عندما يدير أحدنا ناظريه في بلاد المسلمين والعرب يكتشف أن جهودا كبيرة لا تزال دون تحقيق نظام يكون ثمرة لخيارات الناس ومصالحهم وهويتهم محققا سيادتهم واستقلالهم. وكم نرى أن السيف قد أعمل في الأمة نتيجة التحولق حول الحكم وكأنه ملك لفئة أو حزب أو اتجاه أو قوم.. ولئن خرج النموذج التركي والإيراني عن المشهد إلا أنه بالتدبر نكتشف تميز المشهد الإيراني باستقلاله عن القرار الغربي وسيادته وتحديه للمصالح الأمريكية في المنطقة. "الديمقراطية".. مذبوحة في بلاد العرب والمسلمين.. ولم يتسطع مخاض "الربيع العربي" أن يزحزح الأقدام الغليظة من مواطئها قيد أنملة وفي مشهد تراجيدي وعلى شاشات التلفزيون تم إزاحة رئيس منتخب لأسباب صنعها خصومه.. فترنحت ديمقراطية العرب لأمد يعلمه الله وحده.
إلا أن هناك بصيص أمل لا يزال يقاوم، يتمثل بالتداول السلمي على السلطة في إيران.. حيث أرسى الإمام الخميني نظاما مستمدا من الفقه الإسلامي والتاريخ الإسلامي في الحكم أصبح التداول على السلطة بموجبه سلسا وحضاريا بما لم يترك فرصة للعدو قبل المراقب المحايد للنقد والتجريح.. نظام سياسي بمجلس شورى ومؤسسة حفظ النظام "أهل الحل والعقد". انتخاب الرئيس في إيران عملية من ممارسة الحق العام الذي يملكه الشعب لأن تنصيب الحاكم حق للأمة.. وعملية لانتخاب الأفضل حسب شروط يقتنع بها كل منصف فيسابق الرجال المؤهلون على موقع حساس خطير وفي ظل انتخابات تقترب من النزاهة بشكل كبير.. لم تكن ذات قيمة تلك المبررات التي طالما سمعناها من أبواق الأنظمة الديكتاتورية لعدم إجراء عمليات التداول على السلطة، ففي ظل التخويف من العدو الخارجي أصبح حكامنا ملوكا وأصبح الحكم حكرا.. هذا المبرر لم يجد قبولا في إيران وتجربتها السياسية المتميزة بل شهدت الساحة الإيرانية تبدل الحكام في أشد لحظات التحدي الخارجي والداخلي فيها.. روحاني.. الشيخ المعمم والمعتدل حسب توصيف وسائل الإعلام أو الذئب في ثوب الحمل، حسب توصيف القادة الصهاينة.. الشيخ الذي كان له أن حمل ملفات حساسة وخطيرة، هاهو يتقدم بعد فوز في الانتخابات الأخيرة ليتسلم مقاليد منصبه بعد شهرين على إعلان النتيجة.. شهران انقضيا على الإعلان عن النتيجة قضاهما الرجل في الاطلاع على ملفات الرئاسة ودراسة مشكلات تواجه إيران. أجل إننا أمام نموذج استطاع أن يحقق التعددية السياسية والتناوب السلمي على السلطة، وفي الوقت نفسه تحقيق السيادة الوطنية، وفي ظل هذا كله، التطور العلمي والاقتصادي الذي خول الدولة الإيرانية أن تكون الدولة الإقليمية التي لا يمكن تجاوزها والدولة التي بإمكانها أن تدخل تحالفات دولية لمحاصرة المخططات الأمريكية في المنطقة.
أجل إن الأمة، وهي تواجه التحديات المتتالية، تجد في كيفية مواجهة إيران للملفات العديدة تجربة ناجحة يمكن البناء عليها، ولا سيما عدم التنازل عن فلسطين وجعل القدس بوصلة كل الجهود السياسية والعسكرية والأمنية.. وكما أن إيران دفعت أثمانا بالغة سياسية واقتصادية من أجل القدس إلا أن القدس أيضا منحها اليقين والعزيمة والوعي.. فهل من معتبر؟