فقدت الساحة السياسية الباكستانية وجها معارضا بارزا ،هي زعيمة حزب الشعب ،بنازير بوتو التي اغتيلت يوم الخميس فور انتهائها من خطاب شعبي في روالبندي بضواحي العاصمة إسلام آباد، ونجح أعداء هذه السيدة هذه المرة في تصفيتها بعد محاولات سابقة أبرزها تلك التي استهدفتها في أكتوبر الماضي في كراتشي فور عودتها من المنفى.. ليلى/ل وجاءت عملية الاغتيال هذه لتخلط المزيد من الأوراق،أمنيا وسياسيا وتضع مستقبل هذا البلد المسلم قاب قوسين، سيما في ظل التحديات التي تواجهه منذ بداية سنوات الألفية. فبنازير بوتو كانت رقما مهما في المعادلة السياسية الباكستانية وقد شكلت عودتها إلى باكستان بعد سنوات المنفى قلقا لدى العديد من الأطراف الداخلية ، وخاصة نظام الرئيس برويز مشرف والجماعات المتشددة.. وكانت بوتو قد اتخذت قرارها بترك المنفى بعد أن منحها نظام مشرف ضمانات ،حيث ذكرت تقارير إخبارية وجود صفقة بينها وبين مشرف لتقاسم السلطة ،وذلك تحت رعاية الولاياتالمتحدة التي أصبحت حليفا قويا لباكستان في مجال مكافحة ما يسمى الإرهاب الدولي منذ عام 2001 . ولكن تحالفها مع نظام مشرف لم يمنعها من مواصلة معارضتها لسياسته في العديد من المناسبات، وجاءت القطرة التي أفاضت ثورة رئيسة الوزراء السابقة والراحلة عندما فرض النظام حالة الطوارئ في البلاد في الثالث من نوفمبر الماضي ،حيث عارضت بقوة ذلك القرار وصعدت من لهجتها وخطابها الداعي إلى إسقاط الحكم الديكتاتوري العسكري واستبداله بنظام ديمقراطي ، بالإضافة إلى هجومها على سياساته الاقتصادية والاجتماعية وتعهدت في تصريح أخير قائلة "نريد أن نرى باكستان حديثة ومتقدمة ودولة مزدهرة، حيث ينعم الشعب بحياة رغيدة ومستوى معيشة أفضل".. ورغم أن الرئيس مشرف وتحت ضغط الحليف الأمريكي رفع حالة الطوارئ في الخامس عشر من نوفمبر المنصرم ، وحاول التصالح مع المعارضة بما فيها حزب الشعب ، من خلال الإفراج عن بعض المعتقلين والسماح لزعماء المعارضة بتنظيم حملتهم الانتخابية، إلا أن الرجل الأول في البلاد، ورغم أنه أمسك بالسلطة من جديد بعد قبول المحكمة العليا لشرعية انتخابه ، ظل يرى في بوتو منافسا قويا له في الساحة السياسية، وخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة في الثامن من جانفي من العام القادم في حال لم يتم تغيير الموعد وقد اتهم زوجها عاصف على زردارى أحد أجهزة الاستخبارات الباكستانيةبتدبير محاولة الاغتيال التي تعرضت لها زوجته في أكتوبر الماضي. وذكرت وسائل إعلام أمريكية أن بوتو كتبت رسالة وجهتها إلى ناطق باسمها في الولاياتالمتحدة تقول فيها "إذا حصل لي شيء ما في باكستان فإنني احمل مشرف المسؤولية"، لكن سفير باكستان في الولاياتالمتحدة محمود علي دوراني نفى هذه المعلومات.. وبالإضافة إلى شعبيتها الداخلية ، كانت بنازير بوتو من المقربين إلى الغرب وبالتحديد الولاياتالمتحدة وكان ينظر إليها كبديل ملائم لنظام مشرف الذي لا يحظى بشعبية داخلية . ومع ذلك ما يزال النظام الحالي في باكستان على تحالف وثيق مع إدارة جورج بوش .. ولهذه الأسباب لم يستبعد بعض المراقبين تورط نظام مشرف في عملية الاغتيال التي استهدفت زعيمة حزب الشعب . وفي هذا الصدد أكد الزعيم المعارض، نواز شريف أن اغتيال بوتو يشكل "دليلا" على أن مشرف لا يريد تنظيم انتخابات حرة وعادلة.. وفي رده على هذه الاتهامات ، رجح المتحدث باسم وزارة الداخلية إمكانية تورط تنظيم القاعدة في عملية الاغتيال ، وأعلن المتحدث جواد شيما أن "بنازير كانت على لائحة أهداف القاعدة" . مشيرا في تصريح صحفي أمس الجمعة إلى أن " الاعتداء يرمي إلى تخريب الأمن في باكستان " .. ومن جهة أخرى، حظيت بنازير بوتو قبل وبعد عودتها إلى باكستان بعداوة الجماعات المتشددة بسبب خطابها الداعي إلى محاربة هذه الجماعات . وكانت قد أعلنت أنه في حال وصولها للسلطة ستسمح للجيش الأمريكي بتعقب عناصر طالبان وتنظيم القاعدة على الأراضي الباكستانية. كما أكدت في إحدى تصريحاتها بأن "قوى المجاهدين نقلت تركيزها من أفغانستان إلى باكستان " ، في إشارة إلى العناصر المحسوبة على طالبان والقاعدة والتي باتت تملك نفوذا كبيرا في المناطق القبلية على الحدود الباكستانية الأفغانية . ولم تكتف بهذه التصريحات وإنما اتهمت حكومة مشرف بالتساهل مع هذه الجماعات ..وتؤكد الولاياتالمتحدة عبر تقاريرها الاستخباراتية أن شبكة القاعدة وحركة طالبان الأفغانية أعادت تشكيل صفوفهما بدعم من قبائل باكستانية ، في المناطق القبلية الواقعة في شمال غرب باكستان على الحدود مع أفغانستان .. على صعيد أخر ، ورغم أن أصابع الاتهام في اغتيال رئيسة الوزراء السابقة توجه حتى الآن إلى كل من النظام والعناصر المتشددة،إلا أن بعض المراقبين لا يستبعدون وجود طرف ثالث يسعى إلى زعزعة الاستقرار في هذا البلد المسلم والنووي الذي يعد 160 مليون نسمة ، وذلك من أجل فرض أجنداته الخاصة في تلك المنطقة الحساسة من العالم . وقد أصبح ما يسمى بالفوضى الخلاقة يطبق في العديد من الدول .. وتعيش باكستان منذ سنوات عنفا متواصلا وصلت ذروته عام 2007 ،حيث نفذت سلسلة عمليات انتحارية أوقعت حوالي 800 قتيل ،حسب حصيلة لوكالة الأنباء الفرنسية . قتلى في أعمال شغب أعقبت اغتيال بوتو اندلعت أعمال شغب متفرقة الجمعة لليوم الثاني على التوالي في باكستان غداة اغتيال زعيمة المعارضة بنازير بوتو.وأسفرت تلك الأعمال عن مقتل 19 شخصا في مختلف مناطق البلاد ،حسب وكالات الأنباء. وشيعت جنازة بوتو الجمعة وسط ألاف من الحشود في إقليم السند الجنوبي . وقد دفنت في مدافن العائلة التي تضم والدها وشقيقيها .. ففي بيشاور، شمال غرب البلاد قام جمع من مناصري بوتو إلى إحراق مكتب الحزب المؤيد للرئيس برويز مشرف. وهتف حوالي 1500 متظاهر "بوتو حية" وهم يجوبون الشوارع ثم أضرموا النار في مكتب الرابطة الإسلامية ، ورجموا واجهة صالة سينما بالحجارة. وقد أعطت القوى الأمنية في كراتشي الأوامر بإطلاق النار على مرتكبي الشغب.ونشرت القوات الخاصة 16 ألف رجل في إقليم السند الجنوبي، بينهم عشرة ألاف لعاصمة الإقليمكراتشي. ومنذ إعلان اغتيال رئيسة الوزراء السابقة الخميس، صب الآلاف من مناصري حزب الشعب الذي كانت ترأسه جام غضبهم في كراتشي، المدينة الجنوبية الكبرى، ولاهور، المدينة الشمالية الشرقية الكبرى، وبيشاور في الشمال الغربي.واحرق المناصرون الغاضبون سيارات ومباني رسمية وغيرها من رموز سلطة الرئيس برويز مشرف .. ومن جهة أخرى ، قتل أربعة أشخاص بينهم عضو في حزب الرئيس مشرف في عملية تفجير في وادي سوات شمال غرب البلاد ..وكانت بوتو قد اغتيلت يوم الخميس عندما أطلق انتحاري عليها النار وهي بصدد توجيه التحية لأنصارها من داخل كوة سيارتها المصفحة المفتوحة .وقد ذلك قام الانتحاري بتفجير قنبلة كان يحملها ، مما أدى إلى مقتل عشرين شخصا على الأقل ،بالإضافة إلى جرح آخرين . وتوفيت بوتو في المستشفى ولم يعرف إن كانت توفيت بسبب إصابتها في إطلاق النار أم في الانفجار.. و أدانت عدة دول عربية بينها الجزائر وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بشدة اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة . ومن جانبها أدانت الدول الغربية عملية الاغتيال بشدة .. نواز شريف يطالب بتأجيل الانتخابات طالب الزعيم الباكستاني المعارض و رئيس الوزراء السابق نواز شريف باستقالة الرئيس برويز مشرف ،متهما إياه بشكل مبطن بأنه مسؤول عن اغتيال بنازير بوتو. كما طالب شريف أيضا بتأجيل الانتخابات التشريعية المقررة في الثامن من جانفي القادم ،معتبرا أن الإبقاء على موعدها سيؤدي إلى "دمار" باكستان . وقال نواز شريف للصحافيين "إذا بقيت الحكومة متمسكة بموعد إجراء الانتخابات في الثامن من يناير، فذلك سيؤدي بنا إلى طريق التدمير الذاتي الذي لن يؤدي فقط إلى تدمير الحكومة وإنما أيضا إلى تدمير البلاد". واتهم شريف الذي عاد مؤخرا من المنفى أن النظام الحالي" ليس لديه أي نية لإجراء انتخابات حرة وعادلة" ، بدليل ما حدث يوم الخميس .. وتؤكد الحكومة على لسان أحد مسؤوليها أنها لم تتخذ بعد قرارا بخصوص إبقاء الانتخابات التشريعية في موعدها أم لا ،مشيرا إلى أن القرار سيتخذ بعد التشاور مع كل الأحزاب السياسية. وكانت بوتو ونواز شريف ينددان منذ أسابيع مسبقا بعمليات "التزوير" التي يقوم بها معسكر مشرف لإفساح المجال أمام الرئيس الباكستاني للاحتفاظ بالسلطة بنتيجة الانتخابات التشريعية والإقليمية. وبعد ساعات على الاعتداء الذي أدى إلى مقتل بوتو وعشرين شخصا على الأقل ، أعلن شريف أن حزبه سيقاطع الانتخابات التشريعية والإقليمية .كما وعد نواز شريف الذي يرأس ثاني اكبر حزب في المعارضة بعد حزب بوتو، الباكستانيين أمام المستشفى الذي توفيت فيه رئيسة الوزراء السابقة "بخوض حربهم" ضد سلطة مشرف. القاعدة ..المتهم الأول! بمجرد الإعلان عن اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو استبعدت كل الفرضيات ووجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى تنظيم القاعدة والعناصر التي تؤيده داخل باكستان .ورغم أن نظام الرئيس مشرف أكد أنه ليس" لديه علم" بأن القاعدة تقف وراء الاغتيال ،إلا أنه عاد و"رجح" تورط هذا التنظيم ،حيث قال المتحدث باسم وزارة الداخلية أن "بنازير كانت على لائحة أهداف القاعدة وأن هذه الأخيرة تقف على الأرجح وراء العملية ". وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ووزارة الأمن الداخلي، قد سارعتا الخميس إلى استصدار بيان أشارا فيه إلى تورط تنظيم القاعدة ، وفي نفس السياق ، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصادر إعلامية باكستانية وإيطالية قولها الجمعة إن القاعدة في أفغانستان أعلنت مسؤوليتها عن عملية الاغتيال .وأوردت وكالة" أكي" الإيطالية للأنباء أن زعيم التنظيم في أفغانستان مصطفى أبو اليزيد، أعلن أن عملية الاغتيال جاءت بناءً على قرار اتخذه الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في شهر أكتوبر الماضي، وأكد أن تنفيذ العملية تم عبر شخصية متبرعة تنتمي لخلية بنجابية. ونقلت الوكالة عن أبو اليزيد قوله إن تنظيم القاعدة قضى على ما وصفه بأغلى رصيد أميركي في المنطقة وهو "بوتو" على حد تعبير أبو اليزيد.. وكانت محطة تلفزيون خاصة في باكستان قد أكدت الجمعة أن تنظيم القاعدة أعلن مسؤوليته عن اغتيال بوتو.. بنازير ..نهاية مأساوية أخرى لعائلة بوتو ورثت بنازير بوتو المولودة عام 1953 التحدي من والدها ذو الفقار علي بوتو الذي أعدمه ضياء الحق عام 1979 وسجن ابنته بنازير لتقضي أغلبية السنوات الخمس من سجنها في حبس انفرادي، وقد وصفت تلك الفترة بالشديدة القسوة. ثم أسست بوتو خلال الفترات التي قضتها خارج السجن للعلاج مكتبا لحزب الشعب الباكستاني في العاصمة البريطانية لندن، التي كانت درست فيها بجامعة اكسفورد ثم في هارفارد بالولاياتالمتحدة . و بدأت بوتو حملة ضد الجنرال ضياء الحق في سن مبكرة ، حيث لفتت أنظار الباكستانيين بسبب عنادها وقوة شخصيتها . وشغلت بنازير بوتو منصب رئيسة وزراء باكستان مرتين، ما بين عامي 1988 و1990، و ما بين عامي 1993و1996. وكانت أول امرأة تتولى رئاسة حكومة دولة مسلمة. أثار زوجها آصف زرداري ، والذي شغل منصب وزير الاستثمارات إبان حكمها، الكثير من الجدل. واتهمته حكومات باكستانية عديدة باختلاس ملايين الدولارات من الدولة، وهي تهم ينكرها وتنكرها زوجته. غادرت بوتو باكستان في نفس العام بعد إدانتها لتقيم في دبي بالإمارات مع أولادها الثلاثة ، ثم انضم إليها زوجها بعد الإفراج عنه عام 2004. وعادت إلى باكستان في أكثوبر 2007 في إطار صفقة لتقاسم السلطة مع الرئيس برويز مشرف ليتم اغتيالها يوم الخميس 27 ديسمبر . و بوتو هي الابنة الأكبر لذو الفقار من زوجته الثانية نصرت إصفهاني "الإيرانية من أصل كردي" . وقد تلقت نفس المصير المأساوي للعديد من أفراد عائلتها ،حيث أعدم والدها ، ثم لقي شقيقها الأكبر، مرتضى نفس المصير ، حيث فر بعد خلع والده إلى أفغانستان وقاد جماعة مسلحة تلقت دعم دول في الشرق الأوسط، تحت اسم ''ذو الفقار'' ضد الحكم العسكري في باكستان. غير أنّ مرتضى لقي حتفه بدوره بوقت قصير من عودته لباكستان، تماما مثل شقيقته. أما شقيقها الآخر شاهنواز، فقد عثر عليه ميتا في ظروف لم يتمّ تحديد ملابساتها بدقة في فرنسا عام 1985. ولكن عائلة بوتو لن تنتهي مع اغتيال بنازير ، حيث أن هناك ابنة أخيها فاطمة بوتو المتوقدة الذكاء والتي يرى فيها البعض وريثتها السياسية .وقد تركتها عمتها في لندن خشية على حياتها إذ كانت تستشعر الخطر مسبقا فيما يبدو.. نيويورك تايمز : الاغتيال يؤكد فشل الإدارة الأمريكية أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن إدارة الرئيس جورج بوش هي الخاسر الأكبر جراء اغتيال بنازير بوتو.وقالت الصحيفة إن عملية الاغتيال هذه ضربت كافة الجهود الدبلوماسية التي تابعتها إدارة بوش في العام الماضي لتحقيق المصالحة بين بوتو ومشرف، مشيرة إلى أن اغتيال مثّل ضربة كذلك للتدخل الأمريكي في شؤون باكستان الداخلية. وتقول الصحيفة: إن اغتيال بوتو مثّل كذلك فشلاً لاثنين من أهداف الرئيس الأمريكي الأساسية في المنطقة؛ الأول: محاولته المزعومة لجلب الديمقراطية إلى العالم الإسلامي، والثاني: نزع القوة من الإسلاميين المسلحين والمنتشرين بكثافة في باكستان، مذكرة بأن باكستان مثلت نقطة البدء في معركة بوش ضد ما يسميه الإرهاب. ويؤكد محللون أمريكيون أن اغتيال بوتو أكد عدم قدرة الولاياتالمتحدة على التعامل مع الشؤون السياسية الداخلية لباكستان.وتذكّر الصحيفة بالجهود الأمريكية لإعادة بوتو إلى باكستان، والضغط على مشرف لجعله يقبل باتفاق تقاسم السلطة مع بوتو، ويصف مسؤول أمريكي هذا الاتفاق بقوله: لقد كان بمثابة وضع ثعبانين في قفص واحد.