أضحت ظاهرة الإختطاف التي تنامت بشكل رهيب في مجتمعنا، هاجسا يؤرق معظم الأولياء، الذين أخذوا كل الاحتياطات اللازمة في سبيل حماية فلذات أكبادهم، من أيدي بعض المنحرفين والمجرمين، فقرر العديد منهم أن يلازم أبناءه مثل ظلهم، فيوصلونهم إلى غاية باب المدرسة وينتظرونهم في المساء لمصاحبتهم إلى البيت، لضمان سلامة صغارهم من الإصابة بأي سوء، خاصة وأن سلسلة الاختطافات والاعتداءات مست فئة لابأس بها من البراءة في الآونة الأخيرة. يعتبر خوف الأولياء على سلامة أبنائهم أمرا طبيعيا، بما أن الطفل الصغير يحتاج دائما إلى حماية، حيث أنه لا يحسن الدفاع عن نفسه من غدر بعض الأشرار والمجرمين الذين تسول لهم أنفسهم التعدي على عالم البراءة، وإبعادهم عن حضن والديهم وأهلهم، بل تصل إلى غاية إقدام هؤلاء المنحرفين والمسبوقين قضائيا على قتل أطفال أبرياء لا ذنب لهم، مثلما حدث مع"هارون وإبراهيم"، "ياسر"، "سندس" و"شيماء" وغيرهم كثيرون ذهبوا ولم يعودوا إلى دفء العائلة. وفي ظل استفحال هذه الظاهرة بصورة كبيرة، زادت مخاوف الأولياء، فقرر الكثير منهم التحول إلى حارس شخصي لأبنائه المتمدرسين، بغرض توفير الحماية اللازمة لهم، في طريق الذهاب والعودة من المدرسة، فتفضل الأمهات الماكثات بالبيت إصطحاب فلذات أكبادهن إلى غاية الباب الخارجي للمؤسسة التربوية، بل إيصاله إلى الصف، حتى تطمئن على سلامتهم، ثم تنتظرهم في المساء أمام باب المدرسة، قبل أن يدق جرس الخروج بحوالي ربع ساعة أو أكثر للعودة بهم إلى البيت، أما العاملات فتوكلن مهمة مرافقة أطفالهن لفرد من أفراد العائلة الذي تضع فيه الثقة الكاملة. وفي جولتنا بالقرب من مجموعة من المدارس الابتدائية في بلدية المقرية بحسين داي، خلال الفترة المسائية، لاحظنا أعدادا لابأس بها من النساء ينتظرن بالقرب من الباب الخارجي للمدرسة، اقتربنا من بعضهن وجمعتنا معهن دردشة قصيرة. "أمينة" أم لطفلتين، إحداهما تدرس السنة الأولى ابتدائي والأخرى السنة الرابعة، تقول إنها تقوم بمرافقة ابنتيها في الصباح إلى غاية باب المدرسة، وتنتظرهما إلى حين دخولهما إلى قسميهما، وبعد أن تطمئن عليهما، تعود إلى المنزل للقيام بشؤون البيت، وفي الفترة المسائية وقبل أن يدق جرس الخروج بربع ساعة تتجه إلى المدرسة التي تبعد عن بيتها بضعة أمتار، وتظل في انتظارهما في الخارج إلى أن يدق الجرس إيذانا بانتهاء فترة الدراسة، فتمسكهما من يديهما جيدا للعودة بهما إلى الدار. "خالتي مريم" جدة لأربعة أطفال أخبرتنا أنها تقوم كل صباح بإيصال حفيدها الصغير البالغ من العمر سبع سنوات إلى المدرسة، بما أن ابنها وكنتها عاملان ويقصدان مقر عملهما الذي يبعد عن البيت بعدة كيلومترات في ساعات مبكرة، فأوكلا إليها مهمة إيصال حفيدها، وفي المساء تقصد المدرسة، لترافقه في طريق العودة إلى البيت، و تمكث معه إلى غاية خروج والداه من العمل والالتحاق بالمنزل. "زهية" عمة لطفلة تدرس السنة الأولى ابتدائي، تقول أن زوجة أخيها ليست عاملة، إلا أنها قامت بتربية الطفلة "منال" لذا تحب أن تأخذها إلى المدرسة، وتدخل معها إلى غاية الساحة، وعقب انتهاء الفترة الدراسية تنتظرها بكل حب أمام الباب، لتعود بها إلى البيت، مضيفة أنها حتى في بعض الأحيان التي تكون مريضة فيها، لا تتخلى عن مهمة مرافقة الصغيرة "منال"، خوفا عليها من أن يقوم أحد المجرمين باختطافها، خاصة بعد مشاهدة سلسلة الاختطافات لأطفال عبر وسائل الإعلام، ثم توقفت محدثتنا وأشارت إلى البيت العائلي، الذي يقع بالمقابل للابتدائية التي تدرس فيها ابنة أخيها، وعلى الرغم من قربه إلا أنهم لا يأمنون عليها الذهاب والعودة بمفردها. من خلال حديث هؤلاء النسوة لمسنا التقاء آرائهن في نقطة واحدة، تعد السبب الرئيسي لمرافقتهن للتلاميذ في طريق الذهاب والإياب، وهي تخوفهن من أن تطال أيدي المختطفين واحدا من أبنائهن، فيدخل أفراد العائلة في متاهة البحث عنه، وهو ما يسعى الأولياء لتفاديه، من خلال سد أي ثغرة يمكن استغلالها من قبل عصابات اختطاف الأطفال.