكبر من مجرد حالة غش لمترشح مبتدئ أو بسيط في "الكوبيياج"، ليتفرقع بالون رئيس المركز وحاشيته، ومعهم أيضا صفقة ال 300 مليون في لمح البصر!! . رتبة أستاذ "عقوبة" لمدير فاسد.. يا لجنة كيف تحكمين؟! لماذا تُفجَّر هذه القنبلة الآن بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على تفكيك مُفاعِلها؟!!.. ذات التسريبات تشير إلى أن فصول هذه الجريمة لم تتوقف عند هذا الحد ولا مع هؤلاء الأشخاص.. فرئيس المركز وشركاؤه في الممارسات لا زالوا يحظون بشرف البقاء في مهنة التربية والتعليم… وبدلا من إحالة ملفهم على العدالة، كما تم مع متورطين في فضيحة التسريبات التي شهدتها دورة سابقة لينظر القضاء في أمرهم بموجب الأحكام الجديدة التي يتضمنها القانون الصادر في 28 أبريل 2020 المعدل لقانون العقوبات، والإقرار بتنزيل أقصى العقوبات الإدارية في حقهم عند إحالتهم على اللجنة متساوية الأعضاء لمديري الطور المتوسط، فقد تم على هذا المستوى الاكتفاء بتنزيل رتبة كبيرهم في الفساد من مدير متوسطة إلى أستاذ، فيما تقرر في حق شريكيه المديرين تحويلهما لشغل نفس المنصب في مؤسستين أخريين، وكذلك أيّدت لجنة الطعون الولائية عند معالجتها للملف نهاية الأسبوع ما قبل الماضي، قرار لجنة مديرية التربية، وثبَّتت في حقهم تلك العقوبات التي توصف بالمخففة جدا والغريبة، رغم وجود إثباتات وأدلة مادية تؤكد على ارتكاب هؤلاء كل حسب دوره، جريمة التزوير واستعمال المزوِّر في أوراق امتحان رسمي ومصيري، وأيضا تقليد إمضاءات شخصية ورسمية لأشخاص آخرين، لكنها رغم ذلك تبقى دليل اعتراف صريح بالإدانة، وبأن خيط الدخان الذي أطلقته تلك التسريبات لم يكن دون نار، ليثار بالموازاة استنكار العارفين بخبايا هذا الملف ومن بلغهم لاحقا صدى الفرقعة الفايسبوكية ليشق عنان السماء. أما مفجِّر الفضيحة الذي دعا لحالة تأهب قصوى ضد من طالت أياديهم الشهادة الوحيدة، التي كان يأمل أبناء الشعب أن تبقى ترصع جبين من يستحقها بمعيار الكفاءة ودون تمييز بين فقير وغني، فقد تحدث عن مخططات أخرى لما أسماها بعصابة أشرار منظمة، قال إن أغلبها مكوّن من مدراء متوسطات معروفين بالصيد في المياه العكرة باسم نقابات في القطاع، وأنها تحظى بدعم وإسناد من داخل مديرية التربية، حيث حذّر في سياق الملف من مؤامرة أخرى قال إنها تحبك حاليا في محاولة للتقزيم من هول الفضيحة، واعتبارها مجرد فعل معزول، مع بدء السعي والتخطيط لعقد صفقة مع الوافد الجديد على رأس القطاع بوهران، من أجل وأد القضية ولا تقوم للتحقيق ولا للمتابعة القضائية قائمة ضد من هم في الواجهة ومن هم خلفها، مشيرا أيضا إلى أن تخفيف العقوبة عن من ضبطوا متلبسين بالجرم المشهود في البكالوريا الأخيرة وراءه زملائهم من مديرين يعملون منذ سنوات بذات الطريقة، وبالتواطؤ مع نافذين بالقطاع، ممن يتولون تعيينهم في مراكز امتحانات محددة لتمهيد الطريق لهم لإنجاح أبناء الأثرياء وغيرهم في مقابل المال الفاسد وامتيازات أخرى.. الكنابست تتفاعل.. تطالب بالتحقيق.. وب "دم" الضحية من جهته، صرّح صلاح الدين بوسماحة، المنسق الولائي لتنظيم كنابست لوهران في اتصاله ب "الشروق" حال انفجار الفضيحة، أن نقابته تطالب بتحريك تحقيق جاد، دقيق وعميق للكشف عن ملابسات تلك الحادثة التي وصفها بالخطيرة جدا بناء على ما تم تداوله من معطيات من طرف صاحب المنشور إيّاه، وأيضا للإجابة عن مدى صحة الفرضية التي تطرق إليها هذا الأخير، عن وجود شبكة منظمة تعمل بوهران منذ سنوات بنفس الطريقة، مع تأكيده بخصوص رئيس المركز المذكور وشركائه على محاسبتهم وضربهم ومخططاتهم بيد من حديد كل حسب مسؤولياته حتى يكونوا عبرة لأمثالهم، خاصة أن هؤلاء تمت إدانتهم من طرف المجلس التأديبي، ثم تم تثبيت عقوبتهم على مستوى لجنة الطعن الولائية، داعيا في المقابل مديرية التربية لولاية وهران، الديوان الجهوي وكذا الوطني للامتحانات والمسابقات، إلى جانب وزارة التربية الوطنية لتقديم كامل التوضيحات بشأن هذه القضية، وتنوير الرأي العام بحيثياتها والأبعاد التي أخذتها خلال الدورة وبعدها، مع التصريح بالكيفية التي تم التعاطي بها مع هذا الملف من طرف كل جهة، لاسيما في الشق الخاص بالإجراءات القانونية اللازم اتخاذها ضد هؤلاء. طعنة جديدة في الظهر توجع مجددا مصداقية البكالوريا ومع استذكار مآسي القطاع مع هكذا أشكال محسوبين عليه، اعتبرت النقابة الضربة الأخيرة طعنة جديدة غادرة سوف لن يمررها الكنابست مرور الكرام مع جماعة اللئام، لاسيما أن الأمر حسبها يتعلق بالمساس بقدسية وهيبة شهادة رسمية وامتحان مصيري، وأيضا بسمعة قطاع حساس، مشيرة إلى أن الخطة كان لها لو استكملت أشواطها وفق ما دبِّر لها في السر، أن يمتد فيها الغش من أوراق الامتحان إلى نتائجه، ثم الغش في ترتيب التوجيه الجامعي، إلى تخريج إطار جامعي مزيف " بشكل رسمي". ذات المسؤول النقابي تساءل باستغراب أيضا عن الخلفيات التي جعلت مديرية التربية لوهران وديوان الامتحانات بكل ما لديهما من سلطة وصلاحيات وإلمام بتفاصيل الموضوع منذ شهور، يلتزمان الصمت ويخفيان هذه الفضيحة، رغم ثقلها وخطورتها، وبالشكل الذي لا تأخذ فيه التحريات بالنهاية الأبعاد التي كان يفترض أن تصل إليها، مثلما تأسّف حيال ما وصفه بالتناقض والازدواجية في خطاب الوصاية وسياسة اللاعقاب المحجوزة للبعض على أرض الواقع، في مقابل تلقي المشاهد يوميا عبر الإعلام بيانات وزارة التربية الوطنية عن عدد المقصيين من الامتحانات الرسمية بسبب الغش وحتى بداعي التأخر لخمس دقائق أو أقل تحت مسمى الصرامة في تنفيذ الإجراءات التنظيمية لإضفاء الشفافية وإعطاء المصداقية لشهادة البكالوريا، متسائلا ما جدوى كل هذه التدابير المعلنة، بينما في الخفاء هناك خفافيش تبيع وتسوِّق النجاح والشهادات العلمية إلى أصحاب الحظ " الثمين جدا " وعلى طبق جاهز دون ضغوط، ولا تفلسف مصححين ولا أيضا أكل همّ »السيسبانس« عشية الإعلان عن النتائج، ما دامت مفاتيح النجاح ليست في الحوليات، وطلب العلا ما عاد في سهر الليالي، بل في قبضة العصابة وبيّاعي البكالوريا وغيره من الشهادات العلمية بالنسبة للبعض. التلميذة التي مُزِّقت ورقتها.. كبش فداء أم تم إنجاحها اضطرارا؟ وفي شقّ لا يقل أهمية عمّا عرفته تلك الحادثة من تداعيات خطيرة… سؤال يطرح نفسه بإلحاح.. من هذه "الذبيحة" التي تُساق لها ورقة بيضاء فاقع لونها، ومن فوقها شية من حبر كذِب، لتنطق باسم "قاتلها"، وتفضح الفعل والفاعل والمفعول به ولأجله، وما بينهما من حروف نصب وجر؟؟.. وللرد على هذا السؤال، يطالب مكتب كنابست لولاية وهران كافة المسؤولين بالكشف عن مصير التلميذة التي مُزِّقت ورقة إجابتها، متسائلا عمّا إذا وقعت ضحية أم سُوّيت وضعيتها؟؟… وفي حال كان لها ذلك، يضيف مستغربا: هل تمت التسوية بصفة قانونية، أم بطريقة ملتوية عن طريق التزوير مجددا، وإصلاح الفضيحة بفضيحة أخرى؟.. وإن حدث هذا – يعلّق بوسماحة – أن ذلك معناه "وجود تواطؤ من أطراف عديدة في سبيل الإفلات من العقاب، بما يتوجب إماطة اللثام عن كافة هذه الجوانب بشكل نهائي ليس بعده شك ولا تأويل". وفي أول تصريح إعلامي لمديرية التربية لولاية وهران في هذه القضية، أكد عبد القادر أوبلعيد، الوافد الجديد على رأس القطاع ل "الشروق" الثلاثاء، على أن سابقه كان قد أطلعه في يوم تسليمه للمهام قبل أكثر من أسبوعين، بوجود ملف يتعلق بحادثة تزوير تعود إلى بكالوريا دورة 2020، ومتورط فيها مؤطرون من موظفي القطاع في أحد مراكز الإجراء، لكن دون موافاته بالتفاصيل، باستثناء حديثه عن اتخاذه الإجراءات الإدارية والقانونية التي انتهت بإصدار عقوبات إدارية في حقهم أمام لجنة المديرية، وأنه كان في تلك الفترة مطروحا على مستوى لجنة الطعون الولائية للبت فيه بصفة نهائية، لكنه أضاف أن القضية تم التطرق إليها فقط صباح الثلاثاء في اجتماعه برؤساء مصالح المديرية، في الشق المتعلق بالمصير الذي آلت إليه بعد الطعن، مؤكدا في المقابل، وبناء على معطيات جديدة، على أنه سيتابع شخصيا هذا الملف، وسيعيد فتحه من جديد للتحقيق فيه من زاوية أخرى، لاسيما وسط الحديث عن عمليات تزوير، متعهدا من جهته، وبعد استنفاد سابقه الإجراءات الإدارية بقرار لجنة الطعون غير القابلة للطعن، باتخاذه كافة الإجراءات القانونية، بما فيها إحالة الملف على الجهات القضائية عند الاقتضاء حتى ينال من أخطأ جزاءه المستحق، وقال أيضا أن الأيام القادمة سوف تفرز الجديد بشأن هذا الموضوع وسيتم الإعلان عنه في حينه عبر وسائل الإعلام، فيما أوضح أن القضية طبقا لما بلغه عنها كان قد بلّغ عنها الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات بعد إعلامه بمركز التجميع بولاية غليزان عن حيثياتها وتفاصيلها، ليسارع بدوره إلى تحريك مديرية التربية لوهران لاتخاذ التدابير اللازمة وفق الصلاحيات المنوطة بها. وفي هذا السياق، اتصلنا بالمدير الجهوي للامتحانات والمسابقات بوهران مواليد عبد القادر، لكنه صرح بأن هيئته ممنوعة من الإدلاء بأي تصريحات إلى وسائل الإعلام إلا بترخيص من المدير العام للديوان الوطني الذي قال أن سريع الاستجابة، وعليه أودعنا طلبا رسميا بذلك بتاريخ 10 فيفري 2021، لكننا لم نتلق أي رد لحد كتابة هذه السطور.