سمحت في أولادي ووسط الركام عثرت على جثة أعز صديقاتي·· ورغم كل الظروف أكتفي بدعاوي الخير·· هي عبارات مقتضبة من حوار أجريناه مع طبيبة بالحماية المدنية وردية شولي فتحت لنا قلبها الذي وجدناه ممزقا بين فلذات الأكباد وواجب الإنقاذ الذي ناداها يوم الثلاثاء الأسود الذي رسخ في ذاكرتها من خلال الصور البطولية لأعوان الانقاذ، فهي تحدثنا عن سفيان الذي ظل متمسكا بالحياة طيلة 18 ساعة ليكون رمزا للشجاعة وملهما للقوة والإرادة لدى وردية وراحت وردية تحدثنا قائلة: كانت الساعة تشير إلى تمام العاشرة إلا الربع صباحا عندما سمعت دوي انفجار تلته أصوات منبهات سيارات الإسعاف وكنت حينها بمقاعد الجامعة المركزية في تربص تكويني وفورا خرجت من القاعة مسرعة دون استئذان المدرس واستقلت سيارة أجرة للإلتحاق بمقر عملي بالمديرية بحيدرة وفي الطريق تبين أن الأمر يتعلق بانفجار قنبلتين ببن عكنون وحيدرة حيث يتواجد أحد أبنائي بروضة للأطفال وطيلة الطريق احترت بين التوجه الى الروضة لأخذ ابني الى البيت بما أنني كنت في وضعية انتداب، اوالإلتحاق بمقر العمل تلبية لنداء الواجب··· لكني سرعان ما وجدت نفسي أحمل حقيبة الإسعاف متوجهة الى موقع الانفجار بحيدرة التي وصلت اليها في حدود الساعة الحادية عشر و30 دقيقة واستمر عملي بالمكان مدة 12 ساعة كاملة انتهت في حدود الساعة الخامسة صباحا مباشرة بعد اخراج الشاب سفيان دبيح من تحت أنقاض عمارة من أربعة طوابق، وقبل ذلك كانت وردية قد أسعفت إحدى السيدات أُخرجت من تحت ركام المبنى المنهار رفقة الشاب نزيم بن الشيخ الذي تعهد فور إنقاذه أن يعمل كطبيب بالحماية المدنية وهو الذي أنهى سنته السادسة في فرع الطب غير أن صدمتها كانت شديدة عندما اكتشفت أن إحدى أعز صديقاتها لقيت حتفها·· ولكن العمل يستمر·· وواصلت قائلة: إنه في خضم عملية البحث عن أحياء وسط الركام والأتربة، أصوات تعالت تنبئ بوجود حي تحت الأنقاض تحسسته أجهزة الإستشعار والميكروفونات الدقيقة التي التقطت ذبذبات صوتية لسفيان··· سارعت الى موقع سفيان الذي لم يكن يظهر منه سوى أصبع السبابة حاولت الدخول تحت الأنقاض لكنني منعت لخطورة المكان·· بقيت أحوم بالموقع، استغفلت أحدهم ودخلت فأنا لم ألتحق بالحماية المدنية لأنني كنت بطالة، كنت أحلم بها منذ صغري فأنا أحب المغامرة وأحب إنقاذ الضحايا تضيف وردية التي رأت في قوة سفيان وشجاعته وتمسكه بالحياة ملهما ومصدرا آخر للقوة قائلة: خفت كثيرا ان نفقد سفيان بعد جهد 18 ساعة من العمل وكنت سأصاب بخيبة أمل كبيرة لو لم ننقذ حياته، كنت أعمل وكأنني أسعف ابني تحت الأنقاض وشعوري كشعور أي أم تجاه أبنائها لتختم حوارها لنا بقولها ماذا تساوي حياتي أمام أجر اللّه·· ورغم الظروف المهنية والوضعية الاجتماعية لأعوان الحماية المدنية فإن "دعوة خير" ممن أنقذناهم تكفيني وتنسيني تعب المهنة وشحها···