صدور القانون الأساسي الخاص بالموظفين المنتمين للأسلاك الخاصة بالتربية الوطنية    أبو الغيط يشيد بمبادرة الجزائر لعقد جلسة "هامة" من أجل تدعيم العلاقة بين الجامعة العربية ومجلس الأمن    كرة القدم المدرسية: تأهل المنتخب الجزائري للذكور إلى البطولة الإفريقية    بوغالي يترأس اجتماعا تحضيريا للملتقى البرلماني حول التفجيرات النووية بالجزائر    إيرلندا: إلغاء المئات من الرحلات الجوية بسبب عاصفة اجتاحت البلاد    الأمم المتحدة: دخول 653 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة خلال 24 ساعة    سعيود يشيد بالدور الفعال للمؤسسات الناشئة في الرقي بقطاع النقل    المنيعة: زهاء 50 مشاركا في الرالي السياحي الوطني    هلاك شخص وإصابة آخرين في حادث مرور بولاية الوادي    بلمهدي: الجزائر حريصة على ضمان تكفل أفضل بالحجاج خلال موسم الحج    الصحافة الدولية تتناول بشكل واسع تحرير الجزائر لرعية اسباني    الهلال الأحمر الفلسطيني: استبدالنا بوكالة الأونروا شائعات صهيونية    البطولة الوطنية لفوفينام فيات فوداو:انطلاق المنافسات بمشاركة 517 رياضيا يمثلون 87 ناديا    فلسطين:أطفال غزة يقتلون ويجوعون ويتجمدون حتى الموت    فلسطين: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 12 فلسطينيا وأكثر من 40 جريحا في جنين    الابتكار في الصحة الالكترونية: الجزائر تحتضن الطبعة الإفريقية الأولى من "سلاش'س دي"    المغرب: فشل الحكومة في الحفاظ على صحة المواطنين يحول داء الحصبة إلى وباء    مجلس الأمن : السيد عطاف يجدد التزام الجزائر بالمساهمة في تعزيز الشراكة بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية    طاقة ومناجم: السيد عرقاب يبحث مع سفير جنوب إفريقيا سبل تعزيز التعاون الثنائي    السيد بللو يشرف على افتتاح يوم دراسي جزائري-إيطالي حول تثمين التراث الثقافي    سياحة: 90 مشروعا سياحيا سيدخل قيد الاستغلال هذه السنة    الوقاية من الحمى القلاعية: تلقيح 400 ألف رأس من الأبقار والأغنام قبل نهاية يناير الجاري    ممثلا الجزائر يستهدفان كأس الكاف    حشيشي يشارك بروما في منتدى أعمال الدول المعنية    شطر من منفذ الطريق السيار جن جن العلمة يوضع حيز الخدمة    مُتسوّلون برتبة أثرياء!    بوغالي: لا نتلقّى دروساً في الحقوق والحريات من أحد    صدى عالمي لجائزة الجزائر للقرآن الكريم    هكذا يقضي سكان غزّة أيام الهدنة..    الرعية الإسباني المحرّر يشكر تبّون والجزائر    منظومة الضمان الاجتماعي في الجزائر قائمة على مبدأ التضامن بين الأجيال    وزير الداخلية"إبراهيم مراد" مخطط شامل للنهوض بولاية بشار وتحقيق التنمية المتوازنة    متحف "أحمد زبانة" لوهران: جولة افتراضية في الفن التشكيلي الجزائري    الإطاحة بشبكة إجرامية ينطلق نشاطها من المغرب : حجز أزيد من 3ر1 قنطار من الكوكايين بوهران    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية: وزير الاتصال يستقبل بويندهوك من قبل رئيس جمهورية ناميبيا    مجلس الأمة: المصادقة على نص القانون المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها    بللو: نحو تعاون أوسع في مجال الفنون بين الجزائر وإيطاليا    وهران : ترحيل 27 عائلة إلى سكنات جديدة ببئر الجير    اللحوم الحمراء الطازجة في رمضان ستبلغ أقصى مبلغ 1900 دج    الكوكي مدرباً للوفاق    الصحافة الفرنسية تسج قصة جديدة ضمن سلسة تحاملها ضد الجزائر    رئيس الجمهورية يستدعي الهيئة الناخبة يوم 9 مارس القادم    متابعة أشغال مشروع قصر المعارض الجديد    الثورة الجزائرية الوحيدة التي نقلت المعركة إلى عقر دار العدو    ديون الجزائر لدى المستشفيات الفرنسية.. حملة اعلامية جديدة تسوق البهتان    انطلاق الطبعة 20 للمسابقة الدولية لجائزة الجزائر لحفظ القرآن وتجويده    لباح أو بصول لخلافة بن سنوسي    استفزازات متبادلة وفينيسيوس يدخل على الخط    تطبيقة إلكترونية للتبليغ عن مواقع انتشار النفايات    حاج موسى: أحلم باللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز    القلوب تشتاق إلى مكة.. فكيف يكون الوصول إليها؟    تاريخ العلوم مسارٌ من التفكير وطرح الأسئلة    السينما الجزائرية على أعتاب مرحلة جديدة    "كاماتشو".. ضعيف البنية كبير الهامة    وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التذكر في ظل الانحراف والتناقض
نشر في الشروق اليومي يوم 29 - 08 - 2007


د/ محمد العربي الزبيري
إن من واجبنا، ونحن في مطلع القرن الواحد والعرين، أن ندرب أنفسنا على الاستماع لرأي الآخرين وأن نقبل منهم غثه وسمينه وأن نكف عن محاولتنا التعامل مع الناس وكأنهم نسخة منا مطابقة للأصل. وأهم من كل ذلك، ينبغي أن نقنع أنفسنا بأن الحقيقة ليست حكرا على أحد، وأن المسؤولية مهما علت لا تؤهل للتنظير ولا تعطي لصاحبها حصانة تحول بينه وبين الأغلاط والمغالطات. وفوق كل شيء فإن الواحد منا يجب أن يدرك بأن ثمة ضوابط لابد من عدم الاعتداء عليها وخطوطا حمراء لا ينبغي تجاوزها في تعاملنا مع التاريخ.
صحيح أن المنتصر يبدو دائما، محقا في أعين الناس، وتبدو نظرياته هي المثلى. أما المهزوم فينفض الناس من حوله حتى ولو كان صاحب حق بيّن. هذه سنة الله في خلقه، ولنا في التاريخ، بجميع حقبه، أمثلة كثيرة يمكن الرجوع إليها. وقريبا منا جدا مثل الحاج مصالي ومساره الذي لم يدرس حتى الآن دراسة علمية تأخذ في الاعتبار جميع المعطيات وتوظف سائر المعلومات وتتوقف، مليا عند كافة النصوص والوثائق التي لها علاقة بالموضوع.
إن شخصا واحدا لا يمكن أن يكون مرجعا شافيا لمعالجة تاريخ ثورة نوفمبر 1954 من كل جوانبه. فتلك مهمة مؤسسات الدولة التي ينبغي أن يشرف عليها وينشطها ذوو الاختصاص. لكن مثل هذه المؤسسات غير موجودة في بلادنا اليوم لأن قادتنا، حتى الآن، لم يدركوا أن كتابة التاريخ وإعادة كتابته ضرورة ملحة لفهم الحاضر ولبناء المستقبل. وما لم نتمكن من القضاء على الضبابية المحيطة بكثير من القضايا ذات الأهمية القصوى وعلى التزييف والتشويه اللذين تعمدتها مدرسة التاريخ الاستعمارية قصد إبقائنا في حالة الضياع المطلق، فإننا لن نجد الطريق الصحيح الذي يقود إلى استرجاع السيادة والاستقلال الوطنيين.
ولا أعتقد أنني أسيء إلى القراء إذا قلت إننا، في الجزائر، مصابون بداء النرجسية ومعقدون خاصة مما قد يصدر عن بعضنا. أما ما يقوله الآخرون فيمر مر السحاب حتى ولو كان مثقلا بأنواع الإذلال والإهانة. وضعنا هذا الفرش ، كما يقول القدماء ، لنتطرق إلى موضوع إحياء ذكرى اليوم الوطني للمجاهد الذي يرمز إلى أكثر من محطة في تاريخنا المعاصر والذي كان من المفروض أن نجعل منه منطلقا، ليس لدعم الوحدة الوطنية والحفاظ عليها ، فحسب ، ولكن ، كذلك ، لتعبيد الطريق المؤدية إلى" إعادة توحيد شمال إفريقيا في إطاره الطبيعي العربي الإسلامي " كما ورد ذلك في بيان أول نوفمبر .
غير أن الواقع لا ينم عن ذلك ، بل إن معظم الجزائريات والجزائريين يجهلون حقيقة المناسبتين المحتفى بهما . ذلك لأننا لا نقرأ وما زلنا نعتقد أن التاريخ مجرد سرد أحداث أو هو مذكرات يضمنها أصحابها كل ما يمر بأذهانهم من خواطر كثيرا ما تكون من صنع الخيال . ولو كنا ممن يعطون القراءة حقها لتوقف عدد كبير منا عند الملاحظات التي أوردها السيد " جاك سوستيل "المعروف باستماتته في سبيل " الجزائر الفرنسية " .
لقد كان السيد " جاك سوستيل " من رفاق الجنرال ديغول الذين سارعوا إلى الانخراط في صفوف المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني وعرفوا بالعلم والمعرفة وحب الوطن . لأجل ذلك ، وعلى غرار الجنرال ديغول ، فإنه لم يستسغ استرجاع الجزائر استقلالها ، خاصة وأنه عرف بالمخطط الجهنمي الذي أعده ووفرت له الحكومة الفرنسية كل الإمكانيات المادية والبشرية لتطبيقه من أجل القضاء نهائيا على جبهة التحرير الوطني .
في هذا السياق ، نشر "سوستيل" كتابه " الجزائر الحبيبة المتألمة " وضمنه مواقفه الصريحة من كفاح الشعب الجزائري. وحول هجومات العشرين أوت 1955 أورد على وجه الخصوص : " هناك حدثان أثرا في حياتي أيما تأثير. أما الأول فهو ما وقع ليلة الفاتح من شهر نوفمبر 1954 ، لأنني لم أكن أتصور أن الجزائريين يستطيعون " التمرد " من جديد بعد ما حدث لهم في شهر مايو .1945 وأما الثاني فتمثله هجومات العشرين أوت 1955 لأنها قضت على أملي في الإبقاء على الجزائر الفرنسية " . وفيما يتعلق بمؤتمر وادي الصومام ، فإن تضارب الآراء حوله من حيث التنظيم لم تنقص من قيمته كمحطة حاسمة في تاريخ الجزائر المعاصر .
من هذا المنظور ، فإن إحياء ذكرى العشرين أوت لا ينبغي أن يقتصر على تنظيم بعض التجمعات ، هنا وهناك ، لتعداد مناقب الشهداء الذين كانوا وراء نجاح الحدثين الحاسمين في مسار جبهة التحري الوطني رغم أن ذلك واجب وضرورة ملحة لإبقاء الخيط الرابط بين الأجيال ، ولكن يجب أن يتعدى ذلك إلى التعريف بمنظومة الأفكار التي كانت في أساس تنظيم الحدثين وتوفير أسباب نجاحهما .
وعلى سبيل المثال ، فإن الحديث عن العشرين أوت لا يمكن أن يستقيم من دون العودة إلى نشاط الحركة الوطنية الجزائرية بكل أطرافها وهو عمل كانت تحركه إرادة الأسلاف ورغبتهم في العودة بالمنطقة إلى عهد الموحدين . يشهد على ذلك البيان المقدم إلى مؤتمر " فارساي " باسم " الشعب الجزائري التونسي الذي يدعو المؤتمرين إلى مساعدته على الاستفادة من حقه في تقرير مصيره بنفسه ".
وتجد هذه الشهادة تدعيما لها في ميلاد " نجم شمال إفريقيا " وظهور " لجنة العمل الثوري في شمال إفريقيا " ثم في عقيدة التوحيد التي وضعها الشاعر العظيم " مفدي زكرياء " سنة 1934 وألقاها بتونس على المشاركين في مؤتمر طلاب شمال إفريقيا الذين صادقوا عليها كوثيقة أساسية والتزموا بتعميمها في سائر أقطار المغرب العربي .
ولمن لم تتح له فرصة الاطلاع على الوثيقة المذكورة ، نشير إلى أن نقطتها الثانية مصاغة على النحو التالي : " أقسم بوحدانية الله أنني أومن بوحدانية شمال إفريقيا ، وأعمل في سبيل ذلك ما دام في قلب خافق ودم دافق ونفس عالق ". وقريبا من عقيدة التوحيد هناك بيان أول نوفمبر الذي نص على أن " إعادة توحيد شمال إفريقيا في إطاره الطبيعي العربي الإسلامي " واحد من الأهداف الرئيسية التي " لن يتوقف الكفاح بجميع الوسائل إلا بعد تحقيقها " .
وكان اختيار تاريخ العشرين أوت 1955 لتنظيم الهجوم العام على قوات العدو في الشمال القسنطيني دليلا آخر على تمسك الجزائر بالخيار المغاربي وذلك لما فيه من تعبير عن التضامن مع جماهير الشعب المغربي في إحياء الذكرى الثانية لنفي السلطان محمد الخامس بسبب تفاعله مع الحركة الوطنية العاملة من أجل استرجاع السيادة الوطنية كاملة غير منقوصة . مع العلم أن الشعب المغربي قد خلد الذكرى ، خاصة ، بواسطة انتفاضة وادي زم الشهيرة والتي تعرضت لقمع وحشي يشبهه المؤرخون بما وقع في " العاليا" بضواحي سكيكده .
وعندما نعلن اليوم ، أحزابا وحكومة وشعبا ، عن ابتهاجنا بإحياء ذكرى اليوم الوطني للمجاهد ، أو اليوم العشرين من شهر أوت ، فإننا مطالبون ، قبل كل شيء بمساءلة أنفسنا عن مدى تمسكنا بمنظومة الأفكار التي ضحى في سبيل تطبيقها على أرض الواقع ملايين الشهداء من أبناء الشمال الإفريقي . وإذا كنا صادقين ، فإن الجواب سيكون سلبيا لأن كل المساعي الصادقة التي ميزت نضال الأسلاف قد اختفت ، وتركت مكانها للنقيض الذي هو من وحي أعداء الأمس الذين يرفضون اتحادنا ويسعون، بكل الوسائل، للقضاء على هويتنا وإبقائنا في حالة التبعية الدائمة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.