كاميرات صغيرة جدا تسلل بين ثقوب الركام الهائل لمبنى المفوضية العليا للاجئين بحيدرة..وميكروفونات دقيقة لالتقاط أي ذبذبات صوتية كدقات القلب أو جس آخر الأنفاس..اسطوانات حديدية مدعمة بمحركات عالية القوة لشق الطريق بين أطنان الأسمنت المسلح,,وعمل متواصل دون انقطاع لأعوان الحماية المدنية الذين ارتسم هدف إنقاذ أكبر قدر من الأرواح البشرية في أعينهم..وستة أشخاص يعودون إلى الحياة بعد أن دفنهم ركام المبنى المتهاوي لأكثر من 12 ساعة. هذا مشهد مقتضب من رحلة البحث تحت الأنقاض بموقع مبنى المفوضية العليا للاجئين بحيدرة الذي استهدفه التفجير الإرهابي الثاني صبيحة الثلاثاء الأسود، رحلة أو تحدي البحث تحت الأنقاض انطلق فيه أعوان الحماية المدنية في من الدقائق الأولى بعد الانفجار لإنقاذ أكبر عدد من الأرواح البشرية التي طمرتها أطنان الإسمنت المسلح وركام أساسات المبنى الذي تهاوى عن آخره في رمشة عين. إلا أن عملية البحث تحت الأنقاض تواصلت لساعات طوال استمرت لدقائق قبيل فجر يوم الأربعاء، رافقتهم فيها الزميلة زكية مهدي من التلفزيون الجزائري التي زفت لنا خبر إنقاذ ستة أشخاص على قيد الحياة من تحت الأنقاض علاوة عن انتشال عشرات الجثث من تحت الحطام وعكست لنا جانبا من جهود وعمل أعوان الحماية المدنية. جهود نبيلة..وهدف أنبل ساعات من العمل المتواصل دون انقطاع فلا مجال للراحة أو حتى الأكل، جرعات من الماء فقط بين الفينة و الأخرى، معدات وجهود كبيرة لكن الإرادة كانت أكبر، والهدف كان واضح بعيون أعوان الحماية المدنية فرغم قلة كلامهم إلى أن نظراتهم تكلمت مطولا عن ما بذلوه من جهود على حد تعبير الزميلة الصحفية زكية مهدي. و انطلقت عملية البحث تحت الأنقاض باختيار الجهات الأكثر احتواء على الثقوب قصد إدخال كاميرات صغيرة جدا لاكتشاف الموقع تحت الأنقاض و التأكد من وجود أشخاص أم لا، وإن تعذر على الكاميرات التقاط الصور فإن الميكروفونات الدقيقة في التقاط أدق الأصوات تكشف عن وجود أحياء أم لا، فمجرد سماع صوتٍ ولو كان خافت يشحذ الهمم عند الجميع و وليتجدد التحدي بشق الطريق وسط الركام والحطام باسطوانات حديدية مدعمة بمحركات عالية القوة تملئ على آخرها بالمازوت لتنطلق الرحلة في أعماق الأنقاض بعزيمة كبيرة دون نسيان طمأنة الضحية تحت الأنقاض والتحدث معه طيلة العملية ب"رانا معاك..أتنفس مليح ..رانا وصلنا ما بقى والوا..ماتخفش راك سلكت" قصد تشجيعه على الصمود أكثر بغية إنقاذه حيا. إنقاذ أربعة أشخاص قبل الظهيرة..وبدأ الأمل يتلاشى وتمكن أعوان الحماية المدنية من إنقاذ أربعة أشخاص أحياء من تحت الأنقاض قبل الظهيرة أي بعد مرور حوالي أربع ساعات من ساعة الانفجار نقلوا على جناح السرعة إلى المستشفيات الأقرب لتلقي الإسعافات الأولية فضلا عن الكثير من الجثث التي صادفوها في طريقهم إلى إنقاذ ألأحياء تحت الأنقاض، إلى أن الأمل في إيجاد أحياء آخرين بدأ يتلاشى شيئا فشيء، وأصبح الزمن أكبر تحد أمام الجميع فبمرور كل دقيقة يتضاءل الأمل أكثر، وزاد صلابة الأسمنت المسلح من صعوبة اختراق الحطام خاصة وأن المبنى كان مدعما بأساسين كل واحد يحوي مئات الأطنان من الإسمنت المسلح. بصيص الأمل.. صوت سيدة من تحت الأنقاض عند الثالثة وبعد مرور ساعة من البحث دون جدوى، ينبعث صوت خافت من الأنقاض ليصرخ أحد أعوان الحماية المدنية"صوت امرأة..إنها حية" ليكون هذا بمثابة دافع آخر للانطلاق من جديد متناسين التعب والإرهاق،وتبدأ المحركات في شق الطريق وسط الحطام الإسمنت المسلح بحثا عن السيدة التي أعيتها الساعات الطوال تحت الأنقاض إلا أن كلمات أعوان الحماية المدنية و طمأنتهم لها جعلتها تجمع أنفاسها وترد عليهم بكلام غير مفهوم إلا أنه دليل ومؤشر أنها على قيد الحياة. وبعد حوالي ساعة تبدو يد السيدة لتتلقفها أيادي أعوان الحماية المدنية ويساعدونها على الخروج لتكون الشخص الخامس الذي يوفقونا في استخراجه من تحت الأنقاض حيًا، إلا أنه الأولى بعد مرور أكثر من ستة ساعات من الانفجار، كانت في قمة الهلع والذعر..تتنفس بصعوبة والغبار يلفها إلا أنها تمكنت من أن تنجو بتشبثها بالحياة وإرادة وجهد أعوان الحماية المدنية في إنقاذها حية لتنقل مباشرة إلى مستشفى مصطفى باشا حسب المعلومات المتوفرة مصحوبة بأخصائية نفسية أكدت تحسن حالتها النفسية وزوال حالة الهلع ووقع الصدمة عليها بشكل جزئي. وبعد دقائق من إنقاذ السيدة تواصلت الجهود لإنقاذ شخص آخر من تحت الأنقاذ حيا ليكون مجموع الأشخاص الذين تم إنقاذهم أحياءا من تحت الأنقاذ ستة أشخاص إلا أن عملية البحث بقيت متواصلة إلى حدود فجر يوم الأربعاء إلا أنها لم تنتشل بعد ذلك إلا جثث. زين العابدين جبارة