عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    10 آلاف مشروع مصرح به بقيمة تقارب 4.340 مليار دج    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    التزام عميق للجزائر بالمواثيق الدولية للتكفّل بحقوق الطفل    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء: السيدة روز-كواتر تلتزم بتجسيد مبادئ الديمقراطية والحكم الراشد    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    اكتشاف الجزائر العاصمة في فصل الشتاء, وجهة لا يمكن تفويتها    الطريق السيار شرق-غرب: دفع رسم المرور غير مدرج في برنامج الحكومة    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الأسبوع الاوروبي للهيدروجين ببروكسل: سوناطراك تبحث فرص الشراكة الجزائرية-الألمانية    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بغرداية : دور الجامعة في تطوير التنمية الإقتصادية    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    استفادة نحو 20 إطارا من تكوين    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    عرقاب يستعرض المحاور الاستراتيجية للقطاع    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    خدمة الوطن.. وتجسيد برنامج الرئيس    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    هتافات باسم القذافي!    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    سيفي غريب يستلم مهامه كوزير للصناعة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر ما بعد الانقلاب: قراءة في المشهد السياسي وتداعياته
نشر في الشروق اليومي يوم 16 - 07 - 2013

واهم ومخطئ من يعتقد أن الأزمة السياسية في مصر كغيرها من الأزمات التي عصفت بالأنظمة العربية ماضيا وحاضرا نشأت منذ الثورة الشعبية التي انتهت بتنحية الرئيس المصري حسني مبارك من الحكم ، وإنما علينا أن نعيد قراءة خلفيات الأزمة وإرهاصاتها منذ البدء في إقصاء شريحة كبيرة من أبناء الشعب المصري ممثلة في حركة الإخوان المسلمين منذ ما يقارب 80 عاما أي منذ تأسيسها الأول على يد رجلها الأول الشهيد الإمام حسن البنا رحمة الله عليه الى غاية اللحظة الراهنة والتي انتهت بالانقلاب على مشروع سياسي سلمي احتكم إلى لعبة الديمقراطية ومقتضياتها كما أرادها الغرب وأتباعه من علمانيو مصر وسياسيوها ،
ولعل الانقلاب على الدكتور مرسي زعيم الجماعة السياسي ورئيس دولة مصر المنتخب هو حلقات من حلقات سيناريو الرفض والعداء للجماعة وفكرها وايديولجيتها الاسلاموية كما يحلو للبعض تسميتها والقضية في نهاية المطاف هو تغيير في أسلوب التعامل والتفاعل مع أداء الجماعة وممارستها ، فاغتيال حسن البنا كان قرار سياسيا وامنيا لرجالات مصر في فترة كاانت الأنظمة الشمولية الملكية منها والديكتاتورية موضة العالم ونموذجا لإدارة السلطة وفق ظروف دولية وإقليمية محددة ، حيث كان الإعلام مثلا او المؤسسات الشعبية والرسمية إلا آداة طيعة في يد المخابرات الشمولية تفعل بها ما تشاء ، ولم يكن الشخص أو الجماعة أو التيار المعارض الا مثل ذلك الفأر المغلوب على أمره بين أربع جدران من سجون ومحتشدات تذكرنا بعهود الحكم الهتلري بل و أدهى .
لقد فرض التفتح على العالم وانتشار التكنولوجية الرقمية في مجال الإعلام والصحافة في المراحل الأخيرة معطيات جديدة جعلت العصبة والمافيا المتسلطة من رجالات العسكر والمخابرات المتحكمين في إرادة الشعوب والمانعين لكل لعبة ديمقراطية تقلب موازين إدارة السلطة والتداول عليها في مصر كما هو الشأن في العديد من الأنظمة العربية إلى تغيير أساليب ممارساتهم ولو ظرفيا وشكليا ، فعوض عن الاغتيالات كممارسة مفضوحة ومرفوضة حسب معايير المجتمع الحديث وبناءا على شفافية الصوت والصورة ،لجأ أصحاب القرار السياسي والأمني في مصر هذه المرة إلى استحداث أسلوب أكثر تحضر وديمقراطية من خلال ما سموه باستعادة الشرعية الشعبية مقابل الشرعية الدستورية مستعينين بديكور من رجالات الولاء السياسي والديني والفكري والإعلامي ، ومن ثمة ظهر صاحب الانقلاب العسكري أمام الرأي العام بمثابة البطل المخلص لازمة مصر السياسية من قبضة جماعة انقلابية غير شرعية ، والحقيقة أن طبيعة النخب الديكتاتورية المتسلطة في مصر هي نفسها منذ 1928 الى اليوم ، فقد عزل البنا رئيس الجماعة الاول بالاغتيال وعزل مرسي بالانقلاب واستدرجت الجماعة الى فتن سياسية كثيرة بدأت بمحاولات شراء الذمم واستمالتها إلى مستنقع اللعبة السياسية التي قادها الرؤساء ورجالات الحكم بمصر بامتياز ، إلا أن كل تلك المحاولات التي استعمل فيها مختلف أساليب التعذيب والاعتقال والاغتيال لم تثن الجماعة عن مشروعها النهضوي الحضاري
وعليه فان مصر ما بعد الانقلاب هو السلوك الطبيعي للتيارات المتشبثة بحب التسلط والموالية للمصالح الامركية والصهيونية التي لم ولن تقبل مشروعا عربيا إسلاميا بالمنطقة ، فالمسالة وفق هذا التحليل ليست مسألة تغيير او قلب شكلي او صوري لإدارة الحكم او للممارسة السياسية والذي شكل وصول جماعة الإخوان للحكم إحدى حلاقاتها وإنما المسالة أعمق واخطر من ذلك ، ا نها مسألة تحديد ملامح الهوية المصرية من خلال بناء مشروع حضاري وقومي جديد يستند الى مبادئ الحرية والعدالة والتداول السلمي للسلطة التي يستحيل على الآخر قبولها بدليل لجوءه غير الشرعي والقانوني لهندسة انقلاب مفضوح وسافر على إرادة الشعب المصري الذي فصل في هويته واتجاهه لما انتخب لصالح المشروع الإسلامي الحضاري
رغم ما قد ينتاب التجربة السياسية لذات المشروع من نقائص اعترف الرئيس نفسه بوجودها .
أما من الناحية المنهجية فيمكننا اعتبار أهم مستوى في تحليل أزمة المشهد السياسي في مصر هو العنصر التاريخي الفكري والإيديولوجي الذي رفض المشاريع العلمانية التغريبية في المنطقة واستبدلها بالمشاريع القومية الحضارية عندما فصل لصالح مرسي مقابل البرادعي وعمرو موسى والسيسي وغيرهم من أصحاب الأطروحات البائدة والمفلسة
لقد أدى إفلاس هؤلاء وتعريتهم من قبل الشارع والمواطن المصري الأصيل إلى لجوءهم واستعانتهم بالعسكر لاستعادة دورهم وقدسيتهم التي راهن عليها الكثير من رجالات الإعلام المصري وبقايا مافيا النظام السايق الذين تيقنوا ان مصالحهم ومصالحهم الفئوية والعائلية والحزبية ومصالح حلفائهم أصبحت في مهب الريح وان مصر سوف تتشكل من جديد لخدمة المصري الغلبان الذي ظل لقرون عديدة يدفع من دمه وماله كي يعيش هؤلاء في بحبوحة من النعيم والمتعة الأبدية من خلال نهب ثروات البلد وموارده
وليس من الغريب والحال كذلك ان يهلل رواد الإعلام الفاسد والحاقد على المشروع الديمقراطي الأصيل في المنطقة ويمهد للانقلاب من خلال عرقلة مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي الذي أراد رئيس الجمهورية المنقلب عليه عنوة وذلك منذ توليه السلطة ، متذرعين ومروجين لفكرة اخونة مصر وتقسيمها وتهويل الرأي العام من مغبة الوقوع في حرب أهلية ودينية وطائفية ولعل الأمثلة في هذا الاتجاه كثيرة لمن ألقى السمع وهو شهيد
ومنه فان المستوى الثاني في تحليل أزمة المشهد السياسي هو منظومة الإعلام الفاسدة التي عملت على إثارة الفتن والشائعات بهدف تقسيم وزعزعة الشارع المصري وتشكيكه في كفاءة الإخوان كتيار وكسلطة في ممارسة الحكم وقيادة الدولة المصرية ، بل الأكثر غرابة من ذلك أننا لم نرى في تاريخ الأنظمة والحكومات الأكثر فسادا صور التعتيم والتشكيك والاهانة والسب التي تعرض لها رئيس دولة منتخب لم تدم ولايته عام فقط ، لقد ظلت منظومة الاعلام الفاسد في مصر تطارد الرجل بطريقة غريبة ومريبة أثارت استياء العديد من رجال الإعلام والفكر عبر العالم ،
ولعل هذا ما يقودنا إلى الاستنتاج ان سيناريو الانقلاب لم يكن اعتباطيا او تحت ضغط ثورة شعبية ثانية كما حاول مهندسو الانقلاب تصويره للرأي العام وإنما كان سيناريو وبديل راهنت عليه القوى المتسلطة والرافضة للديمقرطية والشرعية الدستورية المحسوبة على المافيا الحاكمة والفاسدة قبل صعود الإخوان الى الحكم .
لقد طرح الإعلاميون النزهاء بعد الانقلاب العسكري في مصر أسئلة كثيرة عن طبيعة المنظومة الإعلامية خصوصا الفضائيات التي انحازت بشكل سافر لتزكية الانقلاب وإضفاء الشرعية والمصداقية على مغتصبي الحكم بمصر وإظهارهم في جبهة وطنية للإنقاذ ، في حين فشل هؤلاء المغتصبون حتى ان ينالوا مقعدا بمجلس الشعب ؟
ثم كيف يسارع هؤلاء دون سند قانوني او أخلاقي لغلق قنوات الرأي السياسي المخالف دون الرجوع إلى معايير وقواعد وأبجديات السلوك السياسي والإعلامي المتزن والموضوعي ؟ وهل لذلك علاقة مع أساليب الممارسة الديمقراطية ومنطق الحريات التي كثيرا ما تغنى به هؤلاء ؟ وبالتالي أصبحت هذه العصبة الانقلابية من الجنرالات الفاسدة ومن سار في فلكهم خطر معنوي وأخلاقي ليس على مصر وحسب وإنما على الأمة العربية والإسلامية بل وعلى العالم الحر والديمقراطي على حد تعبير الدكتور الهاشمي الحامدي في مداخلة له عبر قناة المستقلة
أما المستوى الثالث من التحليل فهو المستوى الجيوسياسي والاستراتيجي لإدارة الحكم في مصر ومختلف الخيارات والبدائل المقترنة به ، ومن الواضح في هذا الشأن أن قرار الانقلاب العسكري لم يكن قرارا مصريا محضا وإنما جاء بعد أملاءات غربية لقوى ودوائر أمنية وسياسية معروفة وعلى رأسها اللوبي الصهيوني والأمريكي ممن يتولون إدارة ملف الأمن القومي الإسرائيلي وجماعات المصالح الاقتصادية والسياسية بالمنطقة الشرق اوسطية عموما ومصر بالتحديد . خصوصا أن مسار السلام الإسرائيلي الفلسطيني في مأزق حقيقي بعد إخفاق الدور الأمريكي والعربي في ذلك وبالتالي تبقى مصر مرشحة للعب دور أكثر أهمية في المستقبل.خصوصا في مسألة التنسيق الأمني بين إسرائيل وبقية الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حماس
ولعل قبول قرار الانقلاب بالترحاب من قبل إسرائيل له أكثر من دلالة فضلا عن التلويح باحتشام عن رفض الانقلاب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية كما جاء على لسان الناطقة باسم الخارجية الأمريكية إشارة لمصر على ضرورة تداركها للموقف الخاطئ والتعجيل بإعادة المسار الديمقراطي لطبيعته من خلال الحرص على مدنية الحكم وإقامة انتخابات رئاسية مبكرة
وهو اعتراف ضمني حسب رأيي بشرعية الانقلاب على الإخوان في مصر وهو يعودنا إلى التأكيد على نفاق الولايات المتحدة وتعاملها بازدواجية المعايير كما هو معروف عادة.
إن اسرئيل على الأقل من الناحية النظرية والجيوبوليتكية اعتمدت دائما على مصر في لعب التوازنات الأمنية والإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط ، هذا الدور الذي لم يكن وليد اليوم وإنما هو ذات الدور التي راهنت علية الكثير من الدوائر الغربية للحفاظ على تفوق اسرئيل العسكري والأمني والاقتصادي بالمنطقة وبالتالي ضمان المصالح الجيوسترااتيجية للولايات المتحدة وكثير من العواصم الغربية بدءا بقضايا المياه إلى قضايا الحدود إلى تقسيم مناطق النفوذ الاقتصادي والعسكري والمالي ، لقد حاولت أمريكا وإسرائيل الضغط على الرئيس المصري المنتخب في أكثر من مناسبة وذلك منذ توليه الحكم وذلك لإبداء موقفه فيما يتعلق بأمن هذه الدول مصالحها من خلال محاولة لفرض قيادات وتوجهات ونخب تشارك في إدارة السلطة بمصر خصوصا تلك المركز السيادية الحساسة ذات العلاقة بالملف الأمني والاقتصادي والعسكري ، ويبدوا ان تعنت الرجل وصلابة مواقفه وتحيزه لصالح القضايا القومية والوطنية والشعبية كان من بين أسباب عزله السريع ، ولعل هذه تعتبر اكبر تحدي واجهه الرئيس في بداية عهدته ، كما يشكل هذا العنصر أهم حلقات التأزم في المشهد السياسي وبالتالي يطرح بشكل موضوعي وصريح مدى استقلالية وحيادية الرئيس عدلي منصور المعين طريقة الكوبوي الامريكي المعروفة
.
الأزمة السياسية في مصر: الانقلاب خطوة نحو الكارثة
لاشك أن المتتبع للتطورات التي عرفها المشهد السياسي بعد أيام من الانقلاب ، لا يمكن إلا أن يؤكد أن مصر تتجه نحو سيناريوهات كارثية اذا لم يتدارك مهندسو الانقلاب خطورة الوضع الذي سوف يؤول إليه الشارع المصري
خصوصا في غياب أدنى فرص للحوار السياسي بين القوى السياسية الفاعلة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين لاسيما بعدما بادر المافيا المحسوبة على الجيش المصري الأصيل ومؤسساته بفرض الخيارات الأمنية على المشهد وعدم ترجيح منطق التوازنات السياسية وتكريس لغة الحوار مع أصحاب الشرعية الدستورية وعلى رأسهم الرئيس المصري الشرعي الدكتور محمد مرسي
وعليه يمكن التلويح لخطورة الانقلاب وتداعياته على المستويات الآتية
على مستوى الشارع المصري :
لاشك ان الانقلاب السياسي الممنهج سوف يعمق الخلافات السياسية بين القوى السياسية ويقلص من فرص الحوار الوطني والمصالحة التي كانت على الأرجح ممكنة بل ومحبذة خلال حكم الرئيس مرسي على عكس ما روج له مهندسو الانقلاب ، ولا يمكن في ظل هذا الشعور بالظلم والاعتداء والاغتصاب المفضوح التي تعرضت له الجماعة من خلال محاولة لإجهاض وصولها السلمي والدستوري للسلطة ان ننتظر تنازلات يمكن أن يقدمها تيار الجماعة او حزبها ممثلا في حزب العادلة والحرية ، لأنه وعلى حد تعبير المحلل السياسيي الدكتور فهمي هويدي "..لا يمكن ان نطلب من جماعة منزوعة الشرعية ان تتنازل عن شرعيتها الدستورية باعتبارها عنصرا لا يمكن ان يكون محل تنازل او نقاش ، وفي هذا السياق فقد اختار أصحاب الانقلاب السيناريو الأكثر سوءا وخطورة الذي قد يتجه في طابعه الممارساتي الى التجربة الجزائرية التي انتهت بمأساة دموية لا تزال أثارها إلى اليوم ، في حين تجاهل التجربة التركية التي تنازلت للسياسي المدني على حساب حكم العسكر والجنرالات .
وهنا يجب الإشارة أن جماعة الإخوان ليست مشروعا سياسيا سلطويا او نخبة تتطلع إلى الاستيلاء على الحكم موظفة الشعار الديني كما يصوره ذلك أعداءها وإنما هي حركة شعبية متجذرة في المجتمع المصري قد ترعرع بين أحضانها المصريون بمختلف مشاربهم ومستوياتهم فهي تظم الفقير والغني والمتعلم والجاهل والمرأة والشيخ والطفل والشاب كما أن لها إطارها التنظيمي والسياسي والمؤسساتي والاجتماعي وعليه فالخطورة بهذا المنظور هو محاولة استئصال جزء لا يتجزأ من الشعب المصري
وبالتالي اللعب على وتر التقسيم الأهلي والعائلي والأسري والحزبي الذي قد يؤدي الى تداعيات نشوب حرب أهلية او طائفية او دينية ستكون عواقبها خطيرة على امن ومستقبل مصر الداخلي والخارجي . وعليه فإننا نحذر من أن أية قراءة استخفافية لهذا المستوى من التحليل سوف يجعل فرص الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني ضئيلة عند الانفلات لا قدر الله .
على المستوى الاقليمي
إن أولى إرهاصات هذا الانقلاب على الشرعية الدستورية هو ظهور بوادر تأزم سياسي ودبلوماسي بين مصر كبلد مهم إقليميا وعربيا وبين جيرانها من الدول العربية ، خصوصا وان ثورات الربيع العربي رغم ما قيل عنها جاءت لتعيد الاعتبار لنبض الشارع والمواطن العربي الذي همش طيلة عقود من صنع قراراه السياسي والمشاركة في إدارة بلاده ووطنه ، وعليه فالانقلاب على إرادة الشعوب بالطريقة التي آلت إليها مصر لا يخدم توجهات وإرادة المواطن العربي الذي يطمح إلى تكريس قواعد من الحريات السياسية على مستوى ممارسة السلطة والحكم وبالتالي ليس من الغريب ان تقف الكثير من الدول العربية التي تتطلع إلى إحداث إصلاحات ديمقراطية عميقة في أداءها السياسي وتكريس المصالحة مع شعوبها وهويتها أن ترفض الانقلاب العسكري المفضوح في مصر والتدخل السافر للمؤسسة العسكرية في قضايا السياسة وخيارات الشعب الدستورية ، ولقد رأينا ذلك من خلال المواقف التي اتخذتها تونس وتركيا واليمن والسودان والجزائر ، دون ان يعتبر ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية لدولة شقيقة كمصر ، بل كان من المنتظر وهذا ما صرح به الرئيس المصري المنتخب من خلال مجمل القمم والمؤتمرات العربية خصوصا قمة القاهرة " أن مصر مستعدة لتعلب دورا أكثر فاعلية وحيوية من اجل التعاون والتقارب والتضامن العربي "
وعليه فان الانقلاب الذي كرس عدم دستورية الممارسة السياسية والديمقراطية من شانه تعميق الهوة بين مصر والدول العربية وبالتالي عزلها عن محيطها الإقليمي الطبيعي
وهو ما يخدم المشروع الاستيطاني الأمريكي والصهيوني بالمنطقة، فهل حققت خطوة الانقلاب هذا الهدف ؟
هذا الوضع الإقليمي الجديد سوف يؤدي بنا بطبيعة الحال إلى تكريس عزلة مصر ااقليميا وحتى دوليا بدليل أن كثير من الدول الأوربية والغربية أعادت مراجعة حساباتها مع مصر لاسيما فيما يتعلق بالمساعدات المقدمة لهذه الأخيرة بناءا على طلبها قصد النهوض اقتصاديا من الأزمة المعيشية والمالية التي تتخبط فيها الأمر الذي سوف لن يشجع على الاستقرار السياسي ، في ظل أزمة مالية واقتصادية عالمية .
بالرغم من أن سيناريو الانقلاب سوف يعول كثيرا عن دعم بعض حلفاء مصر من الأنظمة الديكتاتورية والشمولية التابعة لمحور التحالف الأمريكي الاسرائلي على ذكر العصبة العسكرية المتسلطة في السعودية وبعض دول الخليج ، إلا أن ذلك سوف لن يكون إلا ظرفا عابرا قد يساهم في التخفيف من حدة الأزمة في مصر لكنه سوف يؤدي فيما بعد الى تكريس مزيد من التبعية والهيمنة والمديونية لا أكثر ولا أقل ، ولعل التجربة الجزائرية السابقة التي كرست الخيار الأمني أكدت صحة ما ذهبنا اليه من تحليل ، وعليه يجب على مهندسي الانقلاب حتى وان افترضنا جدلا صحة نوايا ما ذهبوا إليه ، إلا أن التاريخ وواقع كل ثورة شعبية واعية ان الذي يصنع الاستقرار السياسي ويقدم قيمة مضافة للممارسة الديمقراطية ويثبت دعائم الدولة في كل عصر هي إرادة الشعوب ومختلف تشكيلاتها السياسية والدينية والثقافية عندما تنصهر في إطار حكم ديمقراطي عادل سلمي وشفاف يغلب المصالح الوطنية والقومية على حسابات اللوبيات واللوبيات التابعة .
أي بدائل للأزمة السياسية في مصر ؟ خطوات أساسية لتحقيق الانفراج
ما هو معلوم بالضرورة أن التحليل السياسي لأية ظاهرة تأزم هو تحليل نسبي باعتبار أن السلوك السياسي خصوصا إذا ارتبط بحركية مجتمع متأزم سلفا يجعل أية مقاربة أو قراءة للوضع السياسي كما هو الشأن في مصر معقد ومركب
خصوصا وان منطق الصراع أو التنافس السياسي بمصر كما هو الشأن في الأزمات السياسية لأنظمة الحكم العربية لا يقوم على أدوات او معايير تسمح لنا بتقييم الأداء السياسي للحكومات أو الإدارات أو المؤسسات أو الجماعات الحاكمة تقييما موضوعيا او على الأقل واقعيا
وعليه كيف يمكن مثلا للأطراف السياسية أو الأمنية النافذة التي اتخذت قرارا بعزل رئيس منتخب لم يمر على نيابته عام من تقييم أداءه او أداء حكومته في ظل ظروف سياسية واقتصادية اقل ما يقال عنها أنها كارثية ، فلم تعرف مصر ساعة استقرار منذ خلع الرئيس السابق حسني مبارك من الحكم الى غاية اليوم فضلا عن مخلفات أزمة اقتصادية ومالية وسياسية واجتماعية حادة
1 - اهم البدائل الأولية التي تسمح بتحقيق انفراج اولي للمشهد السياسي هو اعادة النظر في طبيعة هذا الانقلاب وتحليل أدواته وطريقته التي فتحت المجال أمام العنف والعنف المضاد وعصفت بإمكانيات الحوار والتوافق الوطني الحقيقي وبالتالي العمل على عودة الرئيس المنتخب عودة طبيعية دون عنف او ضغط
واذا كان الضرورة التي تمليها امن واستقرار مصر فرض تدخل المؤسسة العسكرية في الشان السياسي ،
فكان يمكن تفادي هذا الانقلاب والعزل المفضوح والغير دستوري أساسا ، ودراسة بدائل وقرارات أخرى تسمح بتوافق وطني يمكن ان تلعب فيه المؤسسة الامنية والعسكرية دورا أكثر اتزانا وحيادية وتساهم في بلورة مشهدا سياسيا توافقيا دون المس بجوهر الممارسة السياسية وآليتها .
بل كان عليها ان تدعم مسعى الرئيس المنتخب الذي بحكم القاعدة الدستورية هو الذي يجمع بين السلطات يدعم شرعيتها
الى غاية انتهاء مدة عهدته النيابية كما هو معمول به في كل دول انظمه الحكم الديمقراطي . هذا باستثناء مخالفة الرئيس لصلاحياته الدستورية او تعارضه مع قيم ومبادئ الأمة المصرية وهو ما لم يحدث أساسا
أما العمل على البحث عن بدائل للسلطة وللحكومة الشرعية هو نوع من العبث وتضييع للجهد والمال وتكريسا لمزيد من الانقسام بين القوى السياسية وهذا ما لايخدم المصلحة الوطنية للشعب المصري الذي عبر عن إرادته السياسية عن طريق سلطة منتخبة
2 – أهمية الوساطة الدولية والعربية في تكريس تحكيم القواعد الدولية ذات العلاقة بشرعية السلطات المنتخبة واحترام الدساتير دون تحيز لإيديولوجية او توجه
لقد لعبت الانقلابات العسكرية بمختلف أشكالها دورا سلبيا في صناعة المشهد السياسي للأنظمة والحكومات والشعوب على حد سواء واختلقت واقعيا سياسيا وهميا
كرس سلطة الأقوى وعصف بإمكانيات التحول الديمقراطي والحر الذي هو سبيل نهضة الشعوب واستقرارها،
وعليه من الواجب ان تدعو كل الدول الصديقة ومختلف مكونات المجتمع الدولي قيادات مصر وأصحاب القرار فيها الى تحكيم العقل والحكمة وقبول نتائج اللعبة الديمقراطية وتكريس قواعد الحكم الديمقراطي الذي افرز عن رئيس منتخب حتى وان كان هذا الأخير يتعارض في سياساته وقناعاته الفكرية والإيديولوجية مع المعارضة بمختلف تشكيلاتها مادام انه انتخب ديمقراطيا دون ان يمس بمصداقية الدولة المصرية او باستقلالية مؤسساتها ، يمكن ان تساعد هذه الآلية التي تعتدمها مصر طواعية على تقريب وجهات النظر وإحداث نوع من التوافق الوطني الذي يسمح بالتعجيل بحوار وطني سياسي بناء
3 – دور المنظومة الإعلامية المصرية في تكريس إعلام ديمقراطي نزيه ومحايد بعيد عن التجاذبات السياسية وتأثير الجماعات الضاغطة .
لقد اشرنا في معرض تحليلنا أن جزءا كبيرا من واقع التأزم الذي يشهده المشهد السياسي المصري قد كرسته جماعات ضاغطة تملك إمكانات النفوذ الإعلامي المتحيز والغير احترافي وهذا كان أول انحراف للخط الإعلامي في تعاطيه مع الأزمة السياسية داخل مصر ، فالتهويل والتخويف من جماعة الإخوان وتيارها ومحاولة التشكيك في كفاءة رئيسها المنتخب ثم العمل على جر الشارع إلى زعزعة الاستقرار وعرقلة عمل المؤسسات السياسية والإدارية والأمنية ، كل ذلك كان أدى الى تأجيج الوضع والتمهيد لسيناريو الانقلاب العسكري الذي استند إلى حقائق ومغالطات وشائعات ليست لديها أسس قانونية أو دستورية أو واقعية ،
وعليه يفترض من الإعلام حتى وان كان حزبيا أو موجها أن يلعب على تكريس الحريات ويسمح بفتح المجال أمام الرأي والرأي المخالف ويحاول الوصول إلى الحقائق والمعلومات بطرق احترافية وموضوعية معروفة لدى رجال الإعلام النزهاء ،
فالإعلام في مصر أمام مسؤولية تاريخية ووطنية على حد كبير منن الخطورة وعليه أن يعكس بصورة صادقة وموضوعية نبض الشارع المصري وآماله وتطلعاته دون النزوع إلى تأويلات وقراءات سياسية لذلك المشهد أو ذاك فذلك من اختصاص ودور المعارضة السياسية بكل أطيافها وإذا كان الأمر كذلك فمن الضروري إعادة فتح كل القنوات الإعلامية ودعمها في سبيل دعم الممارسة الديمقراطية والحريات بعيدا عن التعنيف والتطرف والأحادية
ويمكننا أن نشير في نهاية تحليلنا للمشهد السياسي في مصر الذي هو مرشح للتعقد إذا لم يستجيب أصحاب الانقلاب إلى منطق الحكمة ومبدأ الشرعية الدستورية ويعيدون المسار الطبيعي للممارسة الديمقراطية والحريات التي بدأت بثورة سلمية شعبية عصفت بالقوى الفاسدة المتسلطة على رقبة المواطن المصري الغلبان منذ عقود كثيرة واعتقد أنها مسؤولية خطيرة يتحملها كل أحرار وشرفاء مصر الشقيقة التي هي جزء لا يتجزء من هويتنا وامتدادنا العربي الإسلامي أحب من أحب وكره من كره "
.
*صحفي وكاتب مستقل، باحث في قسم الماجستير علوم سياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.