قادة بن عمار بيّنت قصة الشيخ الانتحاري الذي فجّر المدنيين والأجانب في حيّ حيدرة أن الجزائر ما تزال تحمل في أحشائها كثيرا من النماذج السيئة والقنابل الموقوتة التي تنتظر من يشعل فتيلها تحت أي شعار قد يكون الانتقام هو دافعه الأساسي مثلما هي قصة رابح بشلة أو لضياع بوصلة التقوى والجهل بالدين الصحيح مثلما هو الأمر بالنسبة للعربي شارف، وكلاهما من هذه الأرض ولم يسقطا فيها أو على شعبها من الفضاء يوم الثلاثاء الأسود، لا بل إن مفجر الأبرياء في حيدرة من أسرة ثورية، وبالتالي بات لزاما مراجعة كثير من الأمور السياسية والأمنية التي تنتج مثل هؤلاء الانتحاريين بدلا من الخوض في مسائل "أيّهما أسبق الحل السياسي أم الأمني"، أو السقوط في فخ اختزال الفاجعة مثل التركيز على سرّ الرقم 11 في كل التفجيرات، وكأنه عيد الدمويين من كل شهر ! تفجيرات الثلاثاء الأسود على بشاعتها، أماطت اللثام مرّة أخرى وكشفت عورة طبقة سياسية لا تنفع إلا للتطبيل في مناسبات السلطة وذرف الدموع الكاذبة في أحزانها، ومن المهين حقا لكل الدماء التي أُريقت دون وجه حق يوم ال 11 ديسمبر أن تتلوها دعوات سياسية كتلك التي يُطلقها صيّادو الفرص هذه الأيام من أنّ التفجيرات جاءت للتشويش على مسعى الرئيس، أو أن يجد المساندون تحت الطلب فيها فرصة مواتية لتنظيم مسيرات التنديد بالإرهاب مغلّفة بدعوات الدعم والتزكية، وذلك هو الخطأ الجسيم الذي يرتكبه الانتحاريون السياسيون، وهو تفجير ثالث لا تسيل فيه الدماء لكن تضيع فيه الحرية وتتقلص معه إرادة الشعب في الاختيار بعيدا عن الضغط مهما كان اسمه أو الجهة التي تمارسه ! تفجيرات الثلاثاء الأسود امتحان صعب لإرادة الشعب في الدفاع عن خياراته المصيرية، وهي أيضا امتحان جديد في وجه المصالحة التي أخطأ في حقها السياسيون قبل أن يرميها دعاة الفتنة والباحثون عن الدماء في الجبال، كما أن محاولة التركيز على كون الانتحاري الذي فجر الطلبة والتلاميذ في بن عكنون هو أحد المستفيدين من المصالحة الوطنية التي زكاها الشعب هي محاولة يائسة للعودة مرة أخرى إلى المربع الأول، بكل مآسيه وأخطائه، ذلك أن الجميع يدرك، ما عدا أولئك الذي يرفضون ويمتنعون قصدا وبسوء نية، أن الخطأ كان في المستفيد وليس في المبدأ، وأن المصالحة الوطنية التي يرجوها الشعب لم تطبق بشكلها الكامل، وقد أخطأ في حقها أشباه المستفيدين وبقايا الإرهاب الدموي، تماما مثلما أخطأ في حقها أيضا عدد كبير من السياسيين والمتحزبين!