ما هي قراءتكم للأوضاع في مصر، بين من يعتقد أن ما حدث انقلاب عسكري خرق الشرعية الدستورية، ومن يرى أن الشرعية الثورية أباحت عزل مرسي؟ في الواقع، للإجابة على هذا السؤال لا بد من العودة إلى الدستور نفسه وطرح السؤال حول مدى احترام الدستور الذي أقره الإخوان للشرعية. والكل يتذكر أن الشركاء السياسيين ومختف التيارات أعربت عن رفضها لإجراء استفتاء على الدستور قبل التوصل لتوافق يرضي كامل مكونات الشعب المصري، لذلك يمكن القول إن الدستور لم يكن شرعيا بالنسبة لمن رفضه، على الرغم من نتيجة الاستفتاء. لذلك يشدد كل من رفض الدستور على أن الشرعية الوحيدة اليوم هي شرعية الثورة والمستمدة من الشعب. من هذا المنطلق هناك اعتقاد راسخ لدى الشارع المصري أن عزل مرسي هو استكمال لثورة جانفي، بعد الفشل الكبير الذي أظهره مرسي وجماعته في تسيير البلاد. لكن ألا تعتقدون أن تدخل القوات المسلحة وحسم النزاع السياسي فيه إضرار للمسار الديمقراطي؟ في الواقع لا بد من الإقرار أنه في مصر، كما في بقية الدول العربية، وحده الجيش القادر على الفصل، وذلك راجع لتركيبة وطبيعة الأنظمة العربية، وما يحدث أن مصر تعيش اليوم مخاضا عسيرا لم يسبق لها أن عرفته من قبل، إذ يسعى الشعب لبناء دولة مدنية لا عسكرية ولا دينية. وفي اعتقادي الخاص فإننا خلال السنتين الماضيتين جربنا الحكم العسكري والديني، ونجح الشعب في الحالتين من التخلص من هذه الأنظمة الفاسدة. وعليه أعتقد أنه على الرغم من تدخل القوات المسلحة لفض النزاع السياسي، إلا أنه أدرك الدرس ولا يمكن أن يكرر الأخطاء نفسها، بمعنى أن تدخله سيكون مؤقتا، مثلما أعلن عنه، وسيتراجع لدوره الحقيقي بمجرد انتخاب رئيس مدني للبلاد. وهل هناك ضمانات لحماية ثورة 30 جوان ومدنية الدولة؟ أعتقد أن الشعب المصري أثبت وجهة نظره بشكل أبهر العالم، وعليه يبقى الشعب هو خير ضامن في المرحلة المقبلة، وكل من تسول له نفسه تكرار التجارب الماضية والاستبداد والانفراد بالحكم سيلقى من الشعب المعارضة الشديدة. ماذا بخصوص الإخوان وتيار الإسلام السياسي، هل سيبقى ضمن الفاعلين في الساحة السياسية؟ التيار الإسلامي سيبقى في الساحة، ببساطة لأنه متجذر في المجتمع، والحال أن الكثير من الأحزاب الإسلامية كانت من الجموع الداعمة لرحيل مرسي، بعدما أدركت أنه أرسى قواعد نظام إقصائي. أما بخصوص جماعة الإخوان فهي أكبر الخاسرين، ليس فقط بسبب إزاحة مرسي عن الرئاسة، وإنما بتعنّته وإصراره على معارضة مطالب الشعب، إذ كان بإمكانه تفادي هذا الانقسام والاستجابة للشارع، وحفظ ما تبقى من مصداقية للإخوان، والحال أن التاريخ سيسجل أن محمد مرسي والمرشد العام محمد بديع قضيا على الجماعة في مصر. .