رشيد غلام رفقة صحفي الشروق في هذا الحوار الذي خص به جريدة "الشروق اليومي"، يفتح الفنان المغربي المتألق رشيد غلام النار على المشارقة واصفا إياهم بالمستعلين، ومعتبرا إياهم صناع نجوم تافهين، موجها سهام نقده إلى النظام المغربي الذي وصفه بالمتسلط والقامع للحريات، سائقا ما اعتبرها "أدلة على كلامه"، وواضعا برنامج منشد الشارقة الفني في خانة "التافه وغير المفيد".. * الكثير يستغرب منك، وأنت الإسلامي المنتمي لجماعة إسلامية كبيرة في المغرب، كيف لك ان تدخل للأوبرا وتغني فيها؟ ألا يتعارض هذا مع أبجديات عملكم التقليدي؟ * وما العجب؟ يا سيدي هذه ذهنيات تشكلت عند الحركة الإسلامية وتشكلت عند عموم الناس بالإسلام الوراثي العادي التقليدي.. * * بين قوسين قبل أن تكمل اشرح لنا ما مقصودك بالاسلام الوراثي؟ * الاسلام الوراثي هو الإسلام الذي اكتسبناه عن غير علم وبطريقة غير علمية، يعني فقط من الخبر الفردي ومن الآباء البسطاء الذين لا يعلمون من الدين الشيء الكثير * * نكمل ما بدأناه؟ * كنت أقول أن الخبر الذي توارثناه هو أن الموسيقى حرام والغناء حرام، وأن من يمتهن هذه المهن هي بذيئة، ولكن أيضا انتشر عند الحركة الاسلامية فنّا، نسميه بين قوسين فن النشيد، يُتصور كأنه هو البديل عن الفن الموجود.. أنا برؤيتي أولا أن الفنون هي ميراث حضاري إنساني تتقاسمه جميع البشرية، أقصد الفنون جميعها، وأن الشرع لا يقبّح شيئا منها أبدا، فما قبّحه الشرع معروف وما قبحه الطبع أيضا معروف، فإذن نحن الإسلاميين أو من يحمل رسالة الاسلام، على الاقل بالكلمة، يجب ان يتناول جميع القوالب الجمالية الموجودة في هذا الميراث البشري الانساني كاملة، لا يقتصر على لون واحد، لكي يبلّغ نور الاسلام وروح الاسلام، يجب أن يكون الاسلام غرضا، في الشعر والكلمة والاغنية والموشح والقصيد .. ولم يعطنا الاسلام شكلا فنيا أو قالبا فنيا لشيء معين، بل الاسلام احترم الطباع التي توارث عليها الناس واحترم الموازين الشعرية، فهو لم يأت بميزان شعري أو بحر من بحور الشعر يختلف عن البحور الشعرية التي كانت في الجاهلية وسماه إسلاميا، لا وإنما أقرّه، لأن علوم الآلة الموجودة هذه متوارثة لدى لناس، المشكل ليس في الموازين والقوالب، المشكل في المضامين الموجودة في ذلك، إذن ما وجده الاسلام استحسنه واستعمله مع الطبائع البشرية وبث فيه روح الاسلام، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم استحسن من الشعر القديم ما كان يناسب مع الاسلام بالرغم من ان الشاعر كان كافرا، عندما قال في معنى الحديث "رب كلمة قالها شاعر قول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل"، وقال في حديث آخر:"أسلم شعره وكفر قلبه" * * وإذن دخلت الأوبرا؟ * فإذن دخولي للأوبرا هو دخول من باب العريض هو دخول من باب روح الرسالية في الغناء العربي، هو لتبيين ولتوضيح من يحملون المشروع الاسلامي ليسوا ضد الجمال، وليسوا ضد الفن وليسوا ضد الثقافة كما يصورهم الانظمة السياسية، وكما يروج له في بعض المنابر الاعلامية في الشرق وفي الغرب وخصوصا أمريكا وغيرها، نريد أن نتصور الصورة الحقيقية للدين، لرؤية الدين الجمالية، خصوصا في مجال الغناء والموسيقى، أنا دخلت لأنني أعتبر أن الغناء العربي بقوالبه الجمالية لا تعارض فيه مع الاسلام ، وإنما هناك شذوذ في بعض المضامين، فما استقبحه الشرع استقبحه أيضا الطبع البشري، والاسلام هنا يصحح الاشعار، ويقول هذا شعر ماجن وهذا شعر كذا، حسب سياج الشريعة الموجود، ولا يقول إن هذه الأغنية لا توجد في قالب إسلامي، ولذلك أنا أردت أن أعطي صورة لا للذين يريدون أن يشتغلوا في النشيد فقط لأقول لهم ادخلوا من هذا الباب لكي تشغلوا جميع الناس والقاعدة العريضة ولا تبقوا مقتصرين على فكر ضيق وعلى إمكانيات بسيطة محدودة أيضا، على صورة نشأت في ظروف معينة.. * * لو تشرح لنا هذه الفكرة أكثر؟ أي ظروف هذه؟ * يا سيدي، "النشيد الاسلامي" بالقالب الذي هو عليه صورة نشأت في ظروف بسيطة استثنائية، في ظروف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وبمعتقلات الإسلاميين ومخيماتهم، فاعتبرت أنها هي القالب الاسلامي، هذا من المغالطات التاريخية، وايضا من الميراث التاريخي الثقيل للحركة الاسلامية ان تتخلص وكيف تخرج من هذا الطابو الذي هو النشيد بهذا الشكل، لكي تدخل إلى عالم الجمال بما فيه من قوالب .. * * أفهم من كلامك أنك تمثل تيارا جديدا ومتجددا في ابجديات العمل عند الإسلاميين في المجال الفني الجمالي، إلى أي مدى تعتقد أنه سيكون لهذا الفكر حَمَلًة في هذا المستوى الذي تتحدث عنه بالمقارنة مع ما هو موجود في السوق؟؟ * أنا أتصور أن حملته سيكون من رواد الفن الموجودين إذا كانت روح أخرى نورانية، وفي المجالات الاخرى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي سيتبنى الناس هذه الروح الاسلامية ويبثونها جمالا في الشعر والكلمة والسينما والغناء والموسيقا، والاسلاميون اتصور انهم في ظروف واقعهم سينصرفون شيئا فشيئا عن الفكرة الضيقة، سيوسعون أفق تفكيرهم في مسألة الفن والنشيد الاسلامي .. الآن ظهر أن جمهورها جمهور مزيف مرتبط بالقضية أكثر مما هو مرتبط بالقوالب الجمالية التي يعطيها النشيد،مرتبط بالمضمون بالفكرة بالقضية.. * * ماذا تقصد تحديدا بمزيف؟ * أقصد جمهورا ليس جماليا، وإنما يتابع الفكرة متحمس للقضية الفلسطينية ولنصرة الننبي صلى الله عليه وسلم، فهذا شعور إيماني يجعله يتماشى مع ذلك.. هناك من يتصور أن الطرب حرام وأن الغناء حرام، فلو قيّمنا ما هو موجود في النشيد الاسلامي باقتدارها الفني وبعلمية، فسنجدها رديئة ومهترئة شيئا ما، أغلبها بسيط جدا وأغلب الأصوات المشتغلة في هذا المجال متواضعة جدا.. فالجمهور الحقيقي هو عموم أمة سيدنا محمد (ص)، طبعا هذه الأمة حدث لها مسخ ثقافي عبر القنوات الفضائية الخليجية وغيرها .. لا أريد أن أذكرها لأنها سوق نخاسة أكثر منها قناةمع هذا المسخ، إلا أن عموم الامة لا يزالون يميزون بين الجيد والرديء، إذ هناك موازين تواضع عليه الناس من الصوت الحسن واللحن الجميل والقوالب المنضبطة والألحان المنسجمة والأشكال التي تعطي الحس الجمالي والجيد.. * * عفوا يعني أنت إسلامي، مع ذلك لا تمانع من أن يكون ضمن الكورال المرافق لك أصوات نسائية، أليس هذا أيضا مخالف للحيثية الأيديولوجية للإسلاميين؟ * انا لا أعرف ان كنت قد سمعت لحواري في الجزيرة ام لا، فانا قلت حينها أنه ليس بالضرورة من يمثل الإسلام هم الإسلاميون، هم أناس اشتغلوا لدعوة الاسلام.. الاسلاميون ليسوا هم المرجع، بل المرجع هو الاسلام، وأقصد بهذا الكلام أن الاحتكام يكون للإسلام وليس للاسلاميين، يعني اذا اختلف اثنان في نقاش ما، فسيرجعون الى الاسلام وللشريعة وللعلماء وليس لأمزجة الاشخاص واجتهاداتهم، وبالتالي انا لا يهمني رأيهم، الذي يهمني هو هل أنا منضبط مع الشرع أم لا، مسألة تغني المرأة أم لا هذا نقاش فقهي، يبحثون هل هناك نص فقهي يحرم غناء المراة، أم لازال بعض البلهاء يقولون إن صوت المرأة عورة، أنا لست أسير الفكر الضيق الأحادي لبعض الإسلاميين.. * * من وجهة نظركم، هل تصلح المقارنة بين المشرق العربي والمغرب العربي في مجال الفنون والاقتدار الفني؟ هل حقا المغاربة لا يفتقرون للطاقات الموجودة عند المشارقة؟ * أنا أريد أن أطرح فكرة مهمة وهي ما أسميه ب" تعالي الشرق"، وتعالي الشرق ليس في مجال الفنون فقط بل في الثقافة والفكر والعلوم، منهم من يعتبر المغرب العربي منطقة مستهلكة ولا يمكن أن يبرز منها مبدعون أو مثقفون أو علماء، هذه المسألة تاريخيا موجودة، وحتى نحن عندنا نوع من الدروشة امام كل ما يأتينا من الشرق، وثم ايضا التركيز الاعلامي الموجود هنالك يبدي لك العجل أسدا، ويصنعون لنا نجوما في الدعوة وفي الانشاد وفي السياسة، يصنعون حتى ابطالا تاريخيين في حكامهم، يقولون هذا المجد بالرغم من انه حكم امس فقط.. فالبترودولار أفسد الدين والدنيا معا، في المسألة الفنية هم لهم السبق التاريخي، أقول لهم شرف التأسيس في هذا المجال اما الاقتدار الفني فليس لهم وحدهم، لأن منطقة المغرب العربي تحتوي على طاقات اكثر ممن هو في الساحة موجود، أما فيما يخص التراث ، فمنطقة المغرب العربي لها غناء في التراث عظيم جدا يوازي ما هو موجود في الشرق.. الآن أصبح ما أسميه "خلجنة الثقافة العربية" فكل شيء دخل في الخليجي، لأن الخليج له قنوات ويمول ويصنع نجوما كما يحب، ويصنع قيَما أخرى جديدة برقصة بالرأس أو بخنجر يدور في الفضاء أو الصيد بالصقر أو أن الشعر النبطي هو الشعر العربي الأصيل.. وكأنه هذه هي الثقافة العربية الموجودة، وهذا هو التراث وهذه هي الهوية، ، فانا اعتبر الكثير من المغنين والمنشدين والدعاة مصنوعين والكثير منهم جعجعة ولا طحين * * على ذكرك الصناعة، يوجد برنامج كبير يعتبره البعض برنامجا أملا للفن الحقيقي، هو برنامج منشد الشارقة.. * (مقاطعا وضاحكا) أنا أعتبره برنامجا تافها ، لأنه لا يقدم أي قيمة جديدة، حتى لمن يستدعوهم من المنشدين لا يقدمون أي جديد، فلا يقدمون لهم دورات تكوينية حقيقية لا يقيسون مستواهم الفني، يدرجون التصويت لرسائل أس أم أس، والتصويت فيه العاطفة والقطرية والمال، والأكثر من هذا لا ينتج شيئا، يعني شخص يدخل المسابقة ويصوت عليه الناس يصبح منشدا، هل هذا معقول؟ حتى التحكيم لا يعتمد على أي مقاييس فنية محترمة أو متواضع عليها في علوم الفنون، فلهذا أجده برنامجا ملهاة تافهة وتصور الفن بين قوسين الاسلامي تصويرا مشوها، تريد أن تصور للعالم أن الاسلام هذا الكبير صورته الفنية هو دف بذلك الشكل الذي تعرضه الشارقة، فهو برنامج تافه للأسف.. * * يعني لو دعيت للانضمام إلى لجنة تحكيم المسابقة، كيف سيكون ردك؟ * الرفض مطلقا، حتى يحددوا لنا ما قصدهم بالفن الاسلامي.. يا أخي أنا إنسان علمي، لا تبهرني الأشكال والفضفضات هنا وهناك، مثلا إذا حدثتني عن الفن الوجودي سأفهم قواعده وأسسه، أما الفن الاسلامي فلا أعرف حدوده، ولست مستعدا لأقول كلاما استهلاكيا وفقط.. * * أنت تتخاصم مع كل شيء وأجوبتك حادة؟ * أتخاصم مع كل شيء ولكني اقول الحقيقة، أما إيجاباتي فحادة أم واضحة؟ إذا أردتني أن نجامل فالأمر سهل .. * * دعنا نجرب شيئا آخر لعلك تجامل فيه، هل ذاب الجليد بينكم وبين السلطات في المغرب؟ * لا لم يذب أي جليد بيننا، بدليل أنني ممنوع في المغرب بإيعاز من المغرب ومن كثير من الدول العربية، الكثير من الدول العربية أنا ممنوع من دخولها، وأخرى ممنوع من ممارسة أي نشاط فيها، وهذا بسبب الحظر الذي تعيشه جماعة العدل والاحسان وما يعيشه رموزها الثقافيين والفنيين والسياسيين وغيرهم * * كيف تنظرون إلى مستقبل جماعة العدل والاحسان في ظل الأوضاع التي تصفونها؟ * جماعة العدل والاحسان هي جماعة ماضية في مشروعها وفي تكوين وتقوية ذاتها وفي تغلغلها في عموم الشعب المغربي والمسافة بينها وبين مراد الله من النصر في المغرب قريب بإذن الله * * لكن الاسلاميين في المغرب حققوا نجاحات باهرة في الانتخابات الاخيرة؟ * يا سيدي نحن في العدل والاحسان لم ندخل في العملية السياسية لأننا نعتبر ذلك تزكية للنظام السياسي المغربي الموجود، انتصروا أم لم ينتصروا هذا تقييم آخر، يبين أن القاعدة المغربية تحب الاسلام والاسلاميين، كيف تخدم النظام السياسي المغربي القائم هذا تخدم النظام وتطيل عمر النظام وهي شبه ماكياج للدولة حتى تظهر وكأنها دولة قانون ودولة حريات * * طبعا هذا من ووجهة نظرك، هل..؟ * (مقاطعا) ليس في نظري بل في الواقع، والدليل أن جماعة كلها ممنوعة من ممارسة نشاطها، والدليل على ذلك أنني انا ممنوع في المغرب من كل نشاط فني وثقافي، والدليل على ذلك أن الكثير من الاخوان في الجماعة ممنوعون والدليل على ذلك المعتقلون من الجماعة ومن غيرها، والدليل على ذلك منع الدولة لكل الوقفات الأخيرة التي مع غزة، والدليل على ذلك ضرب الدولة لجميع المنتديات في الجماعة واعتقال الناس من بيوتهم، والدليل على ذلك الاختطافات التي لازالت لحد الآن، والدليل على ذلك المعطّلون بالآلااف من دكاترة ومثقفون الذين لايزالون يُضربون، والدليل على ذلك حل حزب كامل بذاته، حله النظام المغربي بدون أي ذريعة قانونية وبدون أي حكم قانوني، والدليل على ذلك ما شاء الله من الأخبار.. * * وددت لو نختم حوارنا بسؤال ربما غريب، وهو لماذا يغلب على لباسك اللون الاسود؟ هل في هذا سر؟ * هل تعتقد هذا!! ربما لأنني أحب السواد وأحب الليل.. * *