تخلت بعض العائلات الجزائرية عن عادة ربط "الحنة" للعروسين ليلة الزفاف، ومنهم من أقلع عنها تماما رغم أنها تنبع من تقاليد الوطن و موروثاته الثقافية التي تطبع مجتمعنا، خوفا من أن تصبح نقمة عليهما. وللتعرف أكثر على خلفيات هذا النفور والتراجع، تقربت "الشروق اليومي" من بعض العائلات الجزائرية. الحاجّة "فاطمة" واحدة من الأمهات الجزائريات التي تقطن بالمرادية، ورغم أنها متفتحة على الموضة والحداثة، إلا أنها متشبثة جدا بالعادات والتقاليد "الحرة" للعاصميّين التي اكتسبتها من حي القصبة حيث ترعرعت، إذ قررت عدم ربط الحناء لأصغر بناتها التي سوف تُزفُّ هذا الصّيف، وهي التي حرصت دائما على ربط الحناء لبناتها الثلاث الأكبر سنّا "حياة"، "نسيمه" و"جميلة" قائلة "لقد اتّعظت من آخر زفاف أقمته لابنتي "جميلة" التي تعرضت للسحر ليلة ربط الحناء. حيث اختفت قطعة القماش و القطن التي استعملتها في يدها لربط الحناء، الأمر الذي حذرتني منه بعض النسوة بوجوب العثور عليه واسترجاعه لان هذا يمكن أن يؤذي العروس، إلا أنني لم آخذ الأمر بجدية واعتبرته خرافة. وبعد سبعة أيام من الزفاف تمرض ابنتي لتصاب بحالة من الفشل والإغماء في كل مرة إلى أن لازمت الفراش، عرضتها على الطبيب الذي طلب إجراء بعض التحاليل و الفحوصات التي أظهرت عدم إصابتها بأي مرض و أن كل التحاليل جيدة، عندها عادت بي الذاكرة إلى نصائح النسوة بخصوص قماش الحناء الضائع وانتابني إحساس غريب بالذنب وسارعتُ إلى المسجد حاملة قارورات من الماء و طلبتُ من الإخوة هناك الرقية، فما إن شربته ابنتي حتى بدأت تسترجع أنفاسها، غير أن ملامح التّعب بقيت بادية على وجهها ولم تتعاف كليا مما ألزمني البحث عن راق شرعي وخبير بهذه الأمور حيث قام بتلاوة آيات من القران الكريم مع تقديم قارورة من الزيت لتدهن بها على جسدها في كل مرة، إضافة إلى ماء الرقية الذي تشربه. وكانت النتائج مذهلة حيث عادت جميلة إلى حياتها الطبيعية"، تقول الحاجة فاطمة وهي تداعب حفيدها مضيفة أن جميلة الآن على أحسن حال وهي أم لطفلين، "لكن لن أسامح أبدا من أوشكوا على حرماني من فلذة كبدي التي كادت أن تضيع من بين يدي بسبب الحناء" . ربطت حناء زفافها فحرمت من الأولاد فيما تروي إحدى الفتيات قصة أُمّها التي دفن احدهم مربط حناء زفافها تحت تربة شجرة ليمون لا تلد ومن حسن الحظ أن الشجرة كانت تثمر ليمونة واحدة كل سنة، فرُزقت السيدة طفلة واحدة لا غير رغم أنها حاولت مرارا التداوي بكل الطرق التي لم تجد أي منها نفعا إلى أن زارت ذات مرة إحدى العرافات بالمغرب، هذه الأخيرة التي وصفت لها مسكنها ومكان وجود الشجرة التي دُفن تحتها مربط الحناء. ولدى رجوعها إلى الجزائر تنقلت السيدة إلى عين المكان للتأكد من صحة تكهنات العرافة المغربية لتجد مربط حنائها مدفونا تحت تربة الشجرة إياها، لكن جاء هذا متأخرا لأنها أصبحت مسنة ولا تستطيع الإنجاب . "صبيحة" هي الأخرى لها قصة مع الحناء، فهي سيدة في العقد الخامس من عمرها تزوجت في سن مبكرة وبطريقة تقليدية، لم يكن زوجها يملك عملا مستقرا الأمر الذي جعلها تعمل بنصيحة حماتها التي طلبت منها أن تقدم لها مربط الحناء بعد أن تخلعه لترجعه إليها بعد لحظات وتطلب منها حرقه في الغرفة لان هذا قد يساعد زوجها - بحسب اعتقادها - على الحصول على عمل، تقول صبيحة "طبقت ما طلبت مني بالحرف الواحد ودون مناقشتها خاصة وان زوجي لم يعارض إلا أن والدتي عاتبتني بشدة لدى زيارتها لي في ثاني يوم وقالت أن هذا الأمر قد يسيء الينا، وفعلا أساء لأنني وبعد فترة وجيزة تم الطلاق ولم يمض على زواجنا سوى ثلاثة أشهر "،تضيف،"تقدم الكثير لخطبتي بعدها إلا انه وفي كل مرة يكون سبب ارفضهم لأجله. وأعتقد أن حناء الزفاف هي السبب". "الحناء تشفي غليلي من ضُرّتي" وروت "سُعاد" قصة الحناء التي أشفت بها غليلها من جارتها التي أخذت منها ابن عمها الذي كانت تنوي الزواج به، " لقد تأثرت أمي كثيرا لدى تألمي لزفاف ابن عمي الذي كان يفترض أن يتزوج بي، إلا انه اختياره ابنة الجيران، الأمر الذي جعلها تحضر الحناء في الوقت الذي كنت أنا فيه حبيسة المنزل و غارقة في دموعي لتتلو على العروس تعويذات في نفسها لدى ربط الحناء حيث نجحت الخطة وحرمت زوجة ابن عمي من الأطفال ليضطر بعدها للزواج بي بعد إلحاح العائلة، إلا انه لم يطلق زوجته الأولى. نلت مرادي طبعا واعتبرت نفسي قد حققت نجاحا أوليا في انتظار أن ارزق بالأولاد كي اجبره على تطليقها لكن تشاء الأقدار أن تجري الأمور هذه المرة عكس التيار إذ أن زوجته الأولى حملت بعد شهرين من زواجي مما أثار قلقي وجعلني أعرض نفسي على طبيب مختص لتكون المفاجئة بعد أن طلب مني إجراء بعض الفحوصات كي يخبرني عن ورم في أحشائي وبضرورة إجراء عملية جراحية مستعجلة لاستئصال الرحم، الأمر الذي أيقظ ضميري بعد فوات الأوان تقول سعاد وطلبت منها السماح مرارا لكن لم املك أبدا الشجاعة لمصارحتها بالموضوع مما جعلها تربطه دائما بزواجي مع زوجها و تقول انه قضاء و قدر و لا دخل لي في الأمر خاصة وأنها من واستني في محتني وحرصت طيلة فترة مرضي على راحتي والاعتناء بي، الأمر الذي زاد من ألمي وتأنيب ضميري خاصة عندما أرى أولادها الذين ربيتهم بنفسي و بادلتهم حنان الأم الذي حرمت من تقديمه لأولادي بجهلي وحقدي". نعم للحناء..لكن مع تدابير مشددة ورغم أن هناك من يرى من الحناء عادة تجلب الضرر وتتيح الفرصة لذوي القلوب الحاقدة والأعمال الشريرة إلحاق الأذى بالزوجين عن طريق السحر والشعوذة، إلا أن هناك من يحرص على اتباعها في ظل الحراسة المشددة على العروس وأمتعتها وملابسها، بما في ذلك تصفية الحاضرين حيث لا يُدعى إلا المقربون الذين لا يمكنهم إلحاق الأذى بالعروس. وحسب بعض المطلعات، فقد يستبدل الطفلان اللذان يحملان بالعادة شموع العروس بمرآة كبيرة توضع الشموع فوقها لأجل جلب الحظ للعروس واستحواذها على قلب زوجها، كما أن هناك من يضيف للحناء البيض لتكثر ذريتها وكذا ماء الزهر لتكتسب العروس حظا أوفر وتبقى حياتها الزوجية دائما مزهرة أو إضافة السكر كي يحلي حياتها أو الخل لحمايتها من السحر مع إخفاء صحن الحناء بعد غسله بالخل وكذا الشموع وإخفائها عن الأنظار فإما ترمى في البحر أو تدفن أو تحرق كي لا يسمح للحساد استعمالها لأغراض شيطانية. و في مناطق أخرى تتم تحنية العجوز بعد العروس مع إضافة قليل من الملح لحنة العجوز كي لا تطغى عليها العروس وفيهم من يطعم العروس بقليل من الحناء المتبقية كي يحن قلبها على أهل زوجها، أما في مناطق أخرى فهناك من يضع حبة من الويز أو خاتم ذهب على يد العروس أو حتى العريس وتوضع فوقها الحناء فوق اليد كفال خير ورزق . إحدى المشعوذات : "أقوم بهذا العمل مقابل 50 ألف دينار" و بما أن العرافة هي المقصد الأول لمن يريد القيام بمثل هذه الأعمال السحرية ايجابية كانت أم سلبية، أو حتى إبطالها، فقد اتصلت الشروق بإحدى العرافات بصفتها على احتكاك مباشر بمثل هاته النسوة و مطلعة على تفاصيل الأمور، حيث أكدت هذه الأخيرة أنها عالجت العديد من الحالات المماثلة، فالكثير من النسوة تقصدنها لحل رباطهن أو مشاكلهن الزوجية التي كانت الحناء سببا أساسيا فيها، مضيفة أن هناك من يقوم بالعمل في ذات الوقت الذي تربط فيه الحناء بتلاوة تعويذات سحرية، وهناك من يستعين بقطعة القماش أو بقايا الحناء أو حتى صحن الحناء أو شيء من ملابس العروس لتنفيذ العمل عند العرافة التي تقوم بمثل هذه الأعمال بأثمان باهظة جدا تصل إلى 50000 دج. أما عن الطرق والتعويذات التي تستعمل لأداء هذه الأغراض، فامتنعت ذات العرافة عن سردها كي لا يستعين بها ذوي القلوب الحاقدة لإلحاق الأذى بالآخرين. الفتوى الشرعية تؤكد: "طقوس الحناء محرمة إن كان فيها شرك بالله" أما الشق الديني في الموضوع فيقضي "بتحريم كل الأشياء التي تمُسُّ بالعقيدة بما فيها الطقوس المعروفة أو المبهمة التي توارثها الناس عبر الأجيال ظنا منهم أنها تجلب الحظ وتدفع الأذى بما في ذلك الأعمال الشيطانية من سحر و شعوذة"،حسب الدكتور جلول قسول، إمام مسجد القدس وإطار بوزارة الشؤون الدينية،"مع إباحة استعمال التقاليد التي لا تندرج ضمن المحرمات مادامت تُمارس بنية الاحتفال ومن غير خلفيات تمس بالعقيدة والنصوص القطعية الدينية التي تحرمها تماما".مُسجلا أن مثل هذه الطقوس اعتقاد ينجرُّ وراءه ضعاف الإيمان. و بالمناسبة ينصح الشيخ جلول قسول العائلات باستغلال العُرس للاحتفال بالعروسين وإعلان الزواج مع الابتعاد عن المزايدات والمناورات التي عادة ما تتسبّبُ فيها مثل هذه الطقوس التي تُجردُ العرس من أجواء الفرح، بحيث تتعامل عائلتا العروسين وكأنهما قبيلتين تشُنّان حربا على بعضهما لفرض طقوسها. وكثيرا ما نجد الطقوس والأعراف هي التي تطبع الأعراس وتسيرها وليس الدين، إذ يذهب البعض إلى إقامة الدنيا و إقعادها لممارسة عادات دون الأخرى، بحكم اختلاف المنطقة والانتماء العرقي مما يثير الفتن والصراعات ويتحول العرس إلى فضاء لتبادل التهم و الشتائم بين العائلتين عوض الفرح بالعروسين. ريم.أ