عبد العالي رزاقي سنة أولى "ثقافة أم قاعدة"؟ هل يمكن اعتبار 2007 سنة أولى "ثقافة عربية في الجزائر أم سنة أولى مزايدة بين أحزاب الائتلاف الحكومي أم عام القاعدة؟ ثقافة القصر والفنادق! بالرغم من أن الجزائر كانت عاصمة للثقافة العربية خلال 12 شهرا من العام الماضي، إلا أنه يصعب على المتتبع لهذا النشاط المكثف أن يخرج برؤية واضحة لبصماته في الواقع الثقافي الجزائري المعيش. وما ميز الأسابيع الثقافية العربية أو أسابيع الثقافة الولائية هي أنها أقيمت بعيدا عن جمهورها الحقيقي، فكانت في قصر الثقافة بالدعوات الرسمية، وفي مقام الشهيد في شكل فلكلور، أو في المكتبة الوطنية والموڤار محصورة بين المحظوظين من المتعطشين للثقافة العربية. ومن يتوقف عند الأسابيع الثقافية العربية يجد أنها كانت بمثابة تسجيل حضور "سياسي" بل إن بعد المحاضرات والأماسي الشعرية تم إلغاؤها أو تقليص المشاركين فيها. أما الأسابيع الثقافية للولايات فكانت المنافسة شديدة بين "الولاة" وليس بين مديريات الثقافة، بحيث خصص بعض الولاة غلافا ماليا معتبرا لتسجيل الحضور الثقافي لولايته في هذا "العرس العربي". الغائب في جميع النشاطات الثقافية والفكرية هو إتحاد الكتاب الجزائريين الذي ما يزال ملفه في العدالة، إلى جانب اللجنة التي شكلتها وزارة الثقافة وفشلت في إثبات حضورها، لأن الوزارة كانت تريد تجارا وليس كتّابا ومفكرين لاستقبال الوفود العربية. والانطباع الذي يخرج به من تابع "الجزائر عاصمة الثقافةالعربية" هو أنها أقيمت ب (طاقم) من شاركوا في إعاد السنة الثقافية الجزائرية في فرنسا عام 2006، أو بتعبير آخر "سنة الثقافة الفرنكوفونية الجزائرية في فرنسا". والمفارقة الأولى أن الحضور العربي كان يتنقل بين الفنادق، ولأول مرة، ينام كتّاب جزائريون في "الشيراتون" مع الكتّاب العرب. والمفارقة الثانية هي أن الثقافة العربية حضرت في قصر الثقافة والموڤار والمكتبة الوطنية ولم تنزل إلى الشارع الجزائري، وإن بادرت بعض الجمعيات الطلابية إلى إقامة أماسي شعرية في الإقامات الجامعية. والمفارقة الثالثة أن عدد الحضور في "الموڤار أو المكتبة لا يتجاز ال 100 شخص، أغلبهم من الوفد المشارك في النشاط الثقافي أو الفني. لقد حاولت أطراف في السلطة تسييس السنة الثقافية العربية لتكريسها ل (12 يناير) يوما لها إلا أن ذلك لم يأت بثماره. ربما تكون "ليالي الشعر العربية" التي نظمتها المكتبة الوطنية و"إقامات الإبداع" أهم حدثين في هذه السنة. سنة "اللابرنامج"! ولأول مرة، في تاريخ التعددية، تدخل الانتخابات الأطراف الجزائرية الصغيرة والكبيرة دون برنامج، وتتحدث بخطاب واحد، ولأول مرة تنتصر وزارة الداخلية للمنشقين في الأحزاب، وتنهي فكرة الأغلبية في البرلمان، كما تنهي الأغلبية في المجالس الشعية والولائية، بحيث صار التحالف بين الأرسيدي والأفافاس وجبهة التحرير ولويزة حنون أمرا واقعا، أو التحالف مع "الأرندي أو حماس" أمرا واقعا. صارت البلاد بسبعة رؤوس"سياسية" بلخادم، أبو جرة، أويحيى، تواتي، أيت أحمد، لويزة حنون، وسعيد سعدي. فقدت المعارضة وجودها في الساحة السياسية بحيث صار "الأرندي" حزبا معارضا في ولاية مثل البويرة، وبقية الأحزاب مع رئيس حكومة، وفي مكان آخر صارت جبهة التحرير في المعارضة، وفي مكان ثالث صارت حركة مجتمع السلم في المعارضة، وانقلبت المفاهيم فلم نعد نفرق بين المعارض والحاكم. والمفارقة الجديدة هي أن أحزاب الائتلاف الحكومي والتحالف الرئاسي صارت أحزاب معارضة ل (الحكومة) دون أن تسحب وزرائها منها، فهي تعارض نفسها، فأبو جرة سلطاني يطالب برحيل الحكومة ولكنه لم يجرؤ على الانسحاب منها، وأحمد أويحيى صار منظرا اقتصاديا، بعد أن كان يعتبر نفسه "خريج المدرسة الدبلوماسية"، وهو ممن ينطبق عليه المثل الشعبي: "المعزة جيفه ومصارنها حلال"، بمعنى أن تقلّده رئاسة الحكومة مرتين لم يجلب له إلا المزيد من التنظير. يفترض أن بلخادم وأويحيى وأبوجرة شركاء في حكومة يناقشون أولويات برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة باعتبارهم يمثلون تحالفا سياسيا. ويفترض أن أداء الوزراء يكون في مستوى تطلعات البلاد، وألا يلجأ الرئيس إلى "بهدلة" وزراء أحزاب الائتلاف الحكومي على المباشر في التلفزيون، في كل خرجة له. لنتحدث صراحة بمنطق أحمد أويحيى الذي يتحدت عن ميكانيزم السوق، من منطلق ثقافة "الحزب الواحد" أو الاقتصاد الموجّه، وهو المنطق نفسه الذي يمارسه رئيس الحكومة في دعم البطاطا والحليب وغيرهما، وإن كان بلخادم تجاوز أحمد أويحيى في ربط ذلك برفع الرواتب. إن القراءة البسيطة لميكانيزيم اقتصاد السوق كما يتعلمها طلبة سنة أولى اقتصاد، هي أن الدعم يكون للمنتج وليس المستهلك، ويكون ذلك بإيجاد أسواق لتسويق المنتوج. أما قيمة المادة الأولية للمنتوج فهي خاضعة للبورصة ولا تتحكم فيها الحكومات. أمريكا تدعم فلاحيها بشراء إنتاجهم وإعادة تسويقه عبر منظمات الأممالمتحدة، وأوروبا تلغي الضريبة على الإنتاج ليجد موقعه في اقتصاد السوق، ويكفي أن الرئيس الفرنسي حين وجد إنتاج الطيران الفرنسي في "ضائقة مالية" اختار السوق الليبية لتسويق ما يقابل 10 مليار أورو، وحين وجد "مؤسسة التروماي" دخت "الإفلاس" أحياها بالاستثمار في المدن الجزائرية ذات الشوارع الضيّفة التي لا تصلح لمثل هذا الإنتاج. وما دامت الجزائر ما تزال في مرحلة الاقتصاد الوسيط، وأن إنتاجها الوحيد هو المحروقات أو الطاقة، فإن ارتفاع أسعار "المصنوعات والمشتقات البتروكيماوية" بسبب ارتفاع سعر رميل النفط الخام يستدعي رفع أجور ورواتب الموظفين، هذا ما يطمح إليه بلخادم، ويطعن فيه أحمد أويحيى بوصف ما قام به ب "الإجراء الشعبوي". صحيح أن الديماغوجية من ميكانيزمات السياسية ولكنها ليست من وسائط "الجهل المركب" أو منطق "معزة ولو طارت". الإرهاب جزائري و" التنظيم إقليمي"؟ وضعت المصالحة الوطنية حدا لمرحلتي قانوني الرحمة والوئام المدني، وقطعت الصلة بين الإرهاب والعمل السياسي، ولم يعد هناك غطاء لأية "جريمة منظمة"، في الجزائر، ولعل هذا ما دفع بما يسميه وزير الداخلية ب (بقايا إرهاب) إلى الالتحاق ب "القاعدة". والإرهاب المصنع "دوليا" لم يستهدف منذ ظهوره في الجزائر عام 1993 لغاية اليوم، واحدا من أصحاب القرار، أو "أهل العقد والحل"، باستثناء تلك الرسالة المشفّرة التي بعثت إلى وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار، عبر سيارة مفخخة انفجرت في طريق كان يسلكها أحيانا في اتجاهه إلى وزارة الدفاع. والفرق بين الإرهاب في الجزائر، وفي مناطق أخرى من العالم، أنه في بلادنا يستهدف الشعب وليس السلطة، ربما يقول لي البعض لكنه استهدف قصر الحكومة ورموز الدولة أعالى العاصمة، فأقول، لو وقعت هذه التفجيرات ليلا في هذه المؤسسات أو تم الانذار أو التبليغ عنها قبيل تفجيرها لإنقاذ المواطن لربما قلت إن ذلك صحيحا. لو كان ما يسمى ب (قاعدة المغرب الإسلامي) يستهدف السلطة لأعدنا النظر في الموقف منه، لكنه مع الأسف الشديد تنظيم يلحق الضرر بالشعوب، ويدعم السلطات القائمة، وكأنه تنظيم مسلّح جاء ليعطي للسلطات العربية مشروعية البقاء في السلطة واستخدام العنف. ويبدو أن اختيار الجزائر مركزا لهذا التنظيم ليس عفويا، وإنما يأتي من رؤية استراتيجية للدوائر التي تقف وراءه، بهدف تكبيل الجزائر وتقييدها حتى لا تنطلق، وتبقى في حكم "المستعمرات" التابعة لهذه الدولة أو تلك. ففي الوقت الذي صارت فيه فرنسا أحد أدوات القرار الأمريكي في الوطن العربي، وتسعى لرعاية المصالح الأمريكية، اتجهنا نحوها، وكأننا في حاجة إلى وسيط للدخول إلى "عالم الغرب" أو سلطة "العم سام". لقد كانت سنة 2007 بحق عاما للثقافة مقابل 700 مليار دولار، وعاما لنهاية المعارضة مقابل التواجد في الولايات، وعاما لميلاد قاعدة المغرب الإسلامي مقابل المزيد من الانغلاق السياسي والإعلامي والحصار للمواطن، فهل ستكون سنة 2008 مرحلة جديدة لتحرير الجزائر من خطاب الشاذلي بن جديد في عهدتي الحزب الواحد والتعددية وعدم تحمل المسؤولية؟