أصبحت ظاهرة مرافقة الأولياء للأبناء إلى المدارس مشهدا من المشاهد اليومية الملفتة أمام الابتدائيات، وهو المشهد الذي لم يكن سائدا في عشريات خلت، حيث كان الأطفال يتوجهون إلى مدراسهم مع أقرانهم من أبناء الحي.. ''المساء'' وقفت على هذه الظاهرة بالعاصمة لتسأل عن سبب إصرار أولياء اليوم على حراسة أبنائهم. الخوف على سلامة الأبناء هو القاسم المشترك في إجابات العديد من الأولياء الذين اضطرتهم مستجدات الحياة العصرية إلى إضافة دور حراسة الأبناء إلى رزنامة نشاطاتهم اليومية، فوفقا للمعاينة الميدانية، فإن هذا الدور الجديد الذي اقتحم الحياة الاجتماعية منذ السنوات الأخيرة سقط بثقله على المرأة بالدرجة الأولى، والتي بات ضمان وصول أبنائها بسلام إلى المدرسة الشغل الشاغل الذي يُخصص له وقت من الحيز الزمني اليومي أو يتجند له الأقارب والجيران. ''فادي'' الذي يدرس في السنة الثانية ابتدائي، والذي صادفناه رفقة خالته هو عينة من الأطفال الذين ترافقهم الوالدة يوميا إلى المدرسة... وعن ذلك تقول خالته: ''تضطر شقيقتي يوميا لاصطحابه، وهي محقة في هذا، لأن الفضاء الخارجي محفوف بمخاطر التعرض للضرب أو السرقة''. وذكرت ل''المساء'' أن الحال لم يكن كذلك مع الأجيال السابقة، لأن الأمهات في معظمهن ماكثات بالبيت لا يعرفن حقيقة ما يجري في الخارج، أما ''أم ملينة'' التي كانت برفقة ابنتها بسوق ساحة الشهداء، فصرحت بأنها تجد نفسها ملزمة بمرافقة ابنتها أربع مرات في اليوم ذهابا وإيابا، باعتبار أن خوفها من تعرض الابنة لأي مكروه يجبرها على ذلك، فرغم أن الابتدائية ليست بعيدة عن المنزل، لكن هاجس حوادث المرور يدفعها لمرافقتها ومساعدتها على قطع الطريق المزدحم بالسيارات. ''أم صفاء'' التي كانت تتبضع ب''زوج عيون'' لا تدع طفلتها لتذهب إلى الابتدائية بمفردها، إنما ترسلها مع مجموعة من أبناء الجيران.. وأشارت في سياق حديثها إلى أنها رغم ذلك لا يطمئن قلبها خوفا من تعرضها للأذى. سيدة أخرى بمدينة الرغاية كشفت أن الخوف من حوادث المرور، هو السبب الذي ألزمها باصطحاب طفلتها يوميا عند الذهاب والعودة من ابتدائية ''الإخوة تماعوست'' التي تفتقر لوجود ممر للراجلين، مما يتسبب في تعرض العديد من أطفال هذه الابتدائية لحوادث المرور.. الجدير بالذكر في هذا الإطار هو أن العديد من الأولياء الذين يدرس أبناؤهم في هذه الابتدائية طالبوا السلطات المحلية بإنجاز ممر للراجلين بالقرب من هذه الابتدائية لحماية أبنائهم من خطر المركبات. كما زادت الأخبار التي تروج لموجة الاعتداءات التي يتعرض لها الصغار، وفي مقدمتها عمليات الاختطاف أمام المؤسسات التربوية والمتاجرة بأعضائهم البشرية التي أسالت حبر العديد من الأقلام الصحفية.. هذه الأنباء أثارت قلق العديد من الآباء وأعادت إلى أذهانهم الصور البشعة لأطفال تعرضوا لمثل هذه الأحداث، لذا كثفوا من سبل مراقبة أبنائهم.. ومن ضمن هؤلاء ''أم ماريا'' التي قالت ل''المساء'': ''أنباء الاختطاف والاعتداءات التي تغزو صفائح الجرائد لا تدعو للاطمئنان مطلقا، خاصة بعدما قرأت عن طالبة جامعية تم اختطافها من قرب الجامعة.. فما بالك بالصغار؟''. سألتها ''المساء'' عما إذا كانت ستتخلى عن مرافقة طفلتيها عندما تنتقلان إلى الطور الإكمالي فردت: ''لا أعتقد''. وأوضحت ''أم ملاك'' التي كانت برفقتها: ''نعم لهذه الأسباب نضطر لمرافقة أبنائنا أربع مرات في اليوم ذهابا وإيابا، وهذا الأمر يشكل ضغطا كبيرا علينا ويحول دون تمكننا من أداء واجباتنا المنزلية كما ينبغي، كونه يختزل جزءا معتبرا من وقتنا ويسبب التعب''. ويبدو عموما أن خروج الأطفال للتمدرس أو اللعب صار أمرا محفوفا بالقلق بالنسبة للعديد من آباء اليوم، ويدعو للبحث عن الطرق الكفيلة بحماية فلذات الكبد، وهي الحماية التي تصل إلى حد التضييق على الأطفال، فحتى الخروج إلى اللعب صار مشروطا بمراقبة الأولياء من الشرفات أو بالاصطحاب لما يتعلق الأمر بالذهاب إلى قاعات الرياضة. فمع مرور الوقت تحولت مرافقة الأبناء من إجراء للحماية إلى عادة ترسخت لدى العديد من العائلات، وهو ما يؤكده مشهد الأمهات وهن مصطفات أمام الابتدائيات تحسبا لموعد خروج صغارهن بسبب هاجس الاختطاف أو الموت جراء حوادث المرور الذي لم يعد يفارق مخيلة الكثير من الأسر.