قال علماء إن أنواعا من الغربان تتخذ من جزر في شرق استراليا موطنا لها حيرت العلماء منذ زمن بعيد بسبب ذكائها الشديد أثبتت نبوغها الآن من خلال قدرتها على حل لغز واحد على الأقل في مستوى طفل عمره سبع سنوات. ومثلها مثل غيرها من الأبحاث فإن هذه الدراسة التي تركز على المهارات الإدراكية لغير البشر تسلط الضوء على مفاهيم منها تطور القدرات المعرفية والذكاء وما اذا كان تباين القدرات المعرفية يتمخض عن إمكانات فذة أو بمعدلات تختلف تمام الاختلاف حسب الأنواع. وتشير النتائج التي أعلنت إلى أن فهم الأسباب وتأثيراتها ربما يكون قد نشأ في مراحل مبكرة نوعا ما. وقالت سارة جيلبرت عالمة الأحياء بجامعة أوكلاند التي أشرفت على هذا البحث إنه من خلال دراسة القدرات المعرفية للحيوانات الأخرى "سيكون بوسعنا تقييم العوامل التي يرجح ان تكون قد أدت إلى نشوء الآليات الإدراكية المختلفة لاسيما الحل المرن للمشكلات أو ما يعرف باسم الذكاء الذي يمكن ان نلمسه في مجموعات معينة داخل المملكة الحيوانية". وأضافت "فهمنا لذلك قد يعيننا بدوره على ان نتعرف على نشوء الإدراك وتطوره لدى الجنس البشري". وفي سياق هذه الدراسة الجديدة التي نشرتها دورية (بلوس وان) العلمية نجح العلماء في اصطياد ستة من غربان منطقة كاليدونيا الجديدة وهي الطيور التي تعرف بالاسم العلمي (كورفوس مونيديولويدس) وعثر عليها تحديدا في منطقة جراند تير في أرخبيل كاليدونيا الجديدة. وهذه الأنواع من الغربان هي الكائنات الوحيدة خارج رتبة الرئيسيات التي يمكنها صنع أدوات في البرية إذ تتميز هذه الطيور بقدرتها الفريدة على كسر الأغصان وتهذيبها ونزع الأوراق المدببة أو ذات الأشواك لاستخدامها كخطاطيف تبحث بالاستعانة بها عن الحشرات. وفي المعامل نجحت هذه الطيور الذكية في ثني الأسلاك لاستخدامها في الحصول على الغذاء البعيد عن متناولها. وتحدى العلماء الغربان في مهمة مستلهمة من الأسطورة الاغريقية القديمة المعروفة باسم (خرافات ايسوب) لاسيما رواية (الغراب والإبريق) التي تحكي قصة غراب ظمآن وجد إبريقا به قليل من الماء في قاعه يتعذر الوصول إليه ثم واتته فكرة ذكية بان ألقى بالأحجار داخل الإبريق حتى ارتفع منسوب الماء ليصل إلى منقاره. وبعد أن تم تدريب الغربان على التقاط الأحجار تحدت جيلبرت وزملاؤها الطيور بتجارب أخرى شبيهة بأساطير الحكيم الإغريقي ايسوب بان وضعوا مكعبات من اللحوم ملتصقة بالفلين داخل أنابيب شفافة وعلى أعماق يتعذر على الغراب ان يصل اليها بمنقاره. هنا تألق ذكاء الغربان إذ وضع الباحثون انبوبتين أمامها إحداهما مملوءة جزئيا بالرمال والأخرى مملوءة جزئيا بالماء ولم يهدر معظم الغربان الوقت بإسقاط الأحجار بلا طائل في أنبوبة الرمال واختار 76 في المئة من الغربان خلال التجربة القاء الأحجار في الأنبوبة المملوءة جزئيا بالماء. وتنوعت بعد ذلك تجارب مختلفة على الغربان منها إسقاط المطاط وهي مادة تغوص في الماء أو البوليستر وهي مادة تطفو فوق سطح الماء فضلا عن الاستعانة بمواد مجوفة أو صلبة في الأنبوبة المليئة بالماء وكانت النتيجة ان قام نحو 90 في المئة من الغربان في التجارب باختيار المطاط الذي يغوص في الماء والمواد الصلبة التي تغوص أيضا. كما وضع الباحثون أنابيب ضيقة وأخرى متسعة مملوءة بالماء وبمناسيب متساوية الا ان الطيور اتجهت معظمها إلى وضع المواد التي ترفع مستوى الماء في الأنابيب الواسعة. وقال الباحثون إنه في معرض فهم هذه الطيور للمبادئ الطبيعية وكيف تحل الأجسام محل الماء وتزيحه من الحيز الموجود به أمكن مقارنة مستوى ذكاء الغربان بطفل عمره بين خمس وسبع سنوات إذ يبدو ان الطيور أدركت الفرق بين مختلف الأجسام المجوفة والصلبة وهي المرة الأولى التي تتوصل فيها الأبحاث إلى هذه النتائج. وقالت أماندا سيد من جامعة سان أندروز في اسكتلندا والخبيرة في مجال تعلم الحيوان إن التجارب المتعلقة بأساطير الحكيم الاغريقي ايسوب تمخضت عن "بعض النتائج المثيرة إذ ان توليفة النجاح في بعض الأحوال والفشل في ظروف أخرى مفيدة بدرجة كبيرة في فهم تطور آليات المعرفة.